بقلم - أماني موسى

كان محترف في ليّ الحقائق، استبدالها، إعادة ترسيمها، ليس هذا فقط بل إحالة تلك الحقيقة لنقيضها.. كان جمهوره ينقسم إلى فريقين، أحدهما يعرف الحقيقة كاملة ويدركها. يقف عاجز عن أي تعبير.. فقط غير قادرِ سوى على الدهشة المصحوبة بألم عميق.

بينما الفريق الآخر الذي يرى وجهه الضاحك الباسم البريء يقف منبهرًا، معبرًا عن ذلك بتصفيق حاد لتلك البراءة والطيبة التي عزّت في زمن القبح والأقعنة.

مرّ وقت وأخذ صاحبنا "الإنسان" يبرع في التمثيل، حتى أنه بمرور الوقت لم يعد يدرك أنه يمثل دورًا ما أبعده عن حقيقته، تناسى عن عمد... وكأن حقيقته البشعة توحدت مع تلك الصورة الملائكية، فلم يعد يفرق هو أيًا من هاتين الصورتين المتناقضتين؟ لم يعد يدرك أين حقيقته، توحدت حقيقته مع صورته المشوهة تمامًا حتى باتت متناغمة.

كانت تلاحقه بشاعاته من آن لآخر، كاشفة عن وجهها القبيح العاري أمامه، لكنه سرعان ما كان ينهرها في ضجر، مرددًا بعض المبررات التي تسهم في إخماد نيران المواجهة مع النفس، لم يكن خطأه هو بل خطأ آخرين.. فالجميع يخطئ فيما عاداه، فهناك دائمًا أسباب هي التي دفعته لذلك الفعل.. لم يكن هو السبب بأي حال من الأحوال.

مرّ وقت.. كثرت ضحاياه، بعضهم أسعفه حظه وأدرك مبكرًا فرحل، والبعض الآخر تنعم بعدم المعرفة، فبقي ضحية مع سبق الإصرار والترصد، وأخذ صاحبنا يهدئ من روعه، مستميتًا في محاولاته، علّ ذلك الصوت الذي يوخزه دائمًا في الخفاء أن يصمت.

فاجئه القدر بالرد الذي لطالما توقعه وهرب منه خشية حدوثه. تساقطت أوراق التين واحدة تلو الأخرى.. كُشفت عورته، ليجد نفسه عاريًا أمام جمهوره بفريقيه الذي يصفق في انبهار والآخر الناظر في صمت، لتظهر تلك الحقائق التي لطالما أخفاها لسنوات وظن أنها انتهت، حاول الاختباء من عيونهم التي تنهش جسده العاري من كل شيء إلا الحقيقة. 

وقف الفريقان أمام خشبة المسرح.. المصفق أخذ يرميه بالحجارة والتساؤل و"العارف" نظر في صمت ورحل متمتمًا برضا: "هكذا الدنيا".
أسدل الستار.. أنتهت الفصول ورحل الجميع لتبدأ مسرحية جديدة بأبطال جدد في رواية مختلفة على مسرح الحياة.
بطل المسرحية القصيرة هو الإنسان أيًا ما كان.. قد يكون لأحدنا دورًا فيها لبعض الوقت أو ربما ينتهي دوره بكلمة النهاية.