الأب أثناسيوس حنين -اليونان
تحضرنى واقعة لها دلالتها في هذه العجالة. في أحد زيارات نيافة الانبا بيشوى  لأثينا ’ أردت أن أرفه عنه وسط متاعب الخدمة وتعدد المسئؤليات ’ فأخذته الى المتحف البيزنطى في أثينا .وبعد جولة قصيرة دخلنا صالة كبيرة تحتوى على تماثيل عارية تماما . هنا أرتعب المطران ووبخنى توبيخا شديدا وخرج مهرولا وخرجت ورائه. ما صلة هذه الواقعة بموضوعنا (الاصول الاوربية لنظرية البدلية العقابية وأثرها على الشرق المسيحى). نجحت الحداثة الأوربية في العصور الوسطى في أن تفصل المجتمع عن الدين ’ والدين عن الدولة والمقدس عن العلمانى والجسد عن الروح ’ نيافة المطران الشرقى لم يرى الجسد كمطرح سجود بالروح . ولقد أمتد هذا الفصل ’ في الغرب ’ الى كل مناحى الحياة . وصارت الديانة قضية فردية  وأختبار فردى وأختيار شخصى يتعلق باخلاق فردية .لم تعد الديانة لها علاقة بالضمير الجمعى .اذا العلاقة كبيرة اذ حصر المطران البعد الاجتماعى والتاريخى والكنسى للجسد في شكله العارى والفردى وهكذا فعل الشرقيون . لم تستطع الحداثة  أن تعبر من الشكل الى المضمون ومن الفرد الى الجماعة ومن الجسد العارى الى ثوب الروح القدس ومن الأن الى الأمس والتاريخ ومن الناسوت الى اللاهوت ! سلوك سيدنا المطران ’ وبالتالي معظم اللاهوتيين وخدام الانجيل الشرقيين ’ له جذوره في لاهوت العصور الوسطى الغربية . حينما سادت الحداثة وتم فصل الدين عن المجتمع والكنيسة عن الدولة والمقدس عن الدنيوى والجسد عن الروح وأنتهى الى عزل حقوق الانسان عن حقوق الله. لقد أخرجت الحداثة الله من باب العالم ’وجاء لاهوت العصر الوسيط ليدخله من الشباك !. تصدى اللاهوتيون الغربيين وقتها لسد الفراغ الذى سببه طرد الله من العالم ورؤية الانسان وجسده كتمثال ميت !وأثار قديمة  كما رأه الاسقف المصرى. هذا الفراغ الذى أله الفردية والحقوق الفردية وهمش الجماعة والشركة وحقوق الروح في الجماعة ودور شعب الله في عملية الفداء ’ بل ونظر الى الجسد نظرة فردية عازلا أياه عن شركة الجماعة "راجع الدعاية الاستهلاكية السائدة للجنس ورفاهيته وسعادته وبقائه" ! لا تعرف الحداثة أن البقاء هو لله المتجسد في الانسان الجديد في شركة وليس للفرد العريان في عزلة. صار الخلاص الفردى هو الرد على موجة الحداثة. تزعم هذه الحركة اللاهوتية أنسيلمس اسقف كانتربرى ومن ساروا على نهجهم شرقا وغربا . هنا تم تقنين لاهوت الفرد ! وتهميش لاهوت الجماعة .تم تأليه الشكر الفردى والصلاة الفردية والغفران الفردى والنعمة الفردية والديليفرى بلا تعب وبلا عرق وبلا سهر وبلا قرأة  !!.بل و تم تسخير قرأة  النصوص الألهية وشرحها وتفسيرها للنزعة الفردية وهذا يفسر برج بابل الكتابى والسبى البابلى اللاهوتى  الذى يسيطر على الساحة المسيحية  .أختفى دور شعب الله من تاريخ تفسير الكلام الألهى .