ميشيل حنا الحاج
عنصر هام يبدو مفقودا في المعلومات المسربة عن صفقة القرن، ولكنه عنصر يشكك في مصداقية ما يسرب عن تلك الصفقة، وقد يشكك في وجودها أو في اكتمالها.

فالمعلومات المتعلقة بالحل السياسي  لقضية الشرق الأوسط الأساسية،  اي القضية الفلسطينية، وهو الحل  المروج اله والموصوف بصفقة القرن ، كلها معلومات مسربة،  وليس بينها ما يستند الى معلومات رسمية  أو مصادر حقيقية وموثوقة، نتيجة وجود ثغرة هامة في تلك المعلومات المسربة  تؤدي للتشكيك في جملة تلك المعلومات والتوقف أمامها طويلا.

وبدأت تلك  التسريبات أو  التكهنات، تظهر اثر الزيارة الأولى التي قام بها الى الرياض محمود عباس رئيس السلطة  الوطنية،  والتي قام بها بناء على دعوة وجهت له من الملك سلمان أو من ولي عهده  الأمير  محمد  بن  سلمان. لكن تلك الزيارة  العاصفة التي لم ينبس الرئيس عباسء ببنت شفة حولها، لم  تحقق نتائج  ما،  وانتهت بانتشار شائعات  كثيرة  تمحورت  معظمها حول تفاصيل ما سمي بصفقة القرن المتعلقة بحل مذهل للقضية الفلسطينية، أدى فعلا لعودة عباس الى رام  الله وهو مذهول  ورافض لذاك الحل الذي طرح عليه، جملة وتفصيلا.

وتكرر ايراد تفاصيل ذاك الحل  اثر زيارته الثانية للرياض، في محاولة لاقناعه ببنود الحل بعد اجراء تعديلات طفيفة عليه، لكن مع الابقاء على البندين الاساسيين في الحل، وأولهما أن القدس هي عاصمة اسرائيل، خلافا لواحد من الثوابت الفلسطينية الخمسة والتي  يعتبر أحد بنودها أن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية… ويلي ذلك عظمة القيت للكلب الفلسطيني الجائع للحل العادل،  وتضمنت عودة اللاجئين الفلسطينيين،  وهو البند الذي يشكل أيضا أحد الثوابت الفلسطينية الخمسة ان كانت  الثوابت لم تزل في حدود الخمسة ولم يجر التنازل عن أي منها.  كل ما في الأمر، أنها عودة لاجئين الى غير اراضي فلسطين، بل الى أرض بديلة وهي صحراء سيناء الملاصقة لقطاع غزة، مع ضم جزء من الصحراء الى القطاع.

وتردد  الحديث عن صفقة القرن مرات أ خرى يتخللها أحيانا  فترات صمت، الى أن اعلن الرئيس ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لاسرائيل، فاستعادت تلك المسألة أو (الصفعة) ضجيج النقاش حولها ، ليليها صمت يعقبه عودة للضجيج الدموي حولها خصوصا على حواجز قطاع غزة، وذلك لدى قيام الولايات المتحدة بنقل سفارتها فعليا من تل أبيب الى القدس، وذلك في الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية.

وفي خضم تلك المرحلة التي اتسمت بدموية  بحجم خاص،  استضافت  الاعلامية  جيزيل خوري على قناة بي بي سي عربي، في برنامجها “المشهد” .. السيد خالد مشعل، الرئيس السابق للمكتب السياسي  لحركة حماس (على مدى سنوات طويلة). وما أثار انتباهي في ذاك اللقاء، ما ذكره مشعل عن اطلاعه على وثائق هو واثق من صحتها ومصداقيتها، وتتعلق بما يوسف بصفقة القرن.

وكان من بين ما ذكره خالد مشعل استنادا لما اطلع عليه هو شخصيا من وثائق تأكد من صحتها ومن مصداقيتها، البند المتعلق بعودة اللاجئين الى سيناء التي سوف تضم الى قطاع غزة  وتصبح جزءا من فلسطين الجديدة.  فكل ما تردد في السابق… وقد شمل بعضه ضم سيناء الى قطاع غزة وعودة اللاجئين الى تلك الصحراء، كان يدور في فلك التكهنات  والاجتهاد في التفاصيل التي لم تستند الى وثائق.

أما الآن، وبعد ما قاله خالد مشعل علنا وخلال برنامج “المشهد”، فقد بتنا بصدد معلومات موثقة اطلع عليها سياسي مخضرم، عمل وما زال يعمل في هذا الحقل السياسي منذ أكثر من خمسة عشر عاما، فهو يعلم اذن ما يقول،   ومنه ما يذكره الآن عن الجانب المتعلق بصحراء  سيناء وضمها لقطاع غزة، وعودة ملايين الفلسطينيين اليها للاقامة في وحدات سكنية تقام على اراضي  سيناء…

لكن هذا القول قد أثار انتباهي  وشده طويلا ، لأنه ذكرني بحوار طويل مشابه حول هذا الموضوع، وقد طرح في بدايات الأيام الأولى لعهد الرئيس عبد الفتاح السيسي… القائد العربي الذي احترمه كثيرا، والذي جاء الى السلطة لسببين، أولهما ابعاد الاخوان المسلمين عن السلطة في مصر بسبب ما عاثوه من فساد وسعي لاخونة مصر والشعب المصري،  وثانيهما لاحباط  المشروع  الأميركي  الذي باركه  وتبناه   الرئيس المعزول مرسي، وهو المشروع الذي يقضي بضم سيناء الى غزة، مع العثور بين وثائق مرسي على وثائق ومخططات لبناء مليون وحدة  سكنية على اراضي سيناء،  قادرة على استيعاب ما قدر بعودة خمسة ملايين  من اللاجئين الفلسطينيين.

