عساسي عبدالحميد- المغرب
يتعجب البعض؛ ومنا من يحتج وبشدة على إقالة الناظرة القبطية من منصبها على خلفيتها الدينية؛ والأمر هنا  لا يدعو للاستغراب إن نحن أدركنا طبيعة المزاج العام لمسلمي مصر والذي يستمد مرجعيته من العهدة العمرية؛ نسبة لعمر ابن الخطاب؛ ومن الإسلام السعودي السلفوهابي؛  وأي حاكم أمسك دفة الحكم بمصر وجب عليه التعامل مع هذا المزاج وعدم إغضابه لكي لا يصاب حكمه بالعطب؛  والعهدة العمرية  السيئة الصيت دخلت مع طلائع الفاتحين الأولى بقيادة مجرم الحرب  التاريخي ''عمرو بن العاص'' ؛وهذه العهدة الآتية من صحراء العرب وربوعهم الخالية هي من أفرزت  الصورة النمطية للقبطي ورسختها في المخيال المسلم بمصر كبائع كنافة و جامع قمامة ومصفح  بغال السلطان و صانع خيام الجيش...
============

كتب خليفة المسلمين عمر ابن الخطاب صاحب العهد العمرية التي شرعنت علاقة المسلمين بالذميين إلى واليه على أرض مصر بعد توليه الخلافة كتابا يحذره فيه من مغبة تشغيل أقباط مصر في دواوين الدولة؛ و دواوين الدولة كانت بمثابة الأجهزة السيادية اليوم من بيت المال و خراج وأمن و جيش ومستشاري الحاكم وكبار رجاله .....
============

منذ أيام قليلة  فاز السيد ''صادق خان''  ذو الأصول الباكستانية والخلفية الإسلامية بمنصب العمودية بالعاصمة البريطانية لندن؛ وقبلها  تبوأت العديد من الشخصيات ذات الأصول الشمال افريقية مناصب سيادية داخل الاتحاد الأوروبي؛ نذكر منها على سبيل المثل لا الحصر وزيرة التعليم الفرنسية ''نجاة بلقاسم''  ذات الأصول المغربية؛ والتي كانت ترعى في طفولتها وهي حافية القدمين خرافا بالريف الأمازيغي شمال المغرب؛ تخيلوا ماذا لو قدر لوالدها إن هو مكث هنا بالمغرب ولم يعبر المتوسط نحو الديار الفرنسية  ؟؟ أكيد أن ابنته التي هي الآن وزيرة  في فرنسا كانت ستنضم لطوابير العاطلين عن العمل في بلد يكثر فيه الفساد و تنعدم فيه تكافأ الفرص  و ينتشر سرطان المحيط الملكي ليقتل كل شيء جميل في البلد ...
============

بعد فوز صادق خان ابن سائق الحافلة الفقير تناقلت وسائل المواقع الاجتماعي الخبر؛ ومن خلال العناوين والتعليقات يحس المواطن المصري القبطي بنوع من المرارة والغبن الذي يوقظ وجعا غائرا في النفس المكلومة ؛ ونتساءل ؛كيف لهذا الأتي من شبه القارة الهندية أن يتبوأ منصبا سياديا ببريطانيا ذات المرجعية والثقافة المسيحية و هي الحريصة على التشبث بأصالتها؟؟ بينما نحن الأقباط نعاني الإقصاء والظلم والتمييز ؟؟

معروف عند الانجليز في عاداتهم أنهم لا يحبون التغيير بسرعة ؛ فسيارات الأجرة ما زالت من موديلات الخمسينيات؛ و حرس قصر باكنغهام ما يزال بلباسه واستعراضاته ونغمة أبواقه منذ عهد الملك تشارلز الثاني  سنة 1660 م الى يومنا هذا؛ في ظل هذه الأصالة الانجليزية الصارمة وصل الباكستاني صادق خان لمركز عمدة عاصمة الضباب؛ بينما ينظر للأقباط وهم النبت الأصيل لمصر  على عدم أهليتهم  لتدبير الشأن العام وتقلد المناصب السيادية ؛ فالعهدة العمرية وان أكلتها الأرضة فان روحها  فوق رفوف الأزهر و قد شربها طلبته ومشايخه و تم تلقيحها للعقل الباطن المسلم بمصر ...
============

