محرر الاقباط متحدون
قال بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم، الكاردينال لويس ساكو، إن السبب الرئيسي في استمرار نزوح آلاف الأسر المسيحية من سهل نينوى ومناطق أخرى شمالي العراق، يعود إلى هيمنة الجماعات المسلحة وغياب الإعمار في مناطقهم، مؤكداً أنه لا بيئة آمنة لهم في العراق. ورأى ساكو، أن الحكومة العراقية استثمرت زيارة البابا فرنسيس العام الماضي إلى البلاد إعلامياً، من دون أن تشتغل عليها بشكل واقعي وتحسين الحياة في مناطق وجود مسيحيي العراق.
 
تمييز متواصل ضد مسيحيي العراق
وأوضح البطريرك ساكو في حديث لـ"العربي الجديد"، على هامش وجوده في العاصمة بغداد، أنه "يتمنى ألا يصل اليوم الذي يكون العراق فيه خالياً من المسيحيين، لكن للأسف، هذا احتمال وارد في ظل التمييز ضد المسيحيين المستمر من قبل جهات متعددة، من ضمنها مليشيات مسلحة وأحزاب فاسدة، وغياب الخدمات وفرص العمل ورؤية واضحة للمستقبل".
وأشار إلى أن عدم عودة أكثر المسيحيين العراقيين إلى مناطق سكنهم، وتحديداً في الموصل، يعود إلى "أسباب واضحة بالنسبة إلينا وكذلك للعراقيين المطلعين على الوضع العام"، مضيفاً "الإجابة تتلخص بأن هناك مليشيات مسلحة وعصابات ومافيات لا تخضع للقانون ولا تستطيع الحكومة العراقية مواجهتها، وتمارس العنف العلني والواضح". وحذّر من أن هذه المليشيات والعصابات "تمثل خطراً على المجتمع العراقي ككل، وعلى المسيحيين بصفتهم أقلية"، معتبرًا أن "وجودها يجعل المواطن المسيحي يخشى العودة إلى منزله الذي تهجّر منه، فضلاً عن غياب المدارس والخدمات الصحية".
 
وفي إشارة إلى جماعة "بابليون" المسلّحة، التي تنشط في مناطق سهل نينوى، قال البطريرك ساكو: "هناك جهة مسلحة واحدة تدعي أنها مسيحية، لكنها في الحقيقة لا تمثل المسيحيين ومشاعرهم الإنسانية وتسامحهم، وهي تنتمي إلى هيئة الحشد الشعبي". وأشار إلى أن "هذه الهيئة من المفترض أن تكون شعبية وتمثل كل الشعب، لا أن تتجزأ على هويات فرعية ودينية ومذهبية وطائفية أو قومية". وقال إن هدفها "حماية البلاد من المخاطر الإرهابية، لكن للأسف، اختلطت الأوراق، وبات لدى بعض الجماعات المسلحة مصالح ومصانع وأموال لا تستطيع التخلي عنها".
 
حكومة ضعيفة ودويلات حاكمة
وأكد البطريرك ساكو أن "هناك تراجعاً مستمراً في أعداد المسيحيين في بلاد الرافدين، وهو أمر مؤسف جداً لنا". ولفت إلى أن "حتى الذين عادوا إلى منازلهم، لم تتكفل الحكومة بهم، ولم تساعدهم، بل إن معظم المنازل التي رُمّمت خلال السنوات الماضية بعدما تضررت بسبب الحرب، كانت الكنيسة هي الجهة التي تقوم بأعمال الترميم".
 
وأوضح أن "أعداد المسيحيين تراجعت في بغداد، بعدما كانت هناك أحياء كاملة تضم المسيحيين في العاصمة قبل عام 2003، لكن التمييز ضدهم والاستيلاء على ممتلكاتهم ومحاصرتهم في رزقهم دفعهم إلى الهجرة، وقد هاجر معظم مثقفي ونخب المسيحيين في بغداد، وبقيت العائلات الفقيرة غير القادرة على الهجرة".
 
وحول اللجنة التي شكلّها زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر أخيراً بشأن استرجاع أملاك المسيحيين المسلوبة، قال إنها "تمكنت من استرجاع عدد من المنازل، لكن في الحقيقة ليس لدينا رقم واضح للعقارات التي تم استرجاعها، وقد شكرت فريق اللجنة في أكثر من مرة على جهودهم".
وأضاف: "كان يفترض أن تكون اللجنة حكومية، لكن في الحقيقة الحكومة ضعيفة وغير قادرة على فرض القانون وهيبتها على الأفراد والجماعات التي تستولي على الأملاك". وقال في هذا الخصوص: "لقد وجدت أن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي حاول بناء دولة قوية، لكن يبدو أن الطريق إلى الدولة القوية طويل".
 
ونبّه البطريرك ساكو إلى أن "المشكلة في العراق هي أن الأحزاب لا تعمل على تقوية الدولة، إنما على إضعافها". أضاف: "هذا المشهد واضح بالنسبة لنا، وشاهدنا أن الدولة اعتقلت شخصيات متهمة بالفساد المالي وبتهم أخرى في الصباح، لكن عندما يأتي المساء يكون هذا الشخص خارج السجن، ولا تتحدث عنه الدولة مستقبلاً". واعتبر أن "دويلات في العراق هي الحاكمة، وليس دولة واحدة تمثل القانون، وهناك سلاح وجنود خارج الدولة، والأخيرة غير قادرة على السيطرة".
 
وبشأن دعوة الكاظمي للمسيحيين العراقيين من أجل العودة إلى العراق، قال البطريرك ساكو: "أنا أعرف المسيحيين الذي يعيشون في الخارج، إنهم يريدون الأمان والاستقرار والحياة الكريمة، حالهم كحال أي عراقي مغترب، وهذه المتطلبات غير متوفرة في العراق، بالتالي فإن المهاجرين لن يعودوا إلى بلادهم الأصلية".
 
وأشار إلى أنه "من المفترض على الحكومة، حين تقوم بدعوة المسيحيين إلى العراق، أن تقوم بخلق بيئة آمنة لهم، وليس التحدث عبر الإعلام ومحاولة الكسب السياسي". وأضاف أن "المسيحيين لم يحصلوا على أي من متطلباتهم البسيطة، كما أن ممثلي المسيحيين من السياسيين لم يلتزموا بوعودهم من جهة، واتحدوا مع الأحزاب الكبيرة من جهة ثانية، إضافة إلى أن غالبيتهم غير منتخبين أصلاً من المسيحيين".
 
وحول الجدل الدائر حالياً بشأن نتائج زيارة البابا فرنسيس إلى العراق في مثل هذه الأيام من العام الماضي، قال البطريرك ساكو: "بابا الفاتيكان ليس مسؤولاً أو مالك مصارف أو جهة تنفيذية لإجراء تغييرات في العراق. الزيارة كانت مهمة جداً على مستوى الخطاب وتغيير الفكر، وقد تحدث عن التسامح والأخوّة بين المسلمين والمسيحيين وبين عموم البشر، ونبذ العنف".
 
ورأى البطريرك الكلداني أن "الحكومة العراقية عملت على الجانب الإعلامي من الزيارة بشكل جيد، لكن كان عليها أن تستغلها وتوظّف مخرجاتها، من أجل القيام بسلسلة من المشاريع لخدمة العراقيين، لكن للأسف، الحكومة مشغولة بالصراعات السياسية فقط"