زكريا رمزى  
العلاقة بين الكنيسة والدولة والمجتمع يجب أن تكون قائمة على أسس سليمة لا ريب فيها ، فالكنيسة هى إحدى مؤسسات الدولة كالأزهر الشريف  وباقى المؤسسات  فعلى الدولة ان تنظر الى كل مؤسسات الدولة نظرة عادلة من كل الجوانب المادية والمعنوية . فكما تقتطع الدولة من ميزانيتها لتعطى الأزهر وباقى المؤسسات فلابد لها أن تختص الكنيسة بذلك ، ولكن الواقع يقول أن الاثنين متوافقين على الوضع الحالى ، لا الكنيسة تريد من الدولة شىء حتى لا تتدخل فى حساباتها وميزانيتها ولا الدولة تريد أن تعطى الكنيسة فتتأثر ميزانيتها . 
 
فالعلاقة تصبح كالأبن الذى يرفض أبيه الصرف عليه فيقوم بالصرف على نفسه وتدبير نفقاته فشعور هذا الابن تجاه ابيه يتشابه مع شعور الكنيسة تجاه الدولة ، والغريب انك لو سألت اى مسيحى هل تريد أن تخصص الدولة جزء من ميزانيتها للكنيسة كما تفعل مع الازهر فسيكون معظم الردود بالنفى ، لأن أغلبية الاقباط تكون لديهم شعور داخلى بأن الدولة لو أعطت الكنيسة جنيها واحدا فستتدخل فى كل كبيرة وصغيرة فى داخل الكنيسة ، فآثر الاقباط على أنفسهم التبرع لكنيستهم لابعادها عن وضع يد الدولة عليها . 
 
أما من ناحية الكنيسة تجاه الدولة فيجب على الكنيسة أن تتعامل مع الدولة على أنها الوطن الأكبر والأوحد لها ولتابعيها فصلوات القداس الالهى تحوى هذا الأمر وكثير من الأواشى التى خصصت من أجل الدولة كأوشية نهر النيل والرئيس وغيرها . ولكن ليست الصلاة فقط هى نقطة التقابل بين الكنيسة والدولة ، فالكنيسة من الممكن أن تلعب دور وطنى كبير جدا لما لها من علاقات بالكنائس العالمية ، وهذا الدور لا تقدمه تفضلا منها وإنما هو واجب عليها،  واجب وطنى ودينى ، والبابا شنودة الثالث أدرك هذا الامر حين أطلق مقولته " مصر ليس وطن نعيش فيه بل وطن يعيش فينا " ولابد أن تبنى العلاقات بين الكنيسة والدولة على هذا الأساس . فعندما تحث الكنيسة ابناؤها فى امريكا على الاحتشاد لمقابلة الرئيس السيسى هو عمل وطنى وعندما تتدخل فى ازمة سد النهضة هو عمل وطنى أيضا حتى ولو كره الغافلين وانتقدوا هذا بحجة انه دور سياسى للكنيسة فهؤلاء سينقدون حتى الهواء الذى نتنفسه . وما أكثر ما كتب التاريخ عن الأدوار الوطنية للكنيسة المصرية ، وعندما نقول الكنيسة هنا نقصد بها وضعان وضع دينى وهى عبارة عن جماعة المؤمنين وهى خاصة بالأمور الروحية ووضع وطنى واجتماعى والمقصود هنا هى القيادة الدينية فقط لأن الاقباط هم مواطنين مصريين فى هذا الامر ويجب أن يتعاملوا كذلك . وما يأخذ على الكنيسة المصرية هو فتح ذراعيها للاقباط وتشجيعهم  ابناؤها على البقاء داخل اسوارها وممارسة انشطتهم فيها مما يحرمهم من دورهم الوطنى ، حتى ولو كان دورها بالسكوت على ذلك فهو يأخذ عليها وهى متهمة بالمساهمة فى عزلة الاقباط عن الوطن . 
 
وأمر ثالث هو أن للكنيسة مسئولية اجتماعية تجاه المجتمع الذى تعيش فيه ، فالمستشفيات الكنسية التى أنشأت لخدمة أبناء المجتمع كافة لهو أكبر دليل على هذه المشاركة وهى من الخدمات التى تلاقى قبولا من أبناء المجتمع كافة ويثنى عليها من الجميع ، اضافة الى مدارس الراهبات التابعة للكنيسة الكاثوليكية والتى تقوم بدور غاية فى الاهمية ومشهود لها بالكفاءة والتميز فى مجال التعليم ، وكثير من البرامج الخدمية لخدمة المجتمعات الفقيرة تقوم بها الكنيسة فتذهب الى القرى الأشد فقرا وتقوم بتقديم القروض وعمل المشروعات الصغيرة وبناء المنازل للفقراء وتوصيل المرافق والخدمات لأخرين . 
 
وبعد كل ذلك هناك من يحارب كل هذا الدور ويعتبره تمددا لدور الكنيسة فى المجتمع ويسمونه ( تنصير ) وحرب هؤلاء مبنية على اتجاهين الاتجاه الاول وهو تقليد هذه الخدمات وهو شىء حميد لكنه يختص بفئات معينة من المجتمع والاتجاه الثانى اصدار الفتاوى بتحريم التعامل مع ما تقدمه الكنائس كخدمات للمجتمع واجبار تابعيهم بمقاطعة كل ما يخص الكنيسة من خدمات . 
 
وعلى الرغم من ذلك تظل العلاقة بين الكنيسة والدولة والمجتمع علاقة قوية يشوبها بعض التصدعات التى يجب ترميمها .