بقلم هاني دانيال
ينتاب قطاع كبير من المسيحيين الآن أن هناك استهدافا واضحا لهم من الجماعات الإرهابية داخل وخارج مصر في إطار القتل على الهوية الدينية، ويتماشى
مع هذا الشعور تراخي الحكومة وتقاعسها عن ملاحقة الجناة، وبات إفلات الجناة من العقاب هو شعار المرحلة الراهنة.

الأزمة تتلخّص في اتساع الفجوة بين تصريحات الحكومة في احترام حقوق كل المصريين دون تمييز بينهم، وبين الممارسات الفعلية لهم، لتزداد وتيرة الجرائم الطائفية التي تستهدف المسيحيين، وبدلا من تطبيق القانون وملاحقة الجناة أصبح التراخي والتباطؤ في التحقيق مع الجناة ومحاولة تعميم الأمور حتى لا تبدو طائفية تساعد على إفلات الجناة من الملاحقة القضائية.

وتشير المادة السابعة من الميثاق السياسي للمحكمة الجنائية الدولية إلى الجرائم غير الإنسانية، والبند الخاص بالقتل العمد ينطبق على المصريين المسيحيين في ليبيا الذين تم قتلهم بالرصاص عمدا، وحسب ما نقلته "رويترز" عن ضابط ليبي "طريقة إطلاق النار على القتلى تشبه تنفيذ حكم الإعدام عليهم"!، كما سبق أن تعرض عدد من المصريين المسيحيين في ليبيا إلى التعذيب والقتل تحت مزاعم التبشير، واستهدافهم بسبب هويتهم الدينية، وسط انفلات الأوضاع الأمنية والاقتصادية في ليبيا، وعدم قدرة الحكومة هناك على مواجهة هذه المخاطر، خصوصًا أن هناك ميليشيات مسلحة تعمل تحت رعاية حكومية ليبية!
وهناك أسرة مسيحية في الإسكندرية من أصل سوري لقت مصرعها في جريمة قتل بشعة ولا تزال التحقيقات جارية، وهناك سيدة في أسوان تم ذبحها في ظروف غامضة ولا تزال التحقيقات جارية، وهناك مقبرة جماعية للأقباط في أسوان احترقت لأسباب غامضة وجار التحقيق في أسبابها، وتضاف هذه الجرائم إلى جرائم الاعتداء على المسيحيين بكنيسة الوراق خلال حضورهم حفل زفاف، وعلى الرغم من إعلان الداخلية عن كشف الخلية المنفذة للجريمة، فإن التحقيقات الرسمية لم تعلن بعد، ولم تتم إحالة المتهمين إلى القضاء!

هذه الجرائم وغيرها تعد استمرارا لجرائم عديدة تم استهداف المسيحيين فيها بسبب هويتهم الدينية، وعلى الرغم من بيانات الشجب والإدانة، فإن الإنكار هو سيد الموقف، والحكومة لا تريد الاعتراف بالمشكلة، وكلما يظهر رأي يحذّر من خطورة ذلك سرعان ما تظهر أصوات أخرى، تشير إلى أن المسيحيين ليسوا وحدهم هم من يتعرضون للاستهداف، فهناك أفراد للجيش والشرطة يتعرّضون لهجمات شرسة من الجماعات الإرهابية، وهو ما يعتبره نشطاء حقوق الإنسان بمثابة منح مظلة لهؤلاء الجناة في استمرار جرائمهم ما داموا لا يستهدفون فئات بعينها!

المشكلة أكبر وأخطر، وحسب تقارير المقرر الخاص لحقوق الأقليات والمقرر الخاص لحرية المعتقد التابعين للأمم المتحدة، هناك اتهامات شديدة للحكومة المصرية بعدم اتخاذ خطوات واضحة لوقف انتهاك حقوق المسيحيين وعدم إنهاء العنف الذي يتعرّضون له، وأن الحكومة المصرية لا تتخذ الإجراءات الكفيلة التي تضمن ملاحقة الجناة، وأن ظاهرة إفلات الجناة من العقاب في جرائم العنف الدينية أصبحت ملحوظة في المجتمع المصري خلال السنوات الماضية!

الأزمة مستمرة، وتراخي الحكومة وتكاسلها عن تطبيق القانون يهدر النصوص الدستورية، وتكريس التمييز بين المواطنين وتغييب القانون، والمساعدة في إفلات الجناة من العقاب، ولكن السؤال هنا: هل تستعد الحكومة للمساءلة في الفترة المقبلة بتهمة القتل العمد وارتكاب جرائم غير إنسانية طبقًا للميثاق الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؟.. مصر لم تنضم بعد إلى المحكمة ولكن هل التاريخ ينسي هذه الجرائم ويترك مرتكبيها يذهبون بلا محاكمة؟!.. ننتظر الإجابة!