هاني صبري - المحامي
 قام بعض المتشددين من أهالي قرية آشروبة مركز بني مزار محافظة المنيا باستغلال حادث فردي عارض وقاموا فيه بالاعتداء علي الأقباط بجحة وقوع تصادم بين سائق توكتوك مسلم بسيارة مواطن قبطي، وقاموا بالاعتداء على الأقباط وعلى المحال الخاصة بهم وتدميرها ونهبها، كما قاموا بالاعتداء على كنيسة الآباء الرسل، مما أسفر عن وقوع إصابات بين الأقباط . 
وعلي إثر هذا الحادث العارض تجمهر  بعض المتشددين واتفقوا فيما بينهم على هدف إجرامي واحد هو التعدي على الأقباط وعلى ممتلكاتهم وإصابتهم ، كل هذه الأفعال الإجرامية الإرهابية مؤثمة قانوناً وفق المادتين ٨٦ ، ٨٦ مكرر ( أ ) من قانون العقوبات .
وقد قامت قوات الأمن بالسيطرة على الأوضاع داخل القرية. 
جدير بالذكر أن مثل هذه الوقائع المؤسفة من الأعتداء علي الأقباط من بعض المتشددين فيها إخلال بالنظام العام وتعريض سلامة وأمن المجتمع للخطر والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي وترويع الآمنيين وتعريض حياة الغير للخطر، وجرائم السرقة بالإكراه وإتلاف  ممتلكات الغير، وأن ما اقترفه هؤلاء المتهمين من أفعال تشكل جرائم جنائية مكتملة الأركان تضعهم تحت طائلة القانون وليس هناك أي مبررات لتلك الجرائم على الإطلاق . 
وهنا نتساءل من نصب هؤلاء المتشددين أن يكونوا أولياء على الأقباط وعلى المجتمع ويظنون أنهم بمنأى عن العقاب وغير خاضعين لسلطات الدولة وغير مبالين بالعقاب لأن الأمر في تصورهم وفِي تصور الكثيرين سوف ينتهي في الأغلب الأعم بجلسات الصلح العرفية وهذا فيه ضياع لحقوق الأقباط ويدفع المواطنين فاتورة بعض أشكال التعصب والجهل وتدهور التعليم وإنتشار الأفكار الرجعية المتطرفة وعدم قبول الآخر وثقافة البادية، ولعدم معالجة الأحداث في نطاق تطبيق دولة سيادة القانون ومن ثم يتكرر مسلسل الاعتداء على الأقباط، وقد يفلت الجناة من العقاب فمن أمن العقاب أساء الأدب.
إن الجلسات الصلح العرفية تعد افتئات على دولة سيادة القانون ومبدأ المواطنة ،  والحل الأمثل لمواجهة مثل هذه الجرائم هو التطبيق الفوري لأحكام الدستور والقانون دونما تمييز أو انتقاء. 
ومع الأسف الشديد قد ساهمت الجلسات العرفية في زيادة الجرائم ، وتعميق النزاعات الطائفية وليس احتوائها، وتفتقر إلى توفير أبسط الضمانات الدستورية والقانونية لجميع أطراف النزاع وأصبحت وسيلة للقهر والاستبداد وضياع الحقوق وفيها تشييع للدستور والقانون وتعميق الانقسامات والخلافات وإثارة الطغائن بين أفراد المجتمع. 
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل الجلسات العرفية يمكن أن تصبح بديلا للقضاء؟.
إن الجلسات العرفية لا علاقة لها بالقضاء ، وليست بديلا عن التقاضى بين المتخاصمين، فالقضاء سلطة من سلطات الدولة الثلاث ولا يمكن الاستعاضة عن أى منها. لأن حق الدولة فى العقاب قائم، فإن الدولة بكل أجهزتها يجب إن تتخذ إجراءاتها العادية للحفاظ علي حقوق مواطنيها ، ولجوء بعض العائلات أو القبائل للجلسات العرفية كبديل عن القانون لا يعتبر شيئاً إيجابياً ولا يمنع القضاء من نظر أىّ دعوى جنائية والفصل فيها وفق أحكام القانون وتقديم كل المتهمين للعدالة ، كما أن القضاء لا يعرف المواءمات السياسية أو الاجتماعية ولا ينظر إلى أشخاص بل إلى الوقائع المجردة للجريمة وملابساتها . 
إن فكرة القبلية والعائلة والنسب والانتماء المكانى تعزز فكرة الجلسات العرفية كبديل لنظام العدالة وهذا يشكل خطر داهم على المجتمع.
حيث إن الجلسات العرفية تعتبر بمثابة مسكنات تهمّش القانون وتصارع العدالة فتلك الجلسات هي إحدى الآليات التي تضعف القانون وأحكام الدستور ، ومحل انتقادات شديدة وواسعة من معظم المواطنين ، وليست حل للأزمات لذلك يجب التعامل بكل حزم مع الخارجين عن القانون ، وعدم الاعتداد بجلسات الصلح العرفية لأن ذلك  يؤدى إلى وقوع مزيد من الجرائم لاحقاً، فضلاً عن أن ذلك يعتبر نوعاً من التقاعس عن أداء الواجبات، وتركها لغير ذوى الشأن أو الاختصاص.
لذلك يجب تطبيق دولة سيادة القانون، ورفض الجلسات العرفية للصلح الزائف الذي يخسر فيه الكل، وتكون هيبة الدولة على المحك، ويولد شعور لدى المتهمين بالقوة وأنهم فوق القانون، وشعور لدى المجني عليهم بالظلم والقهر وضياع حقوقهم، بالتالي يتكرر هذا السيناريو المؤسف وينتقل عدوى الأعتداء على الأبرياء التي لا تنتهي من مكان لآخر ، كأننا نسير في حلقة مفرغة ونكتفي بدور المتفرجين والشجب والإدانة وننتظر وقوع الأحداث القادمة التي تحدث بنفس الكيفية وكأننا لا نتعلم من أخطائنا السابقة.
وبناء عليه نطالب كافة السلطات المعنية التصدي لمثل هذه الجرائم التي قد تنال من أمن واستقرار المجتمع وحماية مواطنيها والأحتكام إلى تطبيق دولة سيادة القانون، والقبض علي هؤلاء الجناة المتشددين والتحقيق معهم وإحالتهم إلي محاكمة جنائية عاجلة وتوقيع أقصي عقوبة مقررة عليهم قانوناً وذلك لتحقيق الردع العام والخاص، وحماية السلام الاجتماعي والأمن القومي للبلاد.
كما نطالب اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية المشكلة بقرار رئيس الجمهورية رقم ٦٠٢ لسنة ٢٠١٨م مواجهة مثل هذه الجرائم التي تنال من سلامة واستقرار الوطن لمنع حدوث حالة من الاحتقان تضر بالمجتمع ومواجهتها وقفاً للقانون للمحافظة علي الوحدة الوطنية وسلامة وأمن البلاد.
ونناشد مجلس النواب بإنشاء مفوضية عدم التمييز المنصوص عليها في المادة 53 من الدستور المصري الحالي