بقلم: هانى دانيال
ما أعلنه الأستاذ فهمي ناشد مؤخرًا من إمكانية الاعتذار عن الوجود في تشكيلة المجلس القومي لحقوق الإنسان أمر في غاية الخطورة، خاصة وأن المجلس مقبل على دورة جديدة في يناير المقبل وغالبًا ما سيستمر نفس الأعضاء باستثناء إجراء تغيير بسيط لن يزيد عن 3 أعضاء، حيث سيتم اختيار بديلاًَ للراحل الدكتور صلاح عامر، وهناك احتمالية لاستبعاد كل من سامح عاشور نقيب المحامين السابق وجلال عارف نقيب الصحفيين السابق، وربما يحل محلهما مكرم محمد أحمد وحمدي خليفة، وربما يخرج بالفعل فهمي ناشد ويحل بدلاً منه عضو آخر وغالبًا ما سيكون قبطيًا لتعويض النقص القبطي بالمجلس لخروج فهمي ناشد، في ظل عدم وجود نية لتغيير الأعضاء الأقباط الحاليين وخاصة ليلى تكلا، منير فخري عبد النور، جورجيت قليني.

ما يهمنا هو التركيز على تقييم لأداء عمل المجلس خلال الدورة الحالية، خاصة وأن المجلس فشل في إتمام الأمور الموكل بها، فحتى الآن لم يثبت استقلاله عن الحكومة، ولا يزال مستمر في إبداء الرأى والتوقف عند هذه المرحلة، ولم يبحث عن وسيلة يضغط بها على الحكومة لتحقيق ما يريده، وارتضى بالمكانة التي وضعته فيها الحكومة، ولم يفكر أي عضو من أعضائه الحاليين في تاريخه وما سيذكره التاريخ عن أعضاء حقوق الإنسان الذين فرّطوا في هذه الحقوق!
المجلس استطاع حتى الآن الاستفادة من هامش الاستقلال الذي منحته الحكومة له وهو الاستقلال الماضي، فكثيرًا ما كانت الاتهامات تنتشر هنا وهناك ضد أى مؤسسة حقوقية تحصل على تمويل أجنبي، وغالبًا ما كانت توضع في خندق العمالة والتخوين في حال قبولها برامج ومنح، أما المجلس القومى فالقانون منحه الاستقلالية ولم نسمع بعد مرور 6 سنوات على تأسيسه أن خرج تقريرًا من الجهاز المركزي للمحاسبات يعلن عن رقابته لميزانية المجلس القومي لحقوق الإنسان، وأذكر هنا ما قاله الدكتور محمد نور فرحات "أستاذ القانون الدستوري" في إحدى الندوات بأن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة كلفه بإعداد دراسة حول أداء المجلس القومي لحقوق الإنسان، وحينما شرع الفقيه الدستوري المحترم في التعرف على ميزانية المجلس، فما كان من السفير مخلص قطب "أمين عام المجلس القومي لحقوق الإنسان" إلا ورفض طلب رقابة المجلس بقوله "مافيش حد يقدر يفتش علينا"، لماذا كل هذه الثقة؟ ولماذا هذا التمييز؟ ومن مصلحة من ترك المجلس يفعل ما يريد دون رقابة أو مساءلة؟!

المجلس حتى الآن لم يقدم أي شيء في مسيرة حقوق الإنسان سوى بيانات وتقارير، لم يقدم حملات قوية من شأنها تغيير أوضاع حقوق الإنسان في مصر، فلا يزال ضباط الشرطة يفعلون ما يريدون، وانتهاكات الصحة للمواطنين البسطاء موجودة، وانتهاك الحق في التعليم واضح، هذا بالإضافة إلى غياب الحقوق المدنية والسياسية، واستمرار حالة الطوارئ، ومهما حاول المجلس إيهام الرأي العام بأنه ضد الطوارئ فلن يقتنع أحد لأنه ماذا ينتفع المجتمع طالما استمرت حالة الطوارئ في وجود مجلس قومي لحقوق الإنسان؟!
المجلس تفرغ لعمل دورات تدريبية للمحامين، تفرغ للتنسيق بين الجمعيات الأهلية لعمل مشروعات تنموية، تفرغ للذهاب بعربات مكيفة لتلقى شكاوى المواطنين من مختلف محافظات الصعيد دون بذل أي جهد للتحقيق في هذه الشكاوى، وكأنه اكتفي بدور ساعى البريد الأمين الذي يقوم بنقل هذه الرسائل إلى الوزارارات المختلفة، وضمان إرسال الرد عليها للمواطنين إن وجد هذا الرد!

المجلس سبق أن عقد مؤتمرًا لحقوق المواطنة منذ عامين، ودعا بعض أقباط المهجر للمشاركة في هذا المؤتمر، وهي محاولة للتعتيم على المؤتمرات القبطية في الخارج، وكأنه يقول لماذا تعقدون هذه المؤتمرات بالخارج طالما اننا نعقدها بالداخل؟ وتوقفت المؤتمرات بالخارج نوعًا ما على أمل الإصلاح بالداخل، ولكن للأسف لم يتم تحقيق شيء على أرض الواقع، والدليل أن المجلس أعلن عن وثيقة لحقوق المواطنة وأعلن عقد مؤتمر سنوى لمناقشة هذه الوثيقة ومر عام 2008 دون عقد أي مؤتمرات، ثم جاء عام 2009 ليبشر المجلس بعقد مؤتمر المراجعة الأول لوثيقة حقوق المواطنة ومن ثم شعر الكثيرون بأن هناك ما سيقدمه المجلس وسيوجه النقد لمن لم يفعل وثيقة حقوق المواطنة، إلا إنه للأسف خيّب أمل الكثيرين بعد أن ابتعد جدول الأعمال عن مناقشة وثيقة المواطنة، ولم يتم دعوة عدد كبير من الجاليات المصرية بالخارج، ولم يناقش المؤتمر أي محاور متعلقة بحقوق المواطنة، باستثناء جلسة تم تخصيصها للمساواة وتكافؤ الفرص فقط!

الأغرب في هذا الأمر أن المجلس أصدر بيانًا بعد انتهاء المؤتمر أكد فيه أنه أرسل لمجلسي الشعب والشورى لتفعيل وثيقة حقوق المواطنة، وأنه يدعو وزارة الشئون النيابية والقانونية لتفعيل الوثيقة وعمل حوار حولها، أي أننا انتظرنا عامين لنسمع مثل هذه الكلمات، حتى ننتظر العام المقبل لنرى نتيجة الحوار، ثم ننتظر سنة أخرى لإصدار توصيات من الوثيقة تتحول إلى قوانين، ثم مشروعات قوانين يتم إعداها لتأخذ دورها في المناقشة، أي إننا بحاجة إلى 10 سنوات على الأقل لكي نرى ولو جزء بسيط من هذه الوثيقة ليرى النور!

إنه إهدار الوقت متعمد للوقت من أجل تحقيق مصالح حكومية لتخفيف الضغط عليها بشأن انتهاك حقوق الإنسان، من خلال وجود هذا المجلس الذي تمنحه الحكومة الضوء الأخضر للحصول على تمويلات ومنح ومرتبات مغرية نظير الدفاع عنها أمام المحافل الدولية، وكأن الحكومة اختارت مجموعة من المحامين للدفاع عنها أمام المجتمع الدولي بقيادة المحامى المخضرم الدكتور أحمد كمال أبو المجد -في غياب الدكتور بطرس غالى لانشغاله الدائم- وتقدم مرتباتهم من الدول الأجنبية التي تجود بالكثير من أجل عيون هذه الحكومة، ولا أمل في التغيير أو إصلاح حقوق الإنسان، وليظل شعار المجلس "معًا لتعزيز مسيرة حقوق الإنسان" جملة لا محل لها من الإعراب، ولا علاقة لها بالمجتمع المصري!