أيمن زكى
في مثل هذا اليوم من سنة 283 ش. (22 يونيو سنة 567 م.) تنيح القديس ثاؤدسيوس (تاردس - تاوضروس) الاول البطريرك الثالث والثلاثين من باباوات الكرازة المرقسية إذ تنيح قداسه البابا تيموثاوس الـ الثالث الـ٣٢ اُنتخب الناسك التقى ثيؤدسيوس بابا للإسكندرية
 
وكان عالما حافظا لكتب الكنيسة وبعد أيام أثار عليه عدو الخير قوما أشرارا من أهل المدينة وأخذوا فاكيوس رئيس شمامسة كنيسة الإسكندرية ورسموه بطريركا بمعاونة يوليانوس. الذي كان البابا تيموثاوس قد حرمه لموافقته لمجمع خلقيدونية.ولما رسم فاكيوس نفوا البابا ثاؤدسيوس إلى جرسيمانوس وكان القديس ساويرس الأنطاكي يقيم في سخا من بلاد مصر وكان يعزيه ويصبره ذاكرا له ما جري للرسل وليوحنا ذهبي الفم.
 
وبعد ستة أشهر من نفيه ذهب إلى مليج وأقام بها سنتين وبعد ذلك تقدم أهل الإسكندرية إلى الوالي وطلبوا منه أن يأمر بإعادة راعيهم الشرعي وطرد فاكيوس الدخيل ووصل الخبر إلى الملك يوستينيانوس والملكة المحبة للإله ثاؤذورا.
 
فأرسلت تسأل عن صحة رسامة البابا ثاؤدسيوس حتى إذا كانت طبق القانون يتسلم كرسيه فعقدوا مجمعا من الشعب ومائة وعشرين كاهنا وأجمعوا علي أن ثاؤدسيوس رسم باتفاق الأساقفة والشعب وفقا للقانون. وكان فاكيوس حاضرا في المجمع فوقف معترفا بأنه هو المعتدي وطلب مسامحته علي أن يبقي رئيس شمامسة كما كان قبلا وأرسلوا للملكة بذلك
 
غير أنه لما كان الملك موافقا علي معتقد غير الصحيح فكتب إلى نائبه في الإسكندرية يقول:
"إذا اتفق معنا البطريرك ثاؤدسيوس في الإيمان فتضاف إليه مع البطريركية الولاية علي الإسكندرية وإذ لم يوافق يخرج من المدينة "
فلما قرأ البابا المجاهد البطريرك ثيؤدوسيوس كتاب القيصر هتف أمام رسل الملك والوالي والجمع المحتشد قائلا:
 
إن إبليس أخذ السيد المخلص وأصعده على الجبل العالي، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها، وقال له: "هذا أعطيك إذا أن سجدت لي". هكذا أنتم أتيتم تعدوني بأن أصير غريبًا عن السيد المسيح الملك الحقيقي حُبا في مجد الدنيا الباطل، ثم رفع يديه أمام الجميع، ثم قال للوالي ولجميع الجيش الخاص بالقيصر "ليس لمولاكم سلطان إلا على جسدي الفاني، ولكن نفسي في يد مخلصي. والآن هوذا البيعة وكل ما فيها أمامكم ومهما أمرتم فافعلوه. أما أنا فتابع لإيمان الذين تقدموني أثناسيوس وكيرلس وديسقوروس وغيرهم، الذين صرت أنا نائبًا لهم بغير استحقاق".
 
ثم قام وخرج قائلًا: "مَنْ يحب الله فليتبعني". فخرج وراءه الأرثوذكسيين ولم يشأ الوالي أن يقبض عليه بل تركه يذهب إلى حيث يشاء كأمر القيصر. فخرج من المدينة وقوة السيد المسيح ترشده، بل أن الوالي نفسه اهتم بأمره وأعد له كل ما يحتاج إليه، وحمله في مركب إلى صعيد مصر، حيث أقام أربع سنين يُعَلِّم الشعب والكهنة والرهبان في الديارات ويثبتهم على الأمانة الأرثوذكسية، ويصبرهم على احتمال الاضطهاد حتى الموت.
 
أما رسل القيصر فرجعوا إليه وأعلموه بالخبر فاندهش هو وجميع رجال بلاطه من ثبات ثيؤدوسيوس على أمانته ورفضه كل تلك الهبات. وأقام القيصر رجلا يدعى بولس النيسي عوضا عنه، وكان هذا الرجل أجنبيا عن مصر من شباودب في طرسوس، وبدون أن يعلم المصريون عن أصله شيئًا، رسمه القيصر في القسطنطينية، فصار هذا الرسم قاعدة البطاركة الملكيين أن يرسموا بالقسطنطينية ويسيروا للإسكندرية. وقد تم هذا كله سنه 541 م. وجاء بولس إلى الإسكندرية تحرسه قوة عسكرية هائلة، ولكن المصريون لم يقبلوه ولم يحبوا وجوده بطريركا عليهم. وكانوا يلقبونه يهوذا الثاني. ولم يكونوا يعرفون لهم بطريركا أخر سوى ثيؤدوسيوس المنفي الذي كانوا يطيعونه ويخضعون لأوامره التي كان يرسلها إليهم.
 
