كتب – روماني صبري
لطالما دافع القس والزعيم الأمريكي ذو الأصول الإفريقية، مارتن لوثر كينج الابن، عن حقوق الإنسان، وكان الرجل من ابرز المطالبين بإنهاء التمييز العنصري ضد السود الأمريكيين عام 1964، يشتهر أيضا بالناشط السياسي الإنساني، لذلك حصل على جائزة نوبل للسلام، وكان أصغر من يحوز عليها، بات كينج من أهم الشخصيات التي ناضلت في سبيل الحرية وحقوق الإنسان، وهو مؤسس زعامة المسيحية الجنوبية، وهي حركة هدفت إلى الحصول على الحقوق المدنية للأفارقة الأمريكيين في المساواة، وراح ضحية قضيته، ناهض العنف بكل أنواعه، وكان بنفسه خير مثال لرفاقه وللكثيرين ممن تورطوا في صراع السود من خلال صبره ولطفه وحكمته وتحفظه حتى أنهم لم يؤيده قادة السود الحربيين، وراحوا يتحدونه عام 1965، نفذ في عام 1959 زيارة للهند، وعبر عن اعتقاده الكامل بأيديولوجية السلام عند نهرو غاندي، وناهض أيضا سياسة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، منحته الحكومة الهندية عام 1966م جائزة نيهرو بعد وفاته للسلام الدولي.

لماذا ينبذني البيض ؟!
ولد كينج في 15 يناير عام 1929، في أتلانتاـ جورجيا، باسم مايكل كينج جونيور، وهو الابن الثاني من ثلاثة أولاد للقس مايكل كينج الأب وألبرتا كينج، أسمته والدته مايكل وقد كتب اسمه الطبيب في شهادة الميلاد على هذا الأساس، على الرغم من ذلك، صرح كينج الأب لاحقا أن اسم مايكل كان خطأ من قبل الطبيب، أخت كينج الكبرى هي كريستين كينج فاريس وشقيقه الأصغر هو أ. د. كينغ.  

ذهب جد كينج من طرف أمه آدم دانييل ويليامز، الذي كان كاهنًا في ريف جورجيا، إلى أتلانتا عام 1893، وأصبح راعي كنيسة إبنيزر المعمدانية في العام التالي.

أبصر الطفل كينج في مدينة أتلانتا، أبشع مظاهر التفرقة العنصرية، وكان يغلبه البكاء، حينما يقف عاجزا عن تفسير لماذا ينبذه أقرانه البيض، ولماذا كانت الأمهات تمنعن أبناءهن عن اللعب معه، ولكن الصبي بدأ يفهم الحياة، ويعرف سبب هذه التصرفات، ومع ذلك كان دائما يتذكر قول أمه "لا تدع هذا يؤثر عليك بل لا تدع هذا يجعلك تشعر أنك أقل من البيض فأنت لا تقل عن أي شخص آخر".

أريد أن أكون مثل يسوع
حين بلغ الخامسة من عمره، حفظ أغانٍ وتراتيل، وحفظ آيات من الكتاب المقدس، على مدار العام التالي، كان يشارك أمه الحضور إلى الكنيسة وغناء التراتيل بينما كانت هي تعزف على البيانو، كانت ترنيمته المفضلة هي "أريد أن أكون أكثر وأكثر مثل يسوع"، وقد كان الجميع متأثرين بغنائه لها، أصبح كينج في وقت لاحق عضوًا في جوقة الصغار في كنيسته، أحب الأوبرا والعزف على البيانو، خلال نشأته، كون كينج مفردات كثيرة من قراءة القواميس واستخدم معجمه المتوسع باستمرار، دخل في مشاجرات جسدية مع الأولاد في الحي الذي يقيم فيه، لكنه كان يستخدم الكلام في أكثر من الأوقات لإثارة المشاكل، أظهر كينج عدم اهتمامه بقواعد اللغة، وهي سمة حملها طوال حياته، عام 1939، غنى كعضو في جوقة كنيسته مرتديا زي العبيد، لجمهور أبيض البشرة في العرض الأول لفيلم "ذهب مع الريح".

