بقلم: مايكل دانيال
عدسة الفنانة: فاطمة صابر
"..بالفنون ترتقي الشعوب"
تلك الكلمات التي علقت في ذهني -  من عرض (فانطازيا)  لفريق شمعة و ملاحة للفنون و الدراماً – جعلتني أتوقف أمامها كثيراً، و جعلتني ايضاً اتساءل... لو كان ألامر هكذا، فلماذا لا يرتقي الفن الهادف الي الشاشات و مسارح الدولة لنرتقي كمجتمع به، بدلاً من افلام رخيصة و مسرحيات اقل ما توصف به هو انها ساذجة جداً و مثيرة للغثيان!!
 
كان ذلك التساؤل ايضاً هو محور العرض العبقري فانطازيا، حيث تم عرض تلك التجربة في كرنفال فني بدأ فعالياته في الأول من أكتوبر الجاري لينتهي يوم السبت الموافق 10 من نفس الشهر.
 
جاءت الفكرة غير تقليدية بالمرة، حيث قرر المخرج مايكل تادرس أقامة عرس ثقافي للفنانين المستقلين علي مسرح ستوديو ناصيبيان "جزويت الفجالة"، شمل عروض لفن المايم، افلام قصيرة، عروض موسيقية و غنائية الي جانب عرض تجربته المسرحية "فانطازيا" في كرنفال هو الاول من نوعة للفنانين المستقلين و بجهودهم الذاتية فقط!
 
بدأت الفعاليات بأمسية موسيقية علي العود لفرقة "مزاج" في حفل افتتاح الكرنفال، تلي ذلك العرض الاول للتجربة المسرحية "فانطازيا"، و حظي اليوم الثاني بأقبال كبير من الجمهور حيث كان ضيف الكرنفال في ذلك اليوم هو الفنان جـــو مؤسس فرقة شوية فن التي تأسست في عام 2010 ، حيث أشتعل المسرح بالصياح و التصفيق الحار علي وقع اغاني الفرقة و قام أعضاء فريق شمعة و ملاحة بالصعود مع الفنان "جــو" علي المسرح و الرقص بجانبه، في أمسية فنية رائعة كانت تمهيد جيد جداً لثاني أيام عرض التجربة المسرحية، بينما اشتملت الايام الباقية علي عروض للمايم مثل المصارع من اخراج وليد الزرقاني و عروض للفنان محمد سامي و أفلام قصيرة للمخرجة هبة عبد الباقي و المخرجة ثريا سليم و المخرج عمرو فؤاد و غيرهم.
 
عن التجربة المسرحية "فانطازيا" :
جاء عرض فانطازيا مختلفاً تماماً عن كل ما قدم فريق شمعة و ملاحة في السابق، فمثلاً التجربة المسرحية  "أتلانتس" كانت رؤية صادقة لما بداخل النفس من صراع حول وجود الله و قدمت بعض الحلول لعلاج مشكلة الالحاد التي أخذت في التزايد مؤخراً، بينما جاءت تجربة "البساتين" عن النص الياباني "راشمون" بنظرة فلسفية عميقة حول الحقيقة و نسبيتها... 
 
فيما جاءت فانطازيا كمجموعة من اللوحات المنفصلة و المتصلة أيضاً في ذات السياق، أشتملت علي مجموعة من الاستعراضات من تصميم الفنانة أيريني سمير، تتماهي و سيناريو محبوك بشكل جيد من تأليف مفيد منير و مايكل تادرس، فخرج الينا العرض بشكل يغلب عليه طابع الكوميديا المريرة مما يحدث في الشارع المصري!
 
بدأ العرض بلوحة غنائية علي انغام الأغنية القديمة "يا صحبجية... ايه يالالالي" بأختلاف الكلمات و التي تم نظمها بشكل عبقري لتعبر عن معاناه المصريين في الأونة الاخيرة، تبعها لوحتان يمثلان عكس ما يحدث في الشارع تماما بشكل هزلي، ثم أخذ الموضوع بدء من اللوحة الرابعة للعرض سياقاً مختلفاً اثناء معالجة مشاكل مثل التعليم و تدني مستوي الفنون و الهجرة الغير شرعية و غيرها.. حيث أصبح الحوار أكثر مباشرة!
 
من اكثر اللوحات التي أثارت اعجاب الجمهور هي تلك اللوحة الخاصة بـ مريم طالبه الثانوية العامة و هي الطالبة الشهيرة التي حصلت علي (صفر) في جميع المواد حيث أثني الجمهور علي جرأة الفريق في أثارة مثل ذلك الموضوع المثير للجدل، و علي روعة اداء الفنانة "تسبيح" التي قدمت ذلك الدور ببراعة. 
 
جاء العرض بلا موسيقي و هذا  – في رأيي – أحد الاخفاقات في العرض، رغم انه تم استبدالها بـ Vocal و Humming قام به مايكل تادرس و ديفيد صلاح مع الات ايقاع هي الكاخون و الدف فقط من عزف أحمد قطب و تسبيح، وهذا غير كافِ، كما كانت الاغاني جميعها باصوات اعضاء الفريق فقط!
و بسؤال المخرج مايكل تادرس عن مقصدة من ذلك أجاب قائلا: ".. كان من السهل جداً ألاستعانة بملفات موسيقي يتم تشغيلها من الكنترول، ألا انني قصدت فعلياً إثبات انه يمكن للممثل وحدة انتاج عرضاً كاملاً، و هذا يتماشي ايضاً مع فلسفة المسرح الفقير و هو أحد انواع المدارس المسرحية التي أسسها البولندي غروتوفسكي"
 
العرض جيد فنياً الي حد كبير رغم فقر الامكانيات الواضح، حيث تألق العديد من نجوم العرض علي خشبة المسرح، منهم محمد كامل (تيكو) و الذي سيكون يوماً ما أحد نجوم الشباك لما يملك من امكانيات عالية جداً، كما تألق ايضاً الممثل السوري احمد عنتبلي في دور "السلطان" ، بينما جاءت ماريان سامي و ناريمان عبدون و هبة أمام في عدد من اللوحات بشكل ينم عن طاقات و امكانيات داخلية عالية و لكن في حاجة الي التوظيف بشكل أكبر، و جاءتا ماري جرجس و سمر القاضي بشكل هو ألاروع علي الاطلاق في تلقائيتهما.
 
فكرة الكرنفال تستحق الاشادة و رفع شعار "المجد للمستقلين" الذين لا ينتظرون دعماً من أحد لتقديم أبداعهم!
 
أتمني ان نجد ذات يومِ عرضاً لفريق شمعة و ملاحة علي أحد المسارح الكبري بالدولة لأنهم صدقاً و بشهادة جميع الحضور – و منهم المتخصصين – يستحقون.