محمد حسين يونس
كان من الممكن أن تأخذ الامور مسارا أخر أكثر إيجابية لو أن المنطق الذى بدأ مع إبن رشد و إستمر حتي نصر حامد .. عن إعمال العقل في النص قد إستكمل و لكن كان لإبن حنبل والغزالي و إبن تيمية الغلبة ..التي جعلت من أقوال السلف تابوهات لا يقترب منها المنطق أو الفلسفة مهما تعدلت الظروف وتغير الزمن .

أفكار السلفيين ..هذه.. أصبحت تراثا و إسلوبا تعليميا عاش معنا في أروقة الازهر يتغذى بها الدعاة حتي القرن التاسع عشر .. عندما بدأ الخطاب يتأثر تدريجيا بالفلسفة الغربية و يتجدد  بعد حكم  (محمد علي) من خلال بعض الأزهريين  مثل عمر مكرم ومحمد عبدة و الأفغاني وعلي عبد الرازق و طه حسين و خالد محمد خالد .

ثم عادت .. نفس الأفكار السلفية.. للظهور بقوة مع فقة ألاخوان المسلمين و مخططاتهم لإغتيال القضاة و السياسين و إشاعة الذعر بين المخالفين ..
كتب أحد الاصدقاء (( يوم 6 يناير 1952 تم قتل أكثر من 20 مسيحى و حرق مجموعه من الكنائس، و هذا كان الحادث الأبرز بعد مجموعة من الحوادث المماثله، مما دعي احد رهبان الكنيسه (البابا شنودة فيما بعد) أن يكتب مقالا حادا عن هذا الموضوع و يتم الغاء الاحتفال بعيد الميلاد))
إنها نفس اليد التي عبثت بمصر بعد ذلك و حرقت القاهرة و حاولت فرض الوصاية علي الضباط المنقلبون ثم إمتلكت عقل وروح مصر في نهاية السبعينيات من القرن الماضي .

المصرى الذى لم يكن ملتزما بأداء الصلاة في موعدها أو صوم ما دون أيام شهر رمضان والذى كان يمتلك ضميرا حيا و إخلاصا و مروءة و علاقتة طيبة بجيرانه و لا يمل عن ترديد أن الدين المعاملة ..أصبحت لدية  بعد الغزوة الوهابية وساوس أن هناك من يريد أن يسلبه دينه و يقينه ..
لذلك تمادى في إظهار إنتماؤه بالمبالغة في تمثل حياة السلف الصالح و منها  الحرص علي صلاة الجماعة خمس مرات يوميا .. جنبا إلي جنب مع إحتلال ارض الغير و الاستيلاء علي ثروات (الكفار) كحق موثق لا جدال فيه .

وهكذا بدأ الامر مع المسيحيين بعد ظهور الرسومات الكاريكاتوريه المسيئة للمسلمين في بلاد الواق الواق ثم مع قانون ازدراء الاديان(الدين) ثم مع المادة الثانية من الدستور التي تنص علي أن الدولة مسلمة لتزيح المسيحي إلي مستوى (ذمي) (أقلية ) يحكم عليه مرة بالمصاطب وأخرى بالمحاكم .. مرة بالشريعة و أخرى بالقانون لنفس الحدث ..

ما سبب هذا الضيم الذى لحق ببعض أقباط مصر .. وعدم المساواة التى شملت الأغلبية منهم  ..  سنستانف إستعارة بعض الخطابات التي ساهم بها الأصدقاء  في هذا الحديث و تعرض وجهات نظر مختلفة عسي أن نفهم .
برأى أحدهم و هو قبطي مسيحي أثق في رجاحة عقلة و نزاهة مقصده .

(( تحياتي استاذي العزيز بما ان الاستاذ .. و الاستاذ .. تكلما عن احوال الاقباط فانا لي رأي لا يرضي اي من الطرفين
و هو ان الاقباط ايضا يتخذون السلفية القبطية منهجا و يبحثون عن الحل دائما عند الكنيسة و افعال وكلام الاوليين .. و ليس في القانون و الاسلوب الدنيوي
افهم ان المسيحية تدعو للإهتمام بالحياة  علي الارض و أنه ذكر في الإنجيل  ((اعطوا ما لقيصر لقيصر و ما لله لله)) فلماذا نلجاء للكنيسة لتحل مشكلتنا مع قيصر
اذا عدنا للتاريخ الحقيقي ..و ليس ما هو متعارف عليه كتاريخ..  سنجد ان الكنيسة و تصالحها المتكرر مع السلطة اصابت المسيحيين بالقهر علي مر العصور و اضرتهم اكثر مما نفعتهم