انقضت السنوات، وارتاد كينج المدارس العامة في سنة 1935، ومنها إلى مدرسة المعمل الخاص بجامعة أتلانتا ثم التحق بمدرسة "بوكر واشنطن"، وكان تفوقه على أقرانه سببا لالتحاقه بالجامعة في آخر عام 1942، حيث درس بكلية مورهاوس التي ساعدت على توسيع إدراكه لثنايا نفسه والخدمة التي يستطيع أداءها للعالم، وفي سنة 1947 تم تعيينه مساعدا في كنيسة أبيه، وصار قس معمداني، ثم حصل على درجة البكالوريوس في الآداب في سنة 1948، ولم يكن عمره تجاوز 19 عاما، وحينها التقى بفتاة سوداء تدعى "كوريتاسكوت"، وتم زفافهما عام 1953، ثم حصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة بوسطن.

لن اكرهه شخص بعينه بعد اليوم

شهدت فترة الجامعة، تغير موقفه تجاه البيض، وركز غضبه على الظلم بدل كراهية شخص بعينه، حدث ذلك عندما قرأ كتابات ثورو وغاندي، حيث تعرف على فكرة العصيان المدني كسلاح من أجل التغيير، وكذلك فكرة المقاومة السلبية السليمة، وهكذا بدأ يقول إن الحب يمنح قوة داخلية، فقد هزت حياة غاندي وطريقته كينج في الأعماق.

أعطونا حق الانتخاب

بات كينج عام 1957 ، أصغر شخص وأول قسيس يحصل على ميدالية "سينجارن" التي تعطى سنويا للشخص الذي يقدم مساهمات فعالة في مواجهة العلاقات العنصرية، وكان في السابعة والعشرين من عمره، وبهذه المناسبة وأمام نصب لنكولن التذكاري وجه كينج خطابه الذي هاجم فيه الحزبين السياسيين الرئيسيين (الجمهوري والديمقراطي) وردد صيحته الشهيرة: "أعطونا حق الانتخاب"، ونجحت مساعيه في تسجيل خمسة ملايين من الأمريكان ذو الأصول الأفريقية في سجلات الناخبين في الجنوب.

استشهد بمحبة المسيح
تم اختياره، لخدمة الكنيسة المعمدانية في شارع ديكستر، وكانت بداية طيبة له ليصل إلى منصب الأستاذ في كلّية اللاهوت، لكن جاءت حوادث ديسمبر سنة 1955م، كانت الأوضاع تنذر برد فعل عنيف يمكن أن يفجر أنهار الدماء لولا أنّ مارتن لوثر كينج اختار للمقاومة طريقا آخر غير الدم، فنادى بمقاومة تعتمد على مبدأ "اللا عنف" أو "المقاومة السلمية" على طريقة المناضل الهندي مهاتما غاندي، وكان يستشهد دائماً بقول السيد المسيح"أحب أعداءك واطلب الرحمة لمن يلعنوك، وادع الله لأولئك الذين يسيئون معاملتك".

وكانت حملته إيذانا ببدء حقبة جديدة في حياة الأمريكان ذو الأصول الأفريقية، فكان النداء بمقاطعة شركة الحافلات امتدت عاما كاملاً أثر كثيراً على إيراداتها، حيث كان الأفارقة يمثلون 70 % من ركاب خطوطها، ومن ثم من دخلها السنوي، لم يكن هناك ما يدين مارتن فألقي القبض عليه بتهمة قيادة سيارته بسرعة 30 ميلاً في الساعة في منطقة أقصى سرعة فيها 25 ميلاً، وألقي به في زنزانة مع مجموعة من السكارى واللصوص والقتلة، كان هذا أول اعتقال لمارتن لوثر كينج أثر فيه بشكل بالغ العمق، حيث شاهد وعانى بنفسه من أوضاع غير إنسانية، إلى أن أُفرج عنه بالضمان الشخصي، وبعدها بأربعة أيام فقط وفي 30 يناير 1956م، كان مارتن يخطب في أنصاره حين ألقيت قنبلة على منزله كاد يفقد بسببها زوجته وابنه، وحين وصل إلى منزله وجد جمعا غاضبا من الأفارقة مسلحين على استعداد للانتقام، وأصبحت مونتجمري على حافة الانفجار من الغضب، ساعتها وقف كينج يخاطب أنصاره: "دعوا الذعر جانبا، ولا تفعلوا شيئا يمليه عليكم شعور الذعر، إننا لا ندعو إلى العنف".

