فاروق عطية
لأنه كان ينتمي لأسرة صعيدية (بني مر- محافظة اسيوط) تؤمن بفكرة "المجد العربي"، ويتضح ذلك جليا من اسم شقيق عبد الناصر"عز العرب" وهذا اسم نادر في مصر. ولأنه كان في صباه متشبعا بأفكار الحزب الوطني بزعامة مصطفي كامل باشا الذي كان ينادي برابطة أوثق بالدولة العثمانية. ولأنه كان في شبابه منتميا لجماعة الإخوان المسلمين الذين يؤمنون بدولة الخلافة ولا يقيمون وزنا للحدود بين الأوطان، كان لجمال عبد الناصر الكثير من الخطايا في حق وطنه مصر، وكان أهمها:.
 
ـ خطيئة محو إسم مصر: وبدأ ذلك عند قيام الوحدة المصرية السورية (22 فبراير 1958م)حين أطلق على دولة الوحدة "الجمهورية العربية المتحدة" ومحى إسم مصر ذات التارخ التليد وسُمِيت(الإقليم الجنوبي). وعندما انقلبت سوريا على مصر (8أكتوبر 1961م) وأنهت الوحدة بينهما لم تعد مصر لإسمها التاريخي بل ظلّت تحت إسم الحمهورية العربية المتحدة.
 
   في عام 1960م أثناء بناء السد العالي الذي كان يهدد الكثير من المواقع الأثرية والمعابد القديمة قامت هيئة اليونسكو بالتعاون مع الحكومة المصرية بنداء عالمي لحماية هذا التاريخ الأسطوري من الضياع والتدمير بالمساهمة في إنقاذ 13 معبدا من الغرق وعلي رأسها معبد أبو سمبل، وتكلف هذا المشروع ما يقرب من 40 مليون دولار بمساعدة هولندا وأمريكا وأسبانيا وألمانيا وإيطاليا. وعرفانا بالجميل أهدي جمال عبد الناصر أربعة معابد كاملة وبوابة معبد لهذه الدول. الغريب فيما فعله عبد الناصر انه لم يتنازل فقط عن تحف معمارية وتاريخية تعتبر من الآثار القليلة جدا في العالم التي امتزج فيها التاريخ الفرعوني والنوبي والاغريقي والروماني فقط، بل خطيئته تجاوزت ذلك اذ فرّط فيما لا يملكه هو ولا حتى الشعب في عهده، فهذه الآثار من ممتلكات المصريين في كل العصور، ولا يستطيع جيل أن يتنازل عنها.
 
ـ حطيئة إهداء معبد (دندور) للولايات المتحدة: أهدى جمال عبد الناصرالولايات المتحدة الأمريكية معبد "دندور"بموجب قرار وزارى رقم 4647 لسنة 1966م بتاريخ 17 ديسمبر 1966م، وهو معبد فرعونى قديم كان موجوداً بالنوبة المصرية، كان يقع على الشاطئ الغربى للنيلعلى بُعد حوالي 80 كيلومترا إلى الجنوب من أسوان أمام قرية دندور،بُني في العام 15 قبل الميلاد "على أنقاض معبد قديم يعود لعصر الأسرة السادسة والعشرين" في عهد القيصر الروماني أغسطس آخر حكّام البطالمة، الذي خلف كليوباترا السابعة، خُصص للألهة الكبرى إيزيس وأوزوريس وإلى ولدي حاكم نوبي كان قد ساعد الرومان في حروبهم مع ملكة مروي في الجنوب واُعتٌبِرا بطلي حرب، وهما "باديسه" والذي إسمه يعنى عطية إيزيس و"با حور" والذي إسمه يعنى "عبد حورس، وعند انتشار المسيحية تحول الجزء الأوسط من المعبد إلى كنيسة زالت آثارها إلا بعض النقوش القبطية، حيث توجد بعض النصوص التي سجلت فوق جدرانه مكتوبة باللغة القبطية تتحدث عن تحويل هذا المعبد إلى كنيسة، ويبدو أنها سجلت حوالي عام 577 م وأوصى بتسجيلها الملك النوبي أكسيا نومي.وقد شيد المعبد من الحجر الرملي بمقياس 25 متراً من البوابة الأمامية إلى الخلف، وثمانية أمتار من أعلى حتى أدنى نقطة به، فيما تبلغ غرفة الهيكل المطلة على النيل 30 متراً عرضاً، وتوجد حوائط تحيط المعبد من البوابة الثانية لتفصل الهيكل عن مياه النيل.وأهدىعبد الناصر المعبد  تقديرا للجهد الذى بذلته أمريكا فى الحفاظ على آثار النوبة من الغرق، فمنحها المعبد بالكامل. ومن المعلوم أن حجارة المعبد تزن أكثر من 800 طن، أكبر قطعة حجرية 6.5 طن، وتم نقله في 661 صندوق بواسطة شركة الشحن الأمريكية "إس إس كونكورديا ستار"، وفى 27 إبريل عام 1967متم منحه لمتحف المتروبوليتان والذي قام بإجراء تعديل كبير في المتحف أوائل السبعينيات لتشييد جناح جديد ليشغله معبد دندور الذي أعيد تركيبه بنفس شكله القديم.
 
