محمد يونس
عندما أسرت يونيو 1967.. كان معي نقود خاصة بالكانتين .. لم يلحظها الأسرين ..و علبة سجائر ((كنت)) .. تركوها لي دون أن يسرقوها ..كما سرقوا نظارة بيرسول كنت أرتديها .

في المكان الذى إنتهينا إليه ..و كانت صالة إسكواتش في مطار مصرى بسيناء ..سلمت أحد الضباط ( الأعداء ) ما معي من نقود كأمانة .. و نمنا علي الأرض كل إثنين تغطيهما  بطانية واحدة .

صباحا .. بحثت عن السجائر .. فلم أجد العلبة .. بحثت حولي .. فلم أجدها .. بعد فترة رأيت الضابط الذى شاركني البطانية يجلس مبتعدا ويدخن منها .. كان من المفترض أن أتشاجر معه .. و أتهمه بالسرقة .. و العن سنسفيل إللي جابوه .. و لكنني فضلت ألا نختلف أمام العدو و قررت الا أدخن بعد ذلك .

هذا الشعور بالغيظ .. لازال يؤلمني .. و لم أستطع أن أسامح .. هذا الشخص عما فعلة .. ليضاف لهؤلاء الذين غدروا بنا و هربوا و تركونا دون قيادة لمواجهة العدو .. و هؤلاء الذين أرسلوا الإحتياط في ملابسهم المدنية .. عجزة عن أن يقومون بدور ما  في الحرب . .

 في منتصف اليوم جاء الضابط (العدو ) و أعاد لي النقود قبل أن  ننتقل لمكان أخر و طلب مني أن أسلمها  هناك لزميله ..

في الطريق كنت  أفكر لو إحتفظت بهذه النقود  لذهبت حيث لا عودة .. إلي جيوب الجيران الصديقة .

لم تكن أسوأ الأمور بسبب المكان أو الأكل أوعذابات  العدو .. و هي كثيرة .. بقدر ما كانت التعود علي معاشرة  الزملاء من الضباط الذين كان علي التواجد معهم  لأربعة و عشرين ساعة لمدة سبعة شهور .

 لقد إنكشف كل منا أمام الأخرين و لم يعد يحتمي برتبته .. أو منصبه .. أو ماله.. أو عائلته .. سقطت كل الأقنعة و الزخارف .. و و قفنا عرايا .. عرف كل منا ... الأخر ... كما لم يعرف أهله .. و أقاربة .. و حتي أبناؤه .

في زمن كان فيه نفوذ الضباط أقل تحكما .. و أكثر تقبلا للنقد .. كتبت روايتين .. أحدهما تحكي تجربة قاسية مريرة في الكلية الحربية  و مدرسة المهندسين العسكرية .. و في سيناء و اليمن ..( علي شفا الموت .. علي شفا الجنون ) ..

و الأخرى تحكي عن حرب 1967 و الأسر .. و العودة ..( خطوات علي الأرض المحبوسة ) و في كل من التجربتين ..كان رقيب ما داخلي يمنعني  من أن أسرد كل ما حدث لي ..

 الصورة  بصراحة .. كانت.. سيئة..و الحياة مع الزملاء  كانت عذاب .. حتي أنني خجلت أن أسردها أو أقص عنها  
اليوم .. مع أفلام و مسلسلات .. هيئة التوجيه المعنوى التي ترفع الضباط إلي مستوى  شمشون و. هرقل ..و من يشبهما  من صانعي المعجزات ... ابتسم .. في حزن ..

سأموت و علي لساني كلمات عديدة لم أقلها .. و لم أعبر بها .. ومشاعر حقيقية .. تولدت من الحياة في القوات المسلحة عن السادة الذين أصبحوا بعد ذلك يأمرون فينفذ الناس الأوامر .