وبعد أيام من الحادث أُلقي القبض عليه ومعه مجموعة من القادة البارزين بتهمة الاشتراك في مؤامرة لإعاقة العمل دون سبب قانوني بسبب المقاطعة، واستمر الاعتقال إلى أن قامت 4 من السيدات من ذوى أصول افريقية بتقديم طلب إلى المحكمة الاتحادية لإلغاء التفرقة في الحافلات في مونتغمري، وأصدرت المحكمة حكمها التاريخي الذي ينص على عدم قانونية هذه التفرقة العنصرية، وساعتها فقط طلب كينج من أتباعه أن ينهوا المقاطعة ويعودوا إلى استخدام الحافلات " بتواضع ودون خيلاء"، وأفرج عنه لذلك، بعد شهر من ذلك، نُسف منزل كينج بالديناميت على أيدي البيض، وهنا شكل كينج مؤتمر القيادة المسيحي الجنوبي لنشر الأسلوب الذي اتبعه سود مونتغمري إلى كل أنحاء الجنوب، سجن كينغ عام 1960م، مثل غاندي تماماً، بسبب حملات الاحتجاج السلمية ضد التمييز العنصري، وبدأ يطالب الحكومة الفيدرالية باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد الظلم.

خطط كينج عام 1968 لمسيرة جماهيرية في واشنطن، وعندما أراد ركوب الطائرة من مطار أتلانتا ، تلقّى مدير المطار إنذاراً بوجود قنبلة في الطائرة ، وقام رجال الأمن بالتفتيش ، لكنهم لم يعثروا على أية قنبلة، ومرة أخرى ، خطط لمسيرة في مدينة ممفيس ، وأقام كينغ في الغرفة من موتيل لوريان.

رجل العام
شهد عام 1964م صدور قانون الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي العام نفسه أطلقت مجلة "تايم" على كينج لقب "رجل العام" فكان أول رجل من أصل أفريقي يمُنح هذا اللقب، ثم حصل في عام 1964 على جائزة نوبل للسلام لدعوته إلى اللاعنف ، وسهل الأمر أنه قسيس ، فكان بذلك أصغر رجل في التاريخ يفوز بهذه الجائزة -35 عاما-، ولم يتوقف عن مناقشة قضايا السود وعمل على الدعوة إلى إعادة توزيع الدخول بشكل عادل إذ انتشرت البطالة بين الأفارقة، فضلا عن الهزيمة السنوية التي يلقاها الأفارقة على أيدي محصلي الضرائب والهزيمة الشهرية على أيدي شركة التمويل والهزيمة الأسبوعية على أيدي الجزار والخباز، ثم الهزائم اليومية التي تتمثل في الحوائط المنهارة والأدوات الصحية الفاسدة والجرذان والحشرات.

اغتياله
قتله شخص يدعى "جيمس ارل راي"، من المتعصبين البيض عام 1968، ببندقية حيث فنجر حنجرته، جاءت سيارة الإسعاف لإنقاذه ، فيما هرب جيمس تاركا حزمة ملفوفة في الممر ، وكانت الحزمة تحتوي البندقية وصندوق طلقات وأشياء أخرى ، وبين تلك الأشياء البطاقة الشخصية ، أما البصمات فكانت موجودة على كل تلك الأشياء، اُغتيلت أحلام مارتن لوثر كينج ببندقية راي، وكان قبل موته يتأهب لقيادة مسيرة في ممفيس لتأييد إضراب (جامعي النفايات) الذي كاد يتفجر في مائة مدينة أمريكية، ويرى كثيرون أن رسالة كينج، تحققت وأن التفرقة العنصرية قد انتهت في اليوم الذي فاز فيه باراك اوباما بالانتخابات الرئاسية في 20 يناير عام 2009.