وأستمر بولس سنة على هذا المنوال حتى اضطر أخيرًا أن يخبر القيصر بأن المصريين يهربون منه كما يهرب الحمل من الذنب. فرد عليه القيصر بكتاب يأمره فيه أن يغلق أبواب البيعة التي بمدينة الإسكندرية، ويختم عليها حراسا حتى لا يدخلها أحد مطلقا.
 
أخذ بولس من الرئاسة بوضع يده على الكنيسة الكبرى المسماة بالكنيسة القيصرية، ثم استحوذ بمساعدة الجيش على عدة كنائس مهمة غيرها. أما المسيحيون فلما سمعوا بأمر قفل الكنائس، حزنوا حزنًا مفرطًا ومكثوا سنه كاملة بدون أن يصلوا في الكنيسة! ولم يكن يعزيهم سوى كتب بطريركهم المنفي التي كانت تَرِد إليهم بين آن وآخر. ولما زاد قلقهم اجتمعوا وتشاوروا على بناء بيعة، فتم لهم ذلك وبنوها بقوة السيد المسيح غربي الإسكندرية، ثم بنوا كنيسة أخرى غربي الأعمدة على اسمي قزمان ودميان. وبنوا كنائس أخرى سموا إحداها الكنيسة الملائكية كما في الكنيسة القيصرية، فلما علم بذلك القيصر فتح جميع الكنائس وجعلها تحت سلطان الخلقيدونين. فلما علم البابا ثيؤدوسيوس ناح وبكى وطلب الرب من أجل ثبات أمانة شعبة. وكان يصلى ويقول: يا ربى يسوع المسيح أنت اشتريت هذا بدمك الشريف، وأنت الملهم بهم فلا تتخلَّ عنهم، بل لترعهم عنايتك.
 
ولم يكن بولس البطريرك الدخيل مبغوضًا من المصرين، فقط بل من بعض الرومانيين أيضًا بالنسبة لدناءة أعماله. ولما رأى قوة القوم تحت يده فشرع في أن ينتقم من الجميع. فنقل ايلياس قائد جنود الوجه القبلي إلى مكان آخر حتى يضعف من قوة الأقباط في الصعيد، فشعر بيؤس أحد شمامسة الكنيسة الإسكندرية بالأمر، فأرسل كتابا لايلياس يخبره به، فوقع الكتاب في يد أحد اتباع بولس فجاءه به. ولذلك أمر بولس بالقبض على الشماس المسكين متهمًا إياه بإهمال مصلحة الكنيسة، وتبذير إيرادها. وسلمه إلى عهدة درون والي مصر، فأستمر يعذبه إلى أن اسلم روحه، فرفع أقرباء الشماس بيؤس دعواهم إلى القيصر، فأمر بعزل درون الوالي، وعين بدله ليهريوس الذي أمر بالتحقيق في قضية بيؤس. فأسفر التحقيق عن إدانة بولس ودرون الوالى فحكم بالإعدام على درون، وبالنفي لبولس. وحكم عليه بالعزل والحِرمان من بطريركيتي إنطاكية وأورشليم.
 
وعين القيصر عوضه رجلًا يدعى زيلوس، ولم يكن لهذا البطريرك أي اعتبار وعاملة الأقباط بنفس معاملة بولس غير معترفين بأحد رئيسًا عليهم سوى ثيؤدوسيوس. وحيث أن يوستينوس قيصر توفي وملك عوضه يوستنيانوس، وكان أشد كرهًا للأرثوذكسيين غير أنه في مبدأه نهج منهجًا يختلف عن خطة سلفه، وأظهر لينًا نحوهم، وأمر باستحضار ثيؤدوسيوس من منفاه، وترك له نوع من الحرية. وإذ خاف لئلا يؤول ذلك إلى تعميم للأرثوذكسية تظاهر بأنه يريد عقد مجمع بالقسطنطينية ينهى فيه القضايا، ووعد البابا بأن لا يلحقه أذى، وأوصى حامل الرسالة أن ينطلق به حتى تقدمه إلى العاصمة.
 
فعزم البطريرك على مقابلة القيصر واستعان بقوة السيد المسيح، ولما دخل إلى القيصر وامرأته وعاينوا سكينته وتواضعه وفضله، استقبلوه حسنا. ثم كلمة بكل رقة ليستميله إلى جانب مجمع خلقيدونية ولكنه لم يفلح في تغيير عقيدته. ولما تقابل معه البطريرك لثالث دفعه وأخذ يَعِدْهُ بالكرامة أن هو أطاع رأيه، فقال له "لا حياة ولا موت ولا غلاء ولا سيف يصد قلبي عن أمانة آبائي" فغضب عليه الملك وألقاه في السجن بالقسطنطينية مرة أخرى، وبعد ذلك نفاه. واستمر في المنفي حتى أدركته المنية،
 
فرقد في الرب بعد أن قضى مدة واحد وثلاثين سنة بطريركًا، صرف منها 28 سنة في أماكن النفي ووضع من المقالات والتعليم في مدة بطريركيته الشيء الكثير.
 
وانتقل بسلام إلى السيد المسيح الذي كان يحبه في اليوم الثامن والعشرين من شهر بؤونه
بركه صلاته تكون معنا كلنا امين...
و لالهنا المجد دائما ابديا امين...