فبعد الأيام الأولى لهيمنة القوات المسلحة المصرية بقيادة عبد الفتاح السيسي،  الذي وضع روحه على كفه وقام بالتجربة الخطيرة  الساعية للهيمنة على مقادير الأمور في مصر… ظهر على شاشة قناة CBC أحد الاعلاميين المصريين المخضرمين (لم أعد أذكر اسمه)،  وقرأ للمستمعين من وثائق بين يديه، بعض ما خطط له الرئيس المعزول مرسي، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وما مضمونه ضم سيناء الى غزة، ووثائق   مشاريع  بناء تنفذها شركات  بناء أميركة على أراضي سيناء، وتسعى لانشاء مليون وحدة سكنية قادرة على استيعاب ما يقارب خمسة ملايين لاجىء فلسطيني، يؤذن لهم بالعودة الى فلسطين الجديدة…الى صحراء سيناء التي ستضم الى قطاع غزة.

ونتيجة  ذلك كانت دهشتي كبيرة  لتأكيد خالد مشعل بأن صفقة القرن، القديمة الجديدة، تضمنت بندا  يتعلق بالتنازل  المصري عن صحراء سيناء  كما اطلع عليها خالد  مشعل، علما أن الرئيس  عبد الفتاح السيسي كان ذاك التنازل  وبناء الوحدات السكنبة على اراضي سيناء المقتطعة، واحدأ من أسباب ثورته على الاخوان  الذين كانوا على استعداد  لتقبل اي حل للقضية  الفلسطينية،   خصوصا اذا تضمن الحل توسيع قطاع غزةـ، مع التضحية في المقابل، بكم من اراضي الضفة الغربية التي تشكل قلب الاراضي الفلسطينية..

فقد بدا لي من غير المعقول أو المقبول، أن يرفض الرئيس المصري هذا الاحتمال في بداية عهده،  ثم يتقبله   لاحقا، بل وبعد ما واجه من مشاكل ومنها خصوصا الموافقة على اعادة جزيرتي وربا وبوبيان  للمملكة السعودية،  استنادا الى الادعاء السعودي بأنهما جزيرتان سعوديتان سلمتا مؤقتا لمصر في مرحلة حرب عام 1948، عندما لم يكن يتوفر لدى السعودية  سلاح  بحرية أو قوات برية   لحمناية الجوزيرتين  من الاسرائيليين، طالبة من مصر وضع قواتها على الجزيرتين بقصد حمايتهما  مؤقتا.

كما أنه من غير المعقول أن يأذن باعادة طرح التنازل ولو عن جزء من سيناء في زمن يواجه فيه مشكل نزاع على أراض ـأخرى، هما  النزاع  مع السودان حول حلايب  وشلاتين اللتين يشتد حاليا نزاع حولهما مع الجارة السودان،  وقد ينتهي بالوصول الى مرحلة التحكيم الدولي.   فآخر ما تريده مصر الآن هو اثارة  غضب او توتر شعبي آخر، يتعلق بالتنازل ولو عن جزء من سيناء  رغم  وجود وعود سعودية، كما ردد البعض،  بأن السعودية سوف تمنح مصر بديلا عن سيناء،  وهي قطعة من الأراضي السعودية لتي يقام عليها مشروع نيوم في منطقة التقاء الاردن والسعودية ومصر عند رأسء البحر الأحمر،  حيث يعتزم الامير محمد بن سالمان  اقامة مشروعه الاقتصادي العتيد.

والواقع أن اقتطاع جزء من سيناء  لاعادة اللاجئين اليه، فيه ما فيه من الغرابة. فاذا اراد الأميركيون والاسرائيليون السماح باعادة بعض اللاجئين الفلسطينيين الى منطقة صحراوية بقصد الاحتفاظ بالمدن لاسرائيل،  فلماذ لا يعيدون الفلسطينيين الى صحراء بئر السبع أو النقب،   علما ان الفلسطينيين  انما يقصدون بحق العودة، العودة الى المدن  كيافا  وعكا واللد  والرملة،   وليس الى الصحاري المقفرة.

وازاء  موقف الرئيس  المصري  المبدئي  الرافض سابقا،  والمندد  بمشروع مرسي للتنازل عن جزء من سيناء لقطاع غزة  وبناء وحدات سكنية عليها للفلسبينيين، رجحت  وجود ثغرة ما فيما يشاع  ويردد عن صفقة القرن، وعن تضمنها مشروعا مشابها لما رفض من قبل… قبل خمس سنوات.  وهذه الثغرة فيما يردد ويشاع في وجود صفقة  قرن، تبدو لي صفقة قرن أو صفعة قرن غير مكتملة.  فما  يتوافر حتى الآن  هو مجرد عمليات جس نبض يتبعها التنفيذ اذا لم تلق ما يكفي من اعتراض عليها. هذا في وةت تدل فيه المؤشرات المصرية على عكس ما يجري التكهن  به. فالرئيس المصري قد أمر بفتح  معابر الحدود بين غزة ومصر  طوال شهر رمضان،  كمىا أنه يعمل  جاهدا منذ أكثر من عام على تسوية الخلافات بين حماس والسلطة الوطنية الفلسطينية في مسعى لاعادة  لحمة الوحدة  الوطنية بينهما، وهذه مؤشرات لا يدل أبدا أي منها على توجه  مصر لتوسيع رقعه غزة على حساب  صحراء  سيناء.
كاتب ومحلل سياسي