بمناسبة قراءات الأحد الثاني من شهر توت
          طوبى لعيونكم

القمص يوحنا نصيف
    تعليقًا على قول السيّد المسيح لتلاميذه في (لو10: 23) "طوبى للعيون التي تنظر ما تنظرونه".. يقول القدّيس كيرلس الكبير:

    + في مِثل هذه العِبارات، لا تشير الرؤية إلى عمل عيوننا الجسديّة، ولكن بالحريّ إلى التمتُّع بالأمور التي يمنحها المسيح لخائفي الله. كما يقول أحدهم مثلاً: "هؤلاء وأولئك رأوا أوقاتًا سعيدة" بدلاً من أن يقول: "استمتعوا بأوقات سعيدة". وبنفس الطريقة يمكنك أن تفهم المكتوب في المزمور الموجِّه إلى الذين يُثَبِّتون أفكارهم في الأشياء التي فوق: "وتُبصِر خيرات أورشليم" (مز128: 5)، بدلاً من "وتشترك في سعادة أورشليم" أي الأشياء التي فوق في السماء، التي يدعوها الحكيم بولس "أمّ جميع القدِّيسين" (غل4: 26).

    + جميع اليهود رأوا المسيح يعمل بجلال إلهي، ومع ذلك فليس من الصواب أن نحسبهم جميعًا مغبوطين، لأنّهم لم يؤمنوا ولا رأوا مجده بعيون العقل.. رغم رؤيتهم ليسوع وهو مملوء بالمجد، بواسطة الأعمال الفائقة الوصف التي عملها، إلاّ أنّهم لم يؤمنوا به.

    + تعالوا نسأل، ماذا رأت أعيننا؟ ولماذا نالت التطويب؟ ولأيّ سبب وصَلَتْ إلى هذه البركة؟ إنّها رأت أنّ الله الكلمة، الذي كان في صورة الله الآب قد صار جسدًا لأجلنا. إنّها أبصَرَتْ ذلك الذي هو شريك عرش الآب، ساكِنًا فيما بيننا، وفي شكلنا، لكي بالتبرير والتقديس يشكِّلنا على شبهه، ويطبَع علينا جمال ألوهيّته، بطريقة عقليّة وروحيّة.

    + عن هذا يشهد بولس ويكتب: "وكما لبسنا صورة الترابي، هكذا نلبس صورة السمائي" (1كو15: 49)، والرسول يقصد بصورة الترابي: آدم الذي خُلِقَ أوّلاً، ويقصد بالسماوي: الكلمة الذي هو من فوق، الذي أشرق من جوهر الله الآب، ولكنّه صار -كما قلت- مثلنا. فالذي هو بالطبيعة ابن، أخذ شكل العبد، ولكنّه لم يأخُذ حالتنا لكي يستمرّ في وضع العبوديّة، بل لكي يعتقنا نحن الذين رُبِطنا بنير العبوديّة؛ لأنّ كلّ ما هو مخلوق هو بالطبيعة عبد، ولكي يُغنينا بما له. لأنّنا به ومعه قد نلنا اسم البنين، إذ قد صِرنا مُكرَّمين بسخائه ونعمته. وهو الذي كان غنيًّا شاركنا فقرنا ليرفع طبيعة الإنسان إلى غِناه..

    + طوبى لأعيننا، ولأعين جميع مَن يحبّونه. إنّنا سمعنا تعليمه الذي لا يُنطَق به، فأعطانا معرفة الآب، وأرانا إيّاه في طبيعته الخاصّة. الأشياء التي كانت بواسطة موسى لم تكُن سِوى مثالاً ورمزًا، أمّا المسيح فقد أعلن لنا الحقّ..

    + يقول لنا بطرس الحكيم، وهو يتكلّم عن الذين تشرّفوا بالإيمان: "أمّا أنتم فجنسٌ مختار، وكهنوت ملوكي، أمّة مقدّسة، شعب اقتناء، لكي تُخبِروا بفضائل الذي دعاكُم من الظلمة إلى نوره العجيب (1بط2: 9). ونحن إنّما دُعِينا إلى هذا بواسطة المسيح.

[عن تفسير إنجيل لوقا للقدّيس كيرلّس السكندري (عظة 67) - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة - ترجمة الدكتور نصحي عبد الشهيد]
القمص يوحنا نصيف