مايسترو بيشوى عوض
على الرغم من غرق حواسنا و إنغماس عقولنا فى إشكالات حياتنا الحالية مابين غلاء الأسعار وتعثر المعيشة وإضطرابات المناخ و إنتشار الأمراض المميتة وقلقلة نفوسنا جراء الحروب وتبعاتها, ضغوطات جمة ثقيلة تسيج على نفوسنا كأسوار عالية تفصلنا أحياناً عن التلامس والإحساس بمحيطنا وبالأخرين.
 
إللا أن مأساة الطفل شنودة جاءت صارخة فى وجوهنا مُفيقة إيانا, فالتفاعل معها هو حتمية غريزية تخرجنا من إنشغالاتنا لنتحسس من خلالها ونلامس إنتمائنا لأخوتنا الإنسانية.
 
لو أنا فهمت جيداً, زوجين مسيحيين عاقرين نظر الرب لإشتياق قلبهما لطفل, فإذ بهما يدخلان الكنيسة يوماً فيجدان طفل يوم واحد مقمطٌ متروكٌ فى وحدته المخيفة يصرخ باكياً, فاخذاه ناظرين إلى الرب فى شكرٍ لا يدركه إللا من سبق وأخذ من الرب فضلا عظيماً.
 
والآن وبعد أربعة سنوات من تبنى الطفل شنودة وبسبب بلاغ من عائلة الزوجين بسبب التخوف على الميراث كيما لا يذهب لهذا الطفل, فقد تقرر إنتزاع الطفل من والديه بالتبنى ووضعه فى دار أيتام, إستنادا على القانون المصرى المستند على أحاديث الدين الإسلامى القائل بأن "كل طفل يولد فى مصر ولا يستدل على دينه, فهو مسلمٌ بالفطرة."
 
كيف لنا أن نقبل إنتزاع طفل من أمه بعد أربعة سنوات من التعلق النفسى والحسى والجسدى بينهما؟!
خاصة وأن مرحلة الأربعة سنوات هى مرحلة التعلق والتعبير والإدراك والتطلع للمعرفة
ونحن نعرف أيضاً أن دين الطفل أمه وأمان الطفل أمه وسلامة وسكينة نفس الطفل أمه وينمو عقل الطفل وجسده فى وجود أمه وتتفتح حواس الطفل على الحياة ومفرداتها فى وجود أمه
ولذا فإن كل يوم يظل فيه الطفل شنودة  بعيد عن أمه بالتبنى هو تخريبٌ مُتعمدٌ لنفسهِ ونفس أمه ونفوس كل من عندهم نفوس سوية.
ولنا أن ننظر من نافذة المعرفة على معظم الحيوانات السدييه لنجد الأطفال ملتصقين بجسد أماتهم إلتصاقاً حميماً,
فلا الطفل يحيا فى سلام بعيد عن أمه ولا الأم ينعس لها بالاً فى بعد إبنها.
 
والحقيقة أن فداحة هذه الحادثة الوعرة الصادمة بسبب الميراث, أوضحت حالة الحالة الإنسانية فى بلاد الفراعنة العظام والتى وصلت إلى حد الإختناق, وكأن العوامل الكثيرة تضع يدها على رقبة إنسانيتنا وبديهياتنا حتى الغريزية الإلهية حتى إلتفاظ أنفاسها الأخيرة.
 
والحقيقة وعلى الرغم من كامل إحترامنا لنصوص القوانين وتوقير جميع الأديان, إللا أن الحجرُ على خلائق الله والتسلط بتجبر على نفوس الله الحرة, لأجل أن تنتمى لدين بعينه بالإكراه, هو أمر ملفوظ مكروه غير مقبول.
 
والحقيقة أن جملة " إن لم يستدل على دين شخص..." تقتضى بالمنطق الغريزى أن يكون جزئها الثانى "... فلا دين له حتما يقرر ديناً لنفسه, أو يدين على دين من تبناه ".
 
والحقيقة إن لم تكن القوانين هنا مسنونة بمنطق يتماشى مع بديهياتنا الغريزية الإلهية لأجل سلامة نفوسنا و أرواحنا فنحن مخربون...
 
والحقيقة أن أولادنا وبناتنا يولدون "مصريون" وهو إنتماء يعرفه العارفون فى أنحاء الأرض كلها, أنه أسمى إنتماء.
 
وكما قالها فولتير الفليسوف والأديب الفرنسى " كل إنسان هو مذنبٌ لأجل كل أمر حسن تغاضى عن فعله "
فنحن ننادى ولن نسكت عن المناداة بإرجاع الولد المسكين إلى السلام والأمان والحنان وبناء الروح والنفس والعقل والجسد والسعادة وتذوق طعم الحياة...فى حضن أمه...عاجلاً.
 
ولا ينقص مقالى قبل ختامه, إللا أن أطرح على مسامع جميعنا, كلمات أحمد شوقى الربانية المملؤة بروح خالق النفوس و الأكوان لعلها تحرك موات نفوسنا,  حينما قال فى قصيدته "الأم" :
 
لولا التُقَى لقلتُ, لم  يخلُق سِواكِ الولدا
إن شئتِ كان الحمارَ, أو إن شئتَ كان الأسدا
وإن تُرِد غيًّا غوى أو تَبغِ رشداً رشدا
 والبيتُ أنتِ الصوتُ فيه, وهو للصوتِ صدى
كالببغا فى قفصٍ, قيِل له, فقلّدا
وكالقضيبِ اللَّينِ, قد طاوعَ فى الشكلِ اليدا
يأخذُ ما عوَّدتِه  والمرءُ ماتعودا.
 
مايسترو بيشوى عوض
المؤلف الموسيقى
أستاذ الموسيقى فى معاهد الكونسرفتوار 
قائد الكورالات والأوركسترات بباريس