فمثلا الانبا بنيامين ( اعتقد هذا هو اسمه ان لم تخني الذاكرة) هو من عقد اتفاق الجزية و معاهدة عمرو ابن العاص في مقابل سلطانه علي الكنيسة المصرية
مع ملاحظة ان مصر لم تكن كلها مسيحيين و ليس كل المسيحيين اقباط ارثوذوكس فالانبا بنياميين و اتباعه كان يعتبر بقياسات ذلك الزمن خارجا عن الكنيسة الاولي و هذا ما ادي لانشقاق الكنيسة المسيحية
وقبل الانبا بنيامين بالاحتلال العربي واذلال الاقباط و امر الاقباط بالاستسلام بعد ان ظل الغزو غير قادر علي دخول مصر و اوشك علي التراجع من مقاومة الشعب له (سنتين ) بل امر ملك النوبة القادم علي رأس جيوشه من الجنوب بالعودة لانه صار صلحا.
نفس الشئ حدث بالاسكندرية مع اختلاف الاشخاص و ادي لمذابح و اذلال كما نعرف جميعا
ثم مع ثورة الدلتا حدث نفس الشئ بعد سنوات طويلة من الحرب حتي قدوم الخليفة اعتقد المأمون علي رأس جيوشه
ولم يمكن (المأمون) منهم .. الا تدخل الكنيسة التي طلبت من أتباعها الاستسلام مقابل السلام و قد ادي ذلك لمقتل مئة الف ( ثائر ) و اسر عشرات الالاف و بيعهم عبيدا و سبي الالاف ..

ومازال نفس السيناريو ساريا الي اليوم
عندما يحدث شئ يهرول الاقباط للكنيسة و تقوم الكنيسة بحكم فكرها بالموافقة علي الذل حفظا علي الارواح و تنتظر الحل من السماء
الن يفهم الاقباط ان الحل في ايديهم و ليس في يد الكنيسة الن يفهموا ان لي ذراع الكنيسة يؤدي للرضوخ
افهموا انكم الحل و لستم المشكلة نظموا انفسكم و كونوا كيانا سياسيا قويا قادرا تنظيميا وماليا للدفاع عن حقوق الاقباط و طالبوا بها..

قد لا تنجحوا في البداية ولكن ستصلون علي الاقل لافضل من نتائج الجلسات العرفية والي ان نصل لدولة المواطنة فإن الكنيسة لها الشأن الديني اما الدنيا فلقيصر
اسف علي الاطالة و التجرؤ علي تاريخ قد اكون غير مصيب فيه و لكن تكرار الشكوي بلا عمل يؤدي للملل .. الكنيسة ليست مؤهلة لما يطلب منها عمله بحكم فكرها الديني ... تطالبون بفصل الدين عن الدولة و متي حدث لكم شئ تتساءلون اين الكنيسة؟؟)).
وها هو صوت قبطي أخر
((الكنيسة القبطية هزمت الامبراطورية الرومانية وهى فى اوج قوتها وذلك من خلال رفضها الخضوع لمعبوداتها والتمسك بمسيحيتها .. اما كنيسة الانبا بنيامين ومن تلاه من بطاركه فقد تاجروا بعقيدتهم كى يكسبوا كرسى البطريركية .. فضاعت الدولة وضاعت قوة الكنيسة .. وهكذا استمر الحال منذ الاحتلال العربى لمصر ... وحتى الان .)).

زميل ثالث
((كلنا مضحوك علينا و مسروقين من الكهان و السماسرة و حكامنا الصامتين ..يا جماعة ..أصل الخناقة في الغالب إختلاف شريكين صديقين ..علي أمور تجارية إيه  إلحكاية  !!
روحوا شوفوا الصراع علي اللحوم و الفراخ و الارز و باقي الاصناف التي تبيعها عربات القوات المسلحة أو الجمعيات .. هل تفرق بين مسلم و قبطي في اللي واقفين
فلنطالب بالعدل عن طريق القانون .. إحشدوا رجال القانون مسلمين و مسيحيين .. وناضلوا من أجل العدل .. و نكسب مرة و نخسر مرات .. ولكن في النهاية .. سنكون مواطنين .. ولسنا طائفيين))
نختتم هذه الأحاديث بخطاب أحد الأصدقاء المسلمين .

((استاذي ..انت تبالغ في الحديث عن مسيحى مصر....هم اخواتنا وجيرانا.....ولكن ليسوا ملائكة او مستضعفين او لاحول لهم ولاقوة
ادخل الي مجتماعاتهم كمسلم تجد عندهم ايضا العنصرية والطبقية..وهذة طبيعة بشرية..
ثم انظر مثلا اين رجال الاعمال المنتمون للتيار الاسلامي؟...تجدهم في السجون ينكل بهم والامن يفترسونهم..
.واين رجل الاعمال المسيحي تجدة في القمة يستحوذ علي كل مشاريع البلد..

ادخل الي مبني النايل سيتي تشعر كأنك في كاتدرائية (رسومات وصور تحدد الهوية )وتفرض عليك التعامل بحظر
واذا كنت تعمل معهم (كمقاول باطن مثلا) يا ويلك اذا كان لك منافس مسيحي حيث ستجد الكيل بمكيالين
لن يسمح لك فريق الاشراف المسيحي ان تتقدم علي منافسك المسيحي.. بالاضافة الي اذلالك للحصول علي حقوقك ولن تحصل عليه كاملا.
استاذي ان جميع الاحداث التي تظهر المسيحي كمستضعف لها اسباب خفية هو طرف فيها..
.في احداث (سيدة الكرم) خرج المذنبون براءة لانهم لم يفعلوا ذلك ولكن ما خفي كان اعظم (علاقة اثمة بين مسيحي ومسلمة).
انظر الي الكنائس تجد اصغر كنيسة اكبر من اكبر مسجد.. ثم ادخل الي الكنيسة تجدها تحولت من دور عبادة صارم تمارس فيه الشعائر الي دور عبادة جاذب تمارس فيه العبادة والانشطة الرياضية والموسيقي والتعلم
وفي المقابل لا تستطيع