القمص يوحنا نصيف

  الصليب وثلاثة أسئلة

بمناسبة احتفالنا عيد الصليب، سأحاول -بنعمة الله- في هذا المقال أن أجيب عن ثلاثة أسئلة بخصوص الصليب في تركيز شديد..
السؤال الأول: لماذا اختار الله الصليب بالذّات ليكون وسيلة موته؟!
السؤال الثاني: كيف أصبح الصليب قوّة، على الرّغم أنّ في مظهره ضعفًا واضحًا؟!
السؤال الثالث: هل من المنطقي أن نفتخر بالصليب؟ ولماذا؟!
أولاً: لماذا الصليب بالذّات؟
    هذا هو تدبير الله.. وعندما نتأمَّل فيه نكتشف أنّه أفضل وسيلة مُناسبة لإتمام عملية الفِداء، ولعلّ ذلك لأنّ في الصليب توافرت الشروط التالية:
   1- قدّم فيه المسيح نفسه ذبيحة بسفك دمائه.. ونحن نعلم أنّه "بدون سفك دم لا تحدث مغفرة" (عب9: 22).. وفي الدم حياة لنا.
   2- صالح فيه الأرضيين بالسمائيين.. لأنه عُلِّق بين السماء والأرض، وعندما ارتفع عن الأرض جذب إليه نفوسنا.. (يو12: 32).
   3- أعلن فيه حبّه بفتح أحضانه للجميع.. فالصليب هو طريقة الموت الوحيدة التي يموتها الإنسان فاتحًا أحضانه..!
   4- ليحمل عنا اللعنة.. لأنّه ملعون كلّ مَن عُلِّق على خشبة (تث21: 23).
   5- ليحمل عُرينا وعارنا، ويكسونا بثوب برّه.. فالصليب وسيلة موت، يموت فيها الإنسان عريانًا.
   6- ليكمل عنّا الطاعة للآب.. هذه الطاعة التي فشلنا فيها.. فالصليب عندما يوضَع على الكتف يكون معناه الإلزام بالطاعة والخضوع للقانون.. والسيد المسيح من أجلنا "أطاع حتى الموت، موت الصليب" (في2: 😎.
   7- لكي يصير ذبيحة حيّة قائمة.. يظلّ دمها المسفوك يشفع فينا إلى الأبد.. ولهذا شاهده القديس يوحنا في سِفر الرؤيا كخروفٍ قائم كأنّه مذبوح (رؤ5: 6).
 
ثانيًا: كيف أصبح الصليب قوة؟!
    * بالنسبة للسيد المسيح الصليب هو:
  + قوّة شجاعة وتحدِّي للعالم وكلّ المبادئ الشريرة التي فيه.
  + قوّة نُصرة على الشيطان.. فقد ظفر به سيّدنا وصرعه وقيّده.. كما تكرّر ذكره في: (لو11: 21-22)، (كو2: 14-15)، (رؤ2: 20).
  + قوّة حُبّ غلبت كلّ جحود الإنسان وشرّه وكبرياءه.
  + قوّة حياة اقتحمت الموت وغلبته وأهانته وأبطلت سلطانه.
    * أمّا بالنسبة للإنسان فالصليب هو:
  + قوّة موت عن شرّ العالم.. "الذي به قد صُلِبَ العالم لي، وأنا للعالم" (غل6: 14).
  + قوّة غلبة على الشيطان وكلّ قوّته.. فعلامة الصليب قوّة جبّارة يخشاها الشيطان ويتسلّح بها أولاد الله باستمرار.
  + قوّة افتخار بحبّ الله وتقييمه للإنسان بدمه الغالي.
 
ثالثًا: هل من المنطقي أن نفتخر بالصليب؟ ولماذا؟!
    الصليب هو وسيلة إعدام مهينة جدًّا، فلماذا يكون موضع افتخار لنا؟! كما يؤكّد القديس بولس الرسول: "أَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (غل6: 14)..؟!
    الحقيقة أنّنا نفتخر بالصليب، لأنّه أعظم إعلان عن حُبّ الله لنا، ولأنّه كشف عن قيمتنا العُظمى في عينيّ الله..!
    في الواقع أنّ الإنسان سيظلّ تائهًا لا يعرف قيمة نفسه، حتى يقترب من الصليب ويلتقي بيسوع المصلوب.. وفي هذا المكان بالذّات سيعرف كم هو محبوب وكم هو ثمين..!
    إن وجدتَ إنسانًا يضحِّي من أجلك، فمِن الواضح أنّك إنسان مهمّ ومحبوب.. وإذا كانت التضحية تصل إلى درجة الموت لأجلك فبالتأكيد أنت شخص مهمّ جدًا ومحبوب جِدًا جدًا.. ولكن إن كان مَن مات من أجلك هو الله نفسه فهذا يعني أنّ قيمتك عنده هائلة، وتساوي قيمة دمه المسفوك على الصليب.. فكما أنّنا نَحكُم على قيمة أيّ لوحة فنيَّة بمقدار الثمن الذي دُفِعَ فيها، هكذا الثمن الذي دُفِعَ فينا على الصليب أعطانا قيمة تفوق التفكير والتصوُّر..!
   "لأنكم قد اشتُريتُم بثمن.." (1كو6: 20).
   لذلك نحن نحبّك جدًّا أيّها المسيح المصلوب لأجلنا،
   ونفتخر بصليبك وآلامك المُخلِّصة المُحيية،
   ونتبعك بكلّ قلوبنا، ونمجّدك، ونعيش لخدمتك كلّ الأيام..