د. سامح فوزي
 يبدو أن تزايد العنف فى المجتمع سوف يستمر ضيفًا ثقيلا على أحاديث الإعلام والتفاعل الالكترونى وكلام أهل الاختصاص. وكلما انشغل الرأى العام بحادث، وارتبك مع ردود أفعاله، نُفاجأ بحادث آخر، يكون أكثر بشاعة وسوءًا من سابقه. عندما يتهور شاب، لم يكتسب الوعى والخبرة اللازمين، ويقتل من يحبها فى الشارع، وهى جريمة بشعة بالتأكيد، قد نجد من يفسر الجريمة باندفاع الشباب، وغياب التكوين الاخلاقى، ولكن ماذا نقول عندما يٌتهم أحد رجال القانون بقتل زوجته الإعلامية بطريقة مخططة شنعاء، وهو شخص يٌفترض أنه نال من الوعى القانونى، والخبرة ما يكفى لضبط انفعالاته، وترشيد قرارته.

هناك جرائم تجد اهتماما من الرأى العام، إما لبشاعة الجريمة، أو لنوعية الأشخاص الضالعين فيها، ولكن هناك بالتأكيد جرائم أخرى تتداول فى أروقة محاكم الجنايات دون متابعة إعلامية، وإن عرضت قنوات موقع يوتيوب أحيانًا دقائق من بعض هـذه المحاكمات، ولاسيما لحظة النطق بالحكم.

هناك أسباب عديدة لتفسير حالة العنف المتصاعدة فى المجتمع. أولا: ارتباك الخريطة الطبقية فى المجتمع، بين طبقات صاعدة، وأخرى هابطة، وبينها فئات عديدة قلقة، متوترة، تعانى اقتصاديًا واجتماعيًا، كل ذلك يتسبب فى ارتفاع منسوب التوتر فى الشخصية المصرية، وتراجع قدرتها على احتمال المتغيرات، وانزلاقها فى دوامة العنف، وهى حالة عرفتها مجتمعات أخرى مرت بأزمات اقتصادية واجتماعية حادة.

ثانيا:شعور قطاعات عريضة من الشباب بعدم وجود سند مادى لطموحاتهم العملية، وتطلعاتهم العاطفية، مع تفشى البطالة، وارتفاع الأسعار، وكثرة المعروض من الخريجين، خاصة أصحاب التخصصات التكرارية المتشابهة، وقلة الطلب عليهم فى الأسواق المحلية والعربية. ويمثل الفراغ، والتوتر، والإحباط مثلثا جهنميا لتسويغ العنف، وإيجاد العوامل المغذية له.

ثالثا: تحول العنف، فى أشكاله الصغرى والكبرى- إلى أسلوب حياة، نراه فى مواقف الحياة العادية، التى لا تستدعى شططًا أو انفعالا مُبالغا فيه، ونجده أيضا فى ترسانة العنف اللفظى الخشنة فى الشارع، والعلاقات الاجتماعية، والتعبير عن الرأى المخالف، ويكفى النظر إلى مواقع التواصل الاجتماعى لنرى إلى أى حد تفتقر لغة الحوار فى حالات كثيرة إلى غياب الاحترام المتبادل، والأدب فى الحديث، والقدرة على التعبير السليم عن الأفكار. ولا يقتصر سوء التعبير على الفئات الأقل تعليمًا أو وعيًا، بل يمتد إلى المتعلمين والمثقفين، ويكشف ما تحتفظ به ذاكرة مواقع التواصل الاجتماعى مما يُطلق عليه “تسريبات” عن تدنى فى أسلوب الحديث بين من يوصفون بالنخبة، رغم التحفظ على أسلوب التسريبات ذاتها الذى يقبل عليه البعض.

وسط كل ما يحدث يشعر المجتمع بالخوف على سلامته الشخصية، والسبب يعود إلى أنه قد يطرأ فى لحظة ما موقف يترتب عليه اعتداء بدنى أو لفظى عنيف على الآخرين، لاسيما النساء والفتيات، دون مقدمات أو خلافات سابقة، بما يتنافى مع قدرتهن على مواجهة المواقف المتأزمة مثل مشاجرة فى الطريق، أو خلاف مرورى، أو ما شابه. ويظل السؤال كيف يمكن الخروج من حالة العنف ذات الوجوه المتعددة التى يعيشها المجتمع؟

بالتأكيد تحسين الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، واتساع نطاق المشاركة المجتمعية يمثلان حجر الزاوية فى أية جهود لاستعادة الاعتدال إلى النفسية العامة، ويضاف إلى ذلك عدة نقاط. من ناحية أولى تخفيف ضغوط الحياة اليومية من خلال تنظيم أفضل للحياة، سواء من حيث الاهتمام بتنظيم المرور، والتوسع فى تقديم الخدمات عبر وسائط الكترونية، وتحديث أماكن انتظار المواطنين فى كل مؤسسة حكومية، الخ، وإيجاد أماكن معقولة التكاليف لتنزه الناس، كل ذلك يؤدى إلى تخفيف حدة التوتر العام. ومن ناحية ثانية توسيع نطاق مشاركة المواطنين فى الشأن المحلى، وهنا نستعيد تجارب دولية مهمة مثل تطوير مدينة بورتو اليجرى فى البرازيل فى عهد الرئيس لولا دا سيلفا، والتى تحولت من مدينة متدهورة، تتفشى الجريمة المنظمة فى أحيائها، إلى مدينة متقدمة تستقطب الاستثمار والسياحة.يعود ذلك إلى مشاركة المواطنين فى تحديد أولويات الميزانية العامة على الصعيد المحلى، مما مكنهم من تطوير نوعية الحياة بها عبر سلسلة متعاقبة من المشروعات المحلية. وأخيرا، فإن الاهتمام بالتربية المدنية فى المدارس، والإعلام الخالى من العنف، والمشاركة فى العمل الأهلى، وتطوير الخطابات الدينية تمثل مداخل مستمرة للتعامل مع ظاهرة العنف.
نقلا عن الأهرام