كتب : شريف إسماعيل
 
عجباً، وكل العجب، لقد استرعى انتباهي، أنه في الوقت الذى أعلن «ليبرمان»، عن خطته الخلاقة للسلام مع الفلسطينيين، سلام لا يأمن من شر ولا يشبع من جوع، مشروع يتسم بالحلول الواهية الفضفاضة، غير محددة الملامح، يهدف من طرحها إلى تسويف المواقف وتشتيت الجهود لكسب الوقت، أملاً في تأييس الشعب الفلسطيني والرهان على ما سيسفر عنه الصراع الداخلي «الفلسطيني – الفلسطيني».
 
صدّق الكنيست على توصيات وزير التخطيط الإسرائيلي، إيهود برافر، والتي تقضي بتهجير البدو من عرب إسرائيل، من صحراء النقب، والبالغ مساحتها، حوالى 12 ألف كيلومتر مربع، أي ما يقرب من ثلث مساحة الدولة العبرية، والتي تقدر مساحتها بـ 22 ألف كيلومتر مربع، والذين يمثلون نسبة 85 % من سكانه، ويقدر تعدادهم بحوالي 175 ألف نسمة، هذا فضلاً عن قرار الحكومة، بمصادرة مليون دونم، من الأراضي التي يمتلكها البدو، وهو ما يعنى بشكل مباشر الاستيلاء على 40 قرية بدوية وتهجير أهلها، تحت ذريعة تطوير المجتمع البدوي، ودمج البدوي مع المجتمع الحضري، وبالرغم من هول هذه الجريمة وهذا التبجح السياسي لإسرائيل، فأن المجتمع الدولي قد قابل هذا التبجح برحابة صدر وغفلة غير مسبوقة.
 
ولم تتحرك المنظمات الحقوقية أو مراكز حقوق الإنسان لنصرة هوية شعب صاحب قضية سياسية، يُهجر وتُصادر أرضه ويُرحل من قراه، بل حتى منظمات الاتحاد الأوربي لم تتحرك لنصرة هذه الأقلية التي تحركت وانتفضت للدفاع عن نفسها منفرده لحماية حقوقها والحفاظ على هويتها، من خلال الإضرابات والمظاهرات، والتي أغفلها أيضاً الإعلام العربي، وكأنه يُهادن إسرائيل، ويعتبر القضية شأن داخلي، وكأن إسرائيل لا تتدخل في الشأن العربي، ولم تكن المحرض الرئيسي ضد مصر في ملف مياه حوض النيل، وكانت من دعاة الحشد الدولي ضد سوريا.
 
وكان من الملفت، أن نتانياهو قد تراجع عن قراره، ورضخ لضغوط الأوساط العربية، واضعاً في اعتباره الأبعاد الداخلية للعبة السياسية والتوازنات العرقية، ولكن لماذا كل هذا التحرك وفى هذا التوقيت؟، فمن الواضح أن إسرائيل مازالت تسعى لتنفيذ مخططها في إعادة رسم حدود جديدة للوطن العربي، ووفق توصيات مؤتمر هيرتسليا لسنة2013، والذي شارك فيه ممثلين عن الأجهزة الأمنية ومراكز الأبحاث الإسرائيلية، فضلاً عن ممثلي لأجهزة المخابرات الأمريكية والاتحاد الأوربي والمملكة المتحدة، بهدف بحث الأوضاع الأمنية والسياسية بالشرق الأوسط بعد نتائج ثورات الربيع العربي، واقتراح السياسات اللازمة وخطة التعامل المناسبة مع تلك الأوضاع والمستجدات.
 
حيث أقرت فيه مجموعة من التوصيات لسياسات مقترحة للمنطقة العربية، وتضمن أمن الدولة العبرية، وقد أعلنت إسرائيل خلال المؤتمر، أن الأمور باتت مواتية أمامها لإعلان الدولة اليهودية، بسبب الظروف التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذى سيتطلب من إسرائيل تهجير ما يقرب من مليون وأربعمائة ألف مواطن من الفلسطينيين ومن عرب إسرائيل خارج حدود الدولة العبرية المزعومة، بالإضافة إلى أن إسرائيل قد حرضت ضد الوضع السوري، وأوصت بضرورة بحث إمكانية تنفيذ عملية عسكرية تحت مظلة دولية ضد نظام الأسد، بعد أن تهيأت الظروف لذلك، وبما يضمن تقسيم سوريا ومكافأة الشريك التركي بحصة من الأراضي السورية، وحتى مدينة حلب العاصمة الصناعية لسوريا، تكون المقر والوطن البديل لجزء من الفلسطينيين أو عرب 48 والذين سيهاجرون من إسرائيل.
 
