د.ماجد عزت إسرائيل 

 مدينة أورشليم  تعني بالعبرية (أساس السلام)، وقيل إن إبراهيم الخليل سماها (مدينة السلام) ومن ملوكها (ملكيصادق)، وهو أول من اختطها وبناها، كما أطلق عليها أورشليم و(أريئيل)، وأريئيل معناها (موقد الله)، ومن ثم سميت أورشليم (مدينة الله)، أو مدينة الرب، كما سميت "مدينة القدس" ثم "المدينة المقدسة"، وأيضًا سميت (مدينة العدل) أو( الحق). وعند عامة المسيحيين مدينة الملك السماوي يسوع المسيح. 
 
   في كل عام نتذكر مدينة أورشليم القدس وتوابعها وأحداثها زمن يسوع المسيح نعيش معها ومضات الحزن والفرح على الرغم من مرور أكثر من عشرين قرنًا من الزمان. فما بين بكاء مَرْيَمَ وَمَرْثَا على أخيها لِعَازَرُ- سبت العازر-  الذي مات وأنتن  وحزن عليه الجميع "وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ قَدْ جَاءُوا إِلَى مَرْثَا وَمَرْيَمَ لِيُعَزُّوهُمَا عَنْ أَخِيهِمَا." (يو 11: 19). وبين لحظات الفرح بقيامته على يد يسوع عندما قَالَ: «ارْفَعُوا الْحَجَرَ!». قَالَتْ لَهُ مَرْثَا، أُخْتُ الْمَيْتِ: «يَا سَيِّدُ، قَدْ أَنْتَنَ لأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ»." (يو 11: 39). قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ اللهِ؟». فَرَفَعُوا الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ مَوْضُوعًا، وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي». وَلَمَّا قَالَ هذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!» فَخَرَجَ الْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاَهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيل. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ». فَكَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى مَرْيَمَ، وَنَظَرُوا مَا فَعَلَ يَسُوعُ، آمَنُوا بِهِ. إنجيل يوحنا 11 : 40-45). 
 
   وفي مشهد آخر لمدينة أورشليم يجمع ما بين ومضات الحزن والفرح يوم دخول السيد المسيح للمدينة ويعرف بـــ (أحد الزعف) أو السباسب أو عيد الشعانين، وهو يوم دخول السيد المسيح أورشليم لآخر مرة ليشارك في عيد الفصح اليهودي، وكان مدركاً اقتراب ساعة آلامه وموته. وكان أعلن يسوع قائلاً: "بَلْ يَنْبَغِي أَنْ أَسِيرَ الْيَوْمَ وَغَدًا وَمَا يَلِيهِ، لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَهْلِكَ نَبِيٌّ خَارِجًا عَنْ أُورُشَلِيمَ!" (لو 13: 33).لأنها العاصمة الدينية والسياسية للشعب اليهودي، ولأن فيها قُتل جميع الأنبياء. وقد بكي يسوع عليها:" وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا قَائِلًا: «إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ! وَلكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ. فَإِنَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلاَ يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ، لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ»(19: 41-44). نبوءة السيد المسيح عن هذه المدينة لأنه عرفها جيداً، احبها وغار عليها، "انذرها"علنا، وبكى عليها، قبل ان يصلب فيها ويقوم من بين الأموات. خاطبها: "«يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا! هوذا بيتكم يترك لكم خرابا. لأني أقول لكم: إنكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا: مبارك الآتي باسم الرب " (مت 23: 39).
 
 على أية حال، خلافاً لكل المرات، لم يمنع الشعب من إعلان السيد المسيح ملكاً،وارتضى دخول أورشليم بالهتاف من الشعب والأطفال كما دون لنا القديس متى ومضات الفرح قائلاً: "وَالْجُمُوعُ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا وَالَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرَخُونَ قَائِلِينَ: «أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!»." (مت 21: 9).دخل يسوع أورشليم ليموت فيها ملكاً فادياً البشر أجمعين، وليقوم من بين الأموات ملكاً إلى الأبد من أجل بعث الحياة من جديد. هذا يعني أنه أسلم نفسه للموت بإرادته الحرّة "وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ." (في 2: 8).إن دخول المسيح أورشليم كانت تتمة لإحدى نبوات العهد القديم الواردة في سفر زكريا حيث ذكر قائلاً: "اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ.هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ." (زك 9: 9). تبعته الجموع لأغراض كثيرة متعددة، أما لرؤيته أو لتعاليمه أو لقدرته على شفاء الأمراض أو إقامة الموتى. أو لكونه الملك الأرضي المنتظر الذي يخلصهم من طغيان الرومان وينصر بني جنسه، ولكن خاب ظن هؤلاء عندما أَجَابَ يَسُوعُ: «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا»." (يو 18: 36).