ـ خطيئة إهداء معبد (ديبود) كاملالأسبانبا:بني معبد ديبود في الأصلالملك النوبي آزخر آمونعلى بعد 15 كيلومتراً جنوب مدينة أسوان، بالقرب من الشلال الأول بالنيل في منطقة "ديبود" على الضفة الغربية لبحيرة ناصر، مخصصا لعبادة الإله إيزيس بجزيرة فيلة.في العام الثاني قبل الميلاد قام "إدخاليمانى" ملك الكوشيين من مروي ببناء غرفة تعبّد صغيرة وأهداها للإله آمون، وتم بناؤها وتزيينها على نفس النمط المتأخر للمعابد في مروي، والتي منها معبد الدكة، وخلال حكم بطليموس السادس وبطليموس الثامن وبطليموس الثانى عشر في العصر البطلمى تم توسعة الغرفة من جهاتها الأربعة، لتصبح معبدا صغيراً بمساحة اثنا عشر متراً في خمسة عشر متراً، وقد أكمل الإمبراطوران الرومانيان أغسطس وطيباريوس تزيين المعبد. في عام 1968م أهدى جمال عبد الناصر أسبانباهذا المعبد كاملا،الذي تم تفكيكه ونقله وأعيد تركيبه في منتزه "مونتانيا" بمدريد.
 
ـ خطيئة إهداء معبد الليسيا لإيطاليا: كان هذا المعبد يقع فى بلاد النوبة بقرية أبريم بالقرب من قصر أبريم، هو معبد محفور في الصخر، بناه الملك تحتمس الثالث بالقرب من قصر أبريم، كان مخصصا لعبادة الآلهة آمون وحورس وساتيس، وتمثل النقوش الملك يقدم عرضا وأداء لطقوس دينيه من قبل الآلهة الثانوية التي رافقت الآلهة الرئيسية للمصلى. وأثناء عملية إنقاذ آثار النوبة التي قام بها اليونسكو في الستينان، تم تفكيكه لإنقاذه من الغرق في بحيرة ناصر ونقله، وكتقدير من الحكومة المصرية لجهود الحكومة الإيطالية أهداه عبد الناصر لإيطاليا عام 1966م ليتم حفظه وتركيبه بمتحف تورينو.  
 
   ـ خطيئة إهداء معبد طافا لهولندا:كان معبد طافا يقع بقرية طافا على بعد حوالى 48 كم جنوب أسوان، كان معبد طافا مغمورا بالمياه، وهو معبد اصغير يتكون من صرح يؤدى إلى صالة للأعمدة، ثم قدس الأقداس، ويؤرخ المعبد بالعصرين اليوناني والروماني.
 
تم بناء المعبد بين العامين الأول والرابع عشر بعد الميلاد في العصر الروماني وتقريبا في ظل حكم الإبراطور أغسطس، مساحته ستة أمتار ونصف في ثمانية أمتار،ويتكون من صالة بها أربعة أعمدة جرانيتية، ويتقدمها واجهة تتكون من عمودين، وينتهى المعبد بقدس أقداس،والمعبد مقام على أربعة أعمدة مربعة الشكل، وتوجد على جدرانه بعض الكتابات اليونانية وحُفر للصليب الذي يرمز للديانة المسيحية. والمعبد يتكون من 657 قطعة حجر تزن تقريبا حوالى 250 طن. وقد أهداه جمال عبد الناصر إلى هولندا، تقديراً لدورها الذى بذلته فى الحفاظ على الأثار المصرية من الغرق عند بناء السد العالى 1960م. تم نقله إلى هولندا عام 1971م وأعيد تركيبه في جناح خاص بالمتحف الملكيللآثار بمدينة ليدن، وتم حفظه من الطقس الهولندي بصورة لا تؤثر بالسلب على أحجاره.
 
   ـ حطيئة إهداء البوابة البطلميةلمعبد كلابشة لألمانيا: تم بناء معبدكلابشة حوالى عام 30 قبل الميلاد خلال الحكم الرومانى لمصر،شرع في بنائه الإمبراطور الرومانى أوكتافيوس أوغسطس على الضفة الغربية للنيل، أعتبر المعبد وقتها واحد من أكبر المعابد ذات الطراز المصري النوبي. ويعتبر تصميم المعبد أكثر التصميمات شيوعاً في تلك الفترة من العصر البطلمي.هو معبد مخصص لعبادة الإله ماندوليس إله الشمس عند النوبيين، تم إنشاؤه على أطلال معبد آخر للملك أمنخوتب الثالث. ويعد معبد كلابشة أفضل المعابد الرومانية التي حفظتها لنا الأرض المصرية، وذلك رغم الدمار الذي أصاب جدرانه ونقوشه إلي حد كبير.الموقع الحالي لمعبد كلابشةعلى ضفاف بحيرة ناصر ليس بالموقع الأصلي للمعبد الذي كان يقع علي الضفة الغربية لنهر النيل علي بعد 55 كيلومتراً إلي الجنوب من أسوان، بعد بناء خزان أسوان كان المعبد يُغطى بالماء لمدة 9 أشهر من العام،وبعد بناء السد العالي تهدد المعبد بالغرق تماما وإلى الأبد. قامت البعثة الألمانية بتفكيك أحجار المعبد واختيار موقع جديد في مأمن من ارتفاع منسوب المياه بعد بناء السد، ونجحت  في بناء المعبد من جديد في منطقة صخرية مرتفعة خلف السد العالي عام 1970م، وأطلق على هذا المكان (كلابشة الجديدة). أهدى عبد الناصر البوابة البطلمية من معبد «كلابشة» إلي ألمانيا تقديراً لجهودها في إنقاذ معابد النوبة، وتم حفظها فى جناح الآثار المصرية بمتحف برلين.