أما بالنسبة للجولان، فترى إسرائيل، أنها ستكون دولة للدروز، وبما يضمن أمن شمال إسرائيل، وبذلك تصبح الدولة السورية مقسمة إلى دولة سنية وأخرى علوية وثالثة درزية، وهو الأمر الذى سيصب في صالح دولة إسرائيل سواء على صعيد تمكنها من إعلان الدولة اليهودية ، أو على صعيد أية مفاوضات مستقبلية تبحث الحلول النهائية بين إسرائيل وسوريا، لاسيما وأن بشار الأسد سيصبح جزء من الكل بعد تقسيم سوريا، ولن يكون له دور فاعل في المفاوضات النهائية أو بالنسبة للمشاكل الشائكة، والتي كانت دائماً محل خلاف سوري إسرائيلي، كالجولان والحمة أو مشكلة المياه وبحيرة طبرية.
 
أما باقي المخطط، فقد كانت هناك توصيات أخرى، تتعلق بإنشاء الدولة الكردية بكردستان العراق، تكون دولة لكل أكراد منطقة المشرق، بحيث تضم أكراد سوريا وتركيا وإيران، هذا بالإضافة إلى تقسيم العراق إلى دولة سنية وأخرى شيعية وبجانب الدولة الكردية، فضلاً عن مجموعة من التوصيات، وكانت أهمها التوصية بضرورة العمل على إنهاء الدور العسكري لكل من حزب الله بلبنان، وتحويله لحزب سياسي، بالإضافة إلى إنهاء الدور العسكري لكتائب القسام، والابقاء على حركة حماس كفصيل سياسي. .
 
هذا فضلاً عن التوصية الثانية التي كانت من الإدارة الأمريكية إلى إسرائيل، بضرورة الابتعاد عن الملف النووي الإيراني، والتوقف عن اطلاق أية تصريحات تهدد طهران وسياستها، وقد كان من الملفت للنظر، أن المؤتمر لم يتناول الأوضاع في مصر، أو أية توصيات تجاه التحركات السياسية لأكبر دولة عربية، وهو المؤشر الذى يؤكد حجم التوافق القائم بين تل أبيب والإخوان في ذلك الوقت، والذى تزامن مع حركة مصرية ضمنت هدنة طويلة الأمد بين حكومة حماس وإسرائيل، فضلاً عن القرارات التي اتخذتها الحكومة بفتح المعابر، والبدء في تنفيذ اتفاقية انشاء منطقة حرة تجارية وأخرى صناعية بين غزة ومصر.
 
وبنظرة سريعة لنتائج وتوصيات المؤتمر، نجد أن السيناريوهات التي تمر بها المنطقة العربية، هي سيناريوهات مدروسة، شاركت في كتابتها الولايات المتحدة والغرب وربيبتهم إسرائيل، وأن كافة الأحداث التي تجتاح المنطقة ليست وليدة الصدفة، بل مدبرة ومحاكة بدقة لخدمة أهداف مصالح استعمارية تخلت عن الطرق التقليدية لتمكنهم من السيطرة على المنطقة ومن تنفيذ سياسة جديدة تهدف إلى تفتيت المنطقة العربية وتقسيمها إلى كيانات عرقية ومذهبية، بالإضافة إلى تطبيق نظرية الحرب بالوكالة بين هذه الكيانات لضمان تحقيق هذا المخطط، وبما يضمن استمرار الصراعات العربية – العربية ، وبقاء منطقة الشرق الأوسط داخل دوامة الاقتتال العرقي والمذهبي.
 
ومن جانب أخر يقودنا ما سبق إلى حقيقة واحدة، وهي أن إسرائيل مازالت تراهن على سلبيات الوضع العربي، وتراهن أيضاً على الانقسام الفلسطيني، في الوقت الذى تتخذ فيه خطوات واسعة تجاه إعلان الدولة اليهودية، وأنها دائماً قادرة على إيجاد مبررات وغطاء دولي لأعمالها الإجرامية، سواء كانت بناء المستوطنات أو مصادرة الأراضي الفلسطينية أو إلى جر المنطقة إلى مزيد من الدوامات والصراعات السياسية في إطار مخطط تأمري ضد الشرق الأوسط، يشارك فيه الغرب يهدف إلى تقسيم العالم العربي، ويضمن تنفيذ سياسة تحقق مصالح الغرب وتبقى على أدوارهم في المنطقة، كضمانة للاستقرار أو تحت ذريعة حماية حقوق الأقليات ونشر الديمقراطية.