ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية، من رجل مسن غير قادر على الصيام، قائلًا إنه يعمل بائعًا في محل بالأجرة اليومية، ونصحه الأطباء بعدم الصيام لتضرر صحته بذلك، وكان يخرج فدية كل عام، ولكن مع انتشار الفيروس التاجي، قل الدخل المادي الخاص به وأصبح من الصعب إخراج فدية بعدد أيام الشهر، فهل يجب عليه إخراجها رغم تعثر الحالة المادية؟.

 
رد الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، على هذا السؤال، موضحًا أن الفقهاء اختلفوا في لزوم الفدية على الشيخ الهرم والمرأة العجوز إذا لم يستطيعا الصوم؛ فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة وأحد القولين عند الشافعية إلى وجوب الفدية عليهما، وذهب المالكية إلى استحبابها.
 
واستشهد بقول العلامة الكاساني الذي قال في "بدائع الصنائع" "وكذا كبر السن حتى يباح للشيخ الفاني أن يفطر في شهر رمضان؛ لأنه عاجز عن الصوم، وعليه الفدية عند عامة العلماء. وقال مالك: لا فدية عليه" اهـ- (2/ 97، ط. دار الكتب العلمية).
 
كما استشهد مفتي الجمهورية بقول العلامة ابن أبي العز الحنفي في "التنبيه": "لا خلاف في إباحة الإفطار للشيخ والعجوز العاجزين عن الصوم، ولكن اختلف أهل العلم في وجوب الفدية عليهما بالإطعام عن كل يوم مسكينًا، فرُوي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما وجوب الفدية، وهو مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما، ومذهب مالك وغيره -وهو أحد قولي الشافعي- عدم وجود الفدية، واختاره ابن المنذر والطحاوي وغيرهما"- (2/ 932-933، ط. مكتبة الرشد).
 
وأشار إلى أن السروجي قال إن أصحابنا أوجبوا الفدية على الشيخ الهرم الذي لا يستطيع الصوم أصلًا، فمن لا يجب عليه الصوم أصلًا كيف يكون له بدل؟! وأقوى من هذا أن المسافر أُبيح له الفطر مع القدرة على الصوم للمشقَّة، فلو مات على حاله لا يجب عليه الفدية، والذي لا قدرةَ له على الصوم أصلًا أولى بعدم وجوب الفدية، فهذا واضحٌ كما ترى.
 
وقال إن المالكية ذهبوا إلى أن الشيخ الهرم الذي لا يقدر على الصيام يندب له إخراج الفدية ولا تجب عليه، متشهدًا بقول العلامة ابن أبي زيد القيراوني في "النوادر والزيادات" (2/ 33، ط. دار الغرب الإسلامي): "ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهب: والحامل، والمرضع، والشيخ الفاني، والمستعطش، كالمريض لا إطعام عليهم واجبًا".
 
وأضاف أنه بناءً على ذلك، فأنه إذا كان انتشار فيروس كورونا قد تسبب في تعذر الحالة المادية، وذلك بسبب تقليل وقت العمل، وفرض حظر جزئي على وقت فتح المحلات التجارية وعلى حركة الناس أيضًا، كإجراء وقائي للحد من زيادة تفشي وانتشار الفيروس، مما كان له أثر واضح على أصحاب الأعمال ذات الأجر اليومي ممن يكتسبون قوت يومهم قدر عملهم في اليوم والليلة، وتعسر في ظل هذه الظروف أن يغطي المسلم حاجته اليومية من مأكل ومشرب وعلاج وغير ذلك، ويخرج مع كل هذا ما وجب عليه من فدية الصيام لكونه غير مطالب به لكبر سن أو مرض دائم، فإن جميع الأحكام الشرعية إنما أُنيطت بالاستطاعة، فمن عجز عنها لم يكن مكلفًا بها؛ قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].
 
وأكد أن القول بوجوب الفدية إنما هو في حالة تيسير إخراجها، فإذا لم يتيسر إخراجها لفقر أو إعسار سقطت عنه ولا تلزمه في الأولى وعليه أن يستغفرَ الله تعالى، وعلى ذلك نص الفقهاء.
 
وتابع: إذا كان المسلم كبيرًا في السن بحيث لا يقوى على الصيام، أو تلحقه به مشقةٌ شديدة أو تضرر وقد نصحه الطبيب بعدم الصوم، وكان مع ذلك متعذرًا ماديًّا بسبب ما تمر به البلاد من انتشار فيروس كورونا وتعطل حركة العمل، وبالأخص فيما يخص من يكتسبون أجرهم باليوم والليلة، فكان إخراج الفدية مما يتعسر عليه، أو عبئًا زائدًا على حاجته الأساسية، فإنها تسقط في حقه حينئذ ولا يلزمه إخراجها؛ لأنها إنما وجبت على القادر المتيسر لا على العاجز المتعسر.
 
جدير بالذكر، أن الصائم يمكنه طلب فتوى خاصة من دار الإفتاء عبر موقعها الرسمي، وذلك من خلال كتابة السؤال وإدخال السن والبريد الإلكتروني، بعد الدخول على هذا الرابط
 
اضغط هنا