فى شهر أغسطس الماضى، واجهت رئيسة وزراء فنلندا، الشابة، سانا مارين، عاصفة قوية كادت تُزعزع مكانتها السياسية، وتؤثر فى قدرتها على الوفاء باستحقاقات منصبها، حين تم نشر فيديو يُظهرها ترقص مع أصدقائها فى حفلة صاخبة، ما اعتُبر سلوكًا «لا يعزز الثقة فيها».
 
لقد لقيت السياسية المرموقة انتقادات كبيرة من الأطر السياسية وبعض قطاعات الجمهور فى بلادها، التى تُعرف بالانفتاح الكبير والتقدير اللافت للحريات الشخصية، لأنها ظهرت بهذه الصورة التى «لا تتناسب مع طبيعة منصبها القيادى». وفى حين ألمح البعض إلى إمكانية وقوعها تحت تأثير المخدرات، دافعت مارين عن موقفها بالقول إن من حقها العيش والاحتفال، وإن قدرتها على ممارسة عملها لم تتأثر، وإن نشر هذا الفيديو يُعد انتهاكًا لخصوصيتها.
 
ويبدو أن تلك القضية أعادت التأكيد على أن قيام «الشخص العام» بسلوك شخصى يضر المصلحة العامة بشكل واضح، أو يؤثر فى استقرار المؤسسات العامة، أو يزعزع الثقة فيها، قد يسوغ للإعلام اختراق خصوصيته من جانب، كما قد يستوجب خضوعه للمحاسبة حرصًا على صيانة المقدرات العامة التى يمثلها أو يعبر عنها من جانب آخر.
 
وفى الأسبوع الماضى، عادت قضية الدكتورة منى برنس، المُدرسة السابقة بجامعة السويس، إلى البروز مرة أخرى، بعدما رفضت المحكمة الإدارية العليا الطعن المقدم منها على قرار عزلها من وظيفتها بسبب فيديوهاتها الراقصة، التى قامت ببثها على حسابها فى «فيسبوك» خلال عام 2017.
 
نحن نذكر الضجة الكبيرة التى أحدثتها تلك الفيديوهات حين تم نشرها، خاصة أنها كانت تظهرها وهى تمارس الرقص الشرقى، وتظهر فى بعضها بـ«البكينى»، فى الوقت نفسه الذى كانت لا تزال تقوم فيه بدورها فى التدريس للطلاب فى الجامعة.
 
وتعددت الآراء والمواقف بخصوص تلك الوقائع، إذ رأى البعض أن تناول تلك القضية من قِبَل وسائل الإعلام، وانشغال الأطر الجامعية والحقوقية بها، من قبيل اللهو وإرساء الأولويات الزائفة، بينما تبنى قطاع آخر موقف الدكتورة منى، واعتبر أن تلك الصور والفيديوهات تقع فى نطاق خصوصيتها، واتهم وسائل الإعلام بإشغال الجمهور بقضايا تافهة، فى مواجهة قطاع ثالث رأى أن ما فعلته الدكتورة «خطير»، ويجب الوقوف ضده بحسم وقوة.
 
والواقع أن من حق وسائل الإعلام والمجتمع وأطر المحاسبة الجامعية مناقشة ما بثته الدكتورة منى على «السوشيال ميديا» آنذاك، وليس ما فعلته فى فضائها الخاص.
 
ومن حق تلك الأطر أيضًا اتخاذ إجراءات بحقها نتيجة لتلك الممارسات المذاعة، ولا تُعد تلك الإجراءات انتهاكًا لحقها فى التعبير عن الرأى، ولا حريتها الشخصية، طالما تم إثبات أن ما فعلته يتناقض، بشكل واضح لا لبس فيه، مع «مقتضيات السلوك الوظيفى»، و«متطلبات السمعة المحمودة»، التى يجب أن يكون منصوصًا عليها بوضوح فى عقد العمل، أو لوائح السلوك ومدوناته وشروط التعيين بالوظائف الجامعية.
 
وكما أثبتت وقائع قضية رئيسة وزراء فنلندا، فإن واقعة الدكتورة منى لا تحدث فى مصر فقط، ولا تفجر هذا الجدل فى المجال العام فى مصر فقط، لكنها واقعة تحدث كثيرًا فى مجتمعات أخرى، ومن بينها مجتمعات متقدمة، ومُصنفة بوصفها من معاقل الحريات الشخصية ومراكز الليبرالية الاجتماعية والسياسية.
 
وفى الولايات المتحدة فقط، تفجرت قضايا مشابهة لقضية الدكتورة منى على مدى السنوات الفائتة، فى جامعات «أو برلين» بأوهايو، و«إلينوى»، و«كانساس»، حيث تم طرد أستاذين جامعيين بسبب آراء معينة لهما على «تويتر»، اعتُبرت «غير لائقة»، كما تم رفض تعيين أستاذ فى جامعة ثالثة بسبب «ممارسات على السوشيال ميديا لا تتفق مع مبادئ الجامعة ولوائحها».
 
ورغم أن المجتمع الجامعى الأمريكى ما زال منشغلًا بهذه القضايا، وأن الانقسام حولها شديد، فإن كثيرين فى تلك البلدان المتقدمة يتفهمون ضرورة أن «تتسق تصرفات أستاذ الجامعة والشخص العام مع قواعد مرعية ومتطلبات مهنية محددة يمكن أن تمتد إلى سلوكه الشخصى وحياته الخاصة».
نقلا عن المصري اليوم