القمص أثناسيوس فهمي  جورج
وُلد حوالي سنه ٧٠ م ، وبوليكاربوس يعني (الكثير الثمار)... سامه القديس يوحنا الحبيب قبل نفيه إلى بطمس أسقفًا على سميرنا (رؤ ٢ : ٨) التي هي أزمير . وهو من الذين عاينوا رسل المسيح وتعلم على أيدﻱ التلاميذ الأطهار. لذلك هو أحد الآباء الرسوليين... كان بوليكاربوس معلما للقديس إيرينئوس . وايضا جلس عند اقدام يوحنا الحبيب الرسول . لذا يعتبر القديس بوليكاربوس حلقة  بين جيلين من المسيحيين ، ومعلما من اكبر معلمي الكنيسة الجامعة ، حتي اليوم الذي كابد  فيه الم الاستشهاد  .. اشتهر بتقواه ووقاره وسيرته العطرة ؛ ودفاعه عن الإيمان ضد الهرطقات ، وقد رُوﻱ عنه أنه لما رأى القديس أغناطيوس الأنطاكي مقيدًا في سلاسل قيوده ، انحنى وقبلها بفمه... فقد تسلم منه الحضور السري للمخلص ووجودنا معه كشركاء بالافخارستية  ، نعيش دوام النمو  ..

تميز بوليكاربوس بالثبات والرصانه والاحتشام ، مع وقار طلعته ، وقد علّم رعيته ما تسلمه وتعلمه من معلمه القديس يوحنا اللاهوتي الرائي ، الذﻱ سامه أسقفًا وهو في حوالي الثلاثين من عمره.

ارتبط اسمه بالقديس أغناطيوس الأنطاكي الذﻱ توقف وهو في طريقه إلى روما للاستشهاد في محطة سميرنا ، فاستقبله بوليكاربوس بتكريم لائق كمعلم عظيم ومعترف ينضم ضمن طغمة شهداء الكنيسة الأولى ... وقد لحقه هو بعد حوالي ٤ سنوات ؛ مقدمًا حياته ذبيحة شهادة حية للمسيح ، عندما طُلبت منه شهادة الدم. وبوليكاربوس هو الذﻱ اهتم بجمع رسائل أغناطيوس الأنطاكي ، في ثبات ممجدًا الله بلا حدود ، وكأنه صخرة لا تتزعزع ، متقدمًا للاستشهاد على نفس نسق سابقيه... كذلك كتب رسالة صارت هي أقدم وثيقة استشهاد وأول عمل كنسي موثق عن أعمال الشهداء Acta martyrum .

حوكم معاقبًا من أجل إيمانه سنه ١٥٥م وكان عمره حوالي ٨٦ عامًا .

ولما أتت ساعه استشهاده ... طلب منه الوالي أن يحلف بحياة قيصر ويلعن المسيح حتى يطلقه ، لكنه أجاب (لقد مضت ستة وثمانون عامًا أخدم فيها المسيح ، وشرًا لم يفعل معي قط ، بل في كل يوم أقبل منه نعمة ومراحم جديدة ، فكيف إذن أجدف على ملكي الذﻱ خلصني وفداني).

ثم طلب بوليكاربوس أن يتركوه للصلاة ولطلب المعونة ، حيث قدموه للحرق والافتراس ، لكنه كان واثقًا وموقنًا أن مسيحنا سيعضده ليحتمل شدة حرق النار وعذابات الوثاق... مقدمًا ذاته ذبيحة تشوىَ على حطب مذبح الاستشهاد في شركة كأس آلام الابن الوحيد . فقدموه مربوطًا بالحبال ؛ وتأهل ليكون في عداد شهداء ومساهمي كأس مسيحنا لقيامة الحياة الأبدية بدون فساد ، وصار ذبيحة مقبولة . كخبز يشوىَ وذهب وفضة تصفى ؛ موضوعة في بوتقة تتنسم منها رائحة بخور عطر الثبات في الأمانة للمسيح المخلص . وقد جمع الشعب رماد رفاته الثمينة ، ككنوز أكثر من الحجارة الكريمة ، الأسمى من الذهب ، وأودعوها مكانتها اللائقة ، في عبادة خاشعة ، وسط دموع الفرح والحبور ، معيدين ليوم ميلاده في السماء ، ولتذكار خروجه ظافرًا غالبًا منتصرًا على آلام هذا الزمان الحاضر ... بلقاء المخلص وجهًا لوجه.

لقد صارت حياته علامة ودرسًا عمليًا ، كمعلم رسولي وأب للمسيحين في أسيا ، أرسل رسائل يكشف فيها عن حالة الكنيسة البكر بأوروبا ، اتسمت بغزارة حكمتها العملية ، وعكست صوت ابن الرعد معلمه ، لتدافع وتشرح بنود الإيمان المسيحي الثالوثي ، وتبعية  الاقتداء بحياة الرب ، إلى جانب وضعه لبعض التدابير التنظيمية في الكنيسة الأولى.

لقد كان بوليكاربوس الشهيد آخر شهود العصر الرسولي ، وشهد له القديس إيريناؤس بأنه كان معلمًا له وجلس عند قدميه ، لذا سُمي بمعلم أسيا الرسولي وبالشيخ المبارك الشهيد ، لمحبته للتعليم الصحيح والتقليد الثابت.. وكذلك لدوره الفكرﻱ الهام والرائد ، ولكتاباته المبكرة في الأدب المسيحي الأول ، وأيضًا لذهنه المؤسس في الله (كصخرة) . ويكفينا انتخابه أسقفًا من الرسل وملازمته ليوحنا اللاهوتي التلميذ الذﻱ أحبه يسوع وأيضًا ملازمته لكل من أغناطيوس أول أسقف لأنطاكية بعد معلمنا بطرس الرسول ؛ ولتلمذته

لايريناوس أسقف ليون وأبو التقليد الكنسي . فقد عاش حياته كلها في سيرة إنجيلية وتعليم سليم مقاوما لبده بكر الشيطان  ، كمعلم رسولي نبيل ونبي قد تتوج باكليل عدم الموت ، وفي شيخوخته تقدم للاستشهاد بمجد وشرف عظيمين ،يشتاق الكل ان يستشهدوا استشهاده ليمثلوا بمن تمثل بانجيل ربنا يسوع المسيح ،  فتارة إلتهمتة النيران ؛ وتارة أخرى ضُرب برمح حتى جرى دمه مطفئًا وقود اللهيب ، وكنيستنا تذكره في ذكرى استشهاده ٢٩ أمشير وتطلب بركته وصلواته عنا عند إلهنا القدوس العجيب في قديسيه