من هنا كان لابد من تنظير لاهوتى سريع للقضية ! هنا ظهرت نظرية (البدلية العقابية) كحل فردى لمواكبة موجة الحداثة التي ألهت الفردية وحقوق الفرد أو ما يسمى حقوق الانسان ! وما يتبعها من سلوك فردى ومسئولية فردية وذنب فردى وخطيئة فردية ضد أله فرد ! البدلية العقابية في جوهرها  هى أن صار الله صار فردا يسترضى نفسه ويقتص لكرامته ويغضب وينتقم من ابنه . اله انسيلم وقع فى ورطة كبيرة وكان عليه هو أن يجد لها حلا بالانتقام من ابنه على الصليب ! والناس يتفرجون ومنهم من يصفق مع الفريسيين ومنهم من يبكى مع المريمات .اله انسيلم ليس أب يجمع أولاده وينتظر عودتهم من الكورة البعيدة ليفرح البيت كله بالعودة الكبرى .صار الوعظ المسيحى واجبات وأوامر ونواهى فردية وليس دعوة للشركة في مجتمع الله الجديد  صار الممنوع هو الدستور وليس القبول . ما لابد أن يفعل الفرد من واجبات ناموسية ثقيلة وليس ما يجب أن يقبل من نعم وعطايا وسط الجماعة . أختفت المعارف اللاهوتية ’ حتى عن الفاهمين ’ الى أن تصير عبارة عن جمل محفوظة وفردية بلا مردود اجتماعى وبلا معنى لاهوتى وبلا أثر على مسيرة تاريخ الحياة الدنيا ومسيرة شعب الله .صار الخطاب  المسيحى عبارة عن لاهوت دفاعى مذعور أمام الحداثة والتطور والعقل .صار الوعظ المسيحى عبارة عن جهاز تسجيل ممل ومشروخ وليس كيان جديد يتجدد كل يوم حسب صورة الأب خالقه  والأبن فادية والروح القدس  . صار الحديث في شركة الثالوث وثالوث الشركة عبئا ثقيلا وترفا فكريا وفذلكة بيزنطية ووجع راس ! غابت العفوية عن شركة الافخارستيا وصارت القدسات لقدسيين مجهولين لا يمتوا بصلة للمؤمنين الحاضرين القداس !. تيتم أولاد الله وسط بيت أبوهم السماوى . فقدوا دالة البنوة وصارت الحاجة ماسة الى وسيط ولاوى مهما كانت درجة جهله بتراث الأباء ومداخل ومخارج حياة الشركة وخبرات الابوة الروحية الولادة . صارت الحياة الأبدية هي مدة زمنية غير محدودة وفارغة من أي معنى أنئ "أي الأن "  ووجودى وحياتى .

صرنا لا نخرج من الافخارستيا مثل الأسود للشهادة بل مثل النعاج  الدايخة والذاهبة الى الذبح الغير الطوعى والراجعة الى سخرة هموم الحياة بقرف وزهق . صارت مخادعنا ’ بفضل الخطاب المسيحى الساقط ’ نجاسة وأجساد ميتة ذات أعضاء منتصبة ! مثل تماثيل المتحف البيزنطى التي أصابت المطران القبطى بالرعب ’ وصار السرير  مكان الخجل وليس مذبحا  مقدسا !صارت الكنيسة مؤسسة  وليست شركة الحياة المليئة بالحياة والتي تصب الحياة في تاريخ الناس شركة الحياة الأفخارستية التي تفدى العالم ’اذا في الافخارستيا يتم أستعلان الملكوت حينما يصرخ الكاهن في ليتورجية الذهبى الفم (مباركة هي مملكة الأب والأبن والروح القدس الأن وكل أوان والى دهر الدهور ).يبدوا أن بين الشرق والغرب هوة روحية ولاهوتية وثقافية عميقة !وعلى المعنيين بخلاص النفوس ونهضتها ’ في هذا الشرق ’ وتقديسها وشركتها وتألهها في اللاهوت وحضورها في قضايا الانسان المصيرية والمعاصرة ’ عليهم نكرر ’ مراعاة فروق التوقيت.