CET 00:00:00 - 28/05/2009

مساحة رأي

بقلم: منال بولس
حين ينعم الخالق على المرء بنعمة المال ورغدة العيش ولا يمنحه البنون، كثيرًا ما يشعر هذا المرء بالتعاسة لأنه لا يجد حينها متعته بالمال دون أن يكون هناك امتدادًا لإسمه على الأرض، وحين ينعم الخالق على آخر بالبنين دون المال الكافي لسد احتياجاتهم الأساسية يشعر هذا المرء أيضًا بالتعاسة، فمن منا يحتمل نظرة احتياج أو حرمان من أبناءه، ويتصالح المرء كثيرًا مع نفسه حين ينعم عليه الخالق بالمال وبالبنين معًا ويا حبذا لو كان هذا المال هو نتيجة لعمل كريم وشريف يحبه المرء وينجح فيه.
هي سيدة -من أصل فلبيني- تعمل مدبرة منزل لعائلة مجاورة لي أشاهدها تقريبًا كل يوم بصحبة أبناء هذه العائلة فهي ملازمة لهم في كل مكان، واعتدنا أن نرتقي يوميًا نفس الباص الذي يحمل ابنتي وأبناء هذه العائلة إلى مدرستهم، وكانت حين تراني وبصحبتي ابنتي الصغيرة ذات الثلاثة أعوام والتي ترافقني دائمًا في رحلتى اليومية لتوصيل ابنتي الكبرى للمدرسة، تبدأ في ملاعبتها وملاطفتها وأحيانًا باحتضانها كأم حانية وقد تحضر لها بعض الحلوى، وتحكي لي كيف أنها ترى في ابنتي هذه صورة لإبنتها الصغرى والتي تركتها هي وأخواتها مع أبيهم منذ حوالي ثماني سنوات لتأتي إلى العمل هنا، وكيف عانت لفترات طويلة من تركها لها صغيرة ولطالما بكت لليال طويلة شوقًا إليها، لم تشفع لي دموعها التي بدت تظهر في عينيها.
وحدّثت نفسي: كيف لأم أن تترك أبناءها هكذا لترعى أبناء غيرها مقابل المال؟؟ وأي مال هذا الذي يغني عن تواجد أم بجوار أبنائها وتواجدهم بجوارها؟..
لا أخفيكم فقد تملكني التعالي والغرور جهتها لكوني أم ولكني لا أطيق بُعد أبنائي عني للحظة والودّ ودّي لو استطعت أن ألازمهم حتى لداخل فصل المدرسة!!
لا أعلم هل هو شعور قوي بالأمومة أم هو حبي للتملك الذي أعترف أمامكم أنه من أحد صفاتي، المهم ظل السؤال: المال أم البنون يؤرقني إلى أن التقيتها يوم وقررت أن أطرحه عليها قائلةً: "ألم يحن الوقت عزيزتي لتعودي لأبنائك؟، أيستحق الأمر أن تحرميهم من تواجدك معهم ورعايتهم؟، ألم يحن الوقت لتقولي كفى للغربة؟"
فنظرت إليّ السيدة وقد ترقرقت عيناها بالدموع وانحبس صوتها وفيما هي تحاول أن تلملم كلماتها أحسسست للتو بندم شديد وأخذ يؤرقني ضميري لما سببته لها من ألم، وأفقت على صوتها الحزين يجيب: "سيدتي.. وكيف سيُكمل أبنائي تعليمهم؟، وكيف لإبني الأكبر أن يستكمل تعليمه الجامعي؟ فهو يستعد لدخولها العام القادم وهو دائمًا يطلب مني أن أستريح ليعمل هو، ولكنى أرفض بشدة لرغبتي أن يكمل تعليمه العالي ويعمل بعمل محترم ولا يكن مثلي، ودائمًا ما أخبره بأني لا زلت صغيرة ولم يطولني الشيب فيجب أن أسافر وأعمل أما هو فلا فهو لا زال شاب صغير لا يقوى على العمل، ليتني سيدتي أستطيع أن آخذ أجازتي القادمة في شهر مارس المقبل لأشاركه هذا الحدث المهم في حياتى وحياته وهو دخوله الجامعة.."
نعم.. أحسست بها وبحيرتها ولكن ماذا عن الأبناء؟، فكلنا عندما نصير آباء وأمهات نعقد دائمًا مقارنات بين ما فعله لنا آباؤنا وما نفعله نحن لأبنائنا، ونتمنى في قرارة أنفسنا أن تكون المقارنة دائمًا في صالحنا، فهل في يوم ما سيقدّر أبناؤها ما فعلته هذه السيدة لهم حتى تؤمّن لهم مستقبلهم حسب وجهه نظرها؟!، أم سيتهمونها بأنها خانت أمومتها وباعتها لأجل بعض المال وسيتمنون لو عاشوا أميين ولكنهم شبعى من حنانها؟!
وبقى السؤال بإحتماليه قائم أمامي، وبقت حيرتي معه..
المال أم البنون؟؟
منال بولس.. نونو

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ١١ تعليق