لا داعي لاستغراب  مادام في مصر سلفيون يلعنون شركاء الوطن جهارا نهارا و أمام أعين الدولة العاجزة على لجمهم و معاقبتهم؛ ومادام يرمى القبطي في غياهب السجون إن أغضب المسلمين ولو بإشارة يفهم منها أنه ازدراء للعقيدة؛ و خير مثال على ذلك الحكم الجائر الصادر في حق أطفال صغار أقباط من محافظة '' المنيا '' بصعيد مصر بتهمة ازدراء الدين الإسلامي لأنهم قاموا بتمثيلية بريئة توثق لجريمة ذبح أقباط مصريين من طرف تنظيم داعش .....
============

حكي لي أحد الأقباط الذي يشتغل سائق سيارة الأجرة بالقاهرة ؛ أنه كلما كان تزامن ركوب أحد الزبناء المسلمين مع آذان الصلاة وكان هذا السائق يشغل شريطا غنائيا لأم كلثوم أو فريد أو فايزة أحمد   الا و طلب منه الزبون  إسكات الشريط بطريقة أقرب الى التعنيف منها الى أي شيء آخر؛ وما علي يقول الصديق القبطي الا أن أنصاع للأمر و في غالب الأحيان أخفي هويتي بل أردد الصلاة و السلام على حبيبنا النبي تجنبا لأي طيش أو مصيبة....
============

نعم هذا هو المزاج العام للشارع المصري المتوهب المتأسلف و الذي صار يشكل خطورة كبرى على التنمية والحداثة والانفتاح؛ فمن المستحيل أن تقلع البلد اقتصاديا وينخرط مواطنوها في الأوراش التنموية العملاقة مادام  الفكر الوهابي معششا على أرض مصر وأصاب الملايين من الناس بالفلج الفكري وعدم القدرة على الإنتاج ....
============

وما دام الرئيس السيسي قد فتح الباب على مصراعيها أمام بني سعود ظنا منه أن سينقذ أبناء جلدته من غائلة الجوع؛ فإن  الفلج الفكري سيزداد وسيتراجع معدل التنمية وستتذيل مصر المراتب الأخيرة حسب مؤشرات التمنية البشرية إلى جانب جيبوتي واليمن وبنغلاديش ...

صحيح أن حرامية ثورة 23يوليوز 1952  قد أجرموا في حق مصر عندما رموا  بها  في حضن العروبة المفلس؛ و أدخلوا مصر في حروب مكلفة ما زال المواطن إلى يومنا هذا يؤدي ثمنها ؛  فهاهو السيسي اليوم  يرتكب خطأ قاتلا برهن مصر لدى عصابة آل سعود  العربونازية...كان عليه تنويع شراكات مصر  مع الصين والهند والروس والايرانيين والعمل على احياء طريق القوافل القديم المتجه نحو أمهرة عبر النوبة وتشكيل فضاء اقتصادي مع بلدان حوض النيل ...لكنه لم يفعلها فارتكب خطأ لا يقل خطورة عن أخطاء عبدالناصر الذي دفع بمصر لمحاربة اسرائيل نيابة عن كل العرب.... 

في بحر هذه السنة قام  الرئيس المصري بزيارة رسمية  لدولة اليابان؛ وزار احدى مدارس العاصمة طوكيو  وفعلا وقف السيسي من خلال حجرة الدرس  و أدب التلميذ الياباني والمدرس الياباني عن أهمية التعليم في بناء المواطن الانسان كرأسمال في التنمية ...
 
التلميذ في اليابان  يتعلم في السنوات الأولى كيفية التعامل مع الناس و كيف عليه أن ينتظر دوره في الطابور و كيف عليه أن يقطع الطريق عكس نحن وفي كل بلاد عربومستان فان أول شيء نتعلمه هو سورة الفاتحة التي تعلمنا كراهية اليهود والنصارى بينما يتعلم التلميذ الياباني احترام الانسان والذكاء الجماعي ؛ وبعد سورة الفاتحة و الفيل سورة اللعنة التي ننعل فيه أبا لهب لنتقرب بها الى الله  يلقنونا عذاب القبر و أهوال القيامة و أفاعي الجحيم التي ستلسع النصارى بسمها الزعاف ؛ بالله عليكم هل بهذه الطريقة سنصنع انسانا متزنا نفسيا و قادرة على الانتاج ؟؟ أم سنصنع ارهابيا يري في الانتحار طوق نجاة والفوز بحور وغلمان الجنة؟؟ أفتوني.... 

Assassi_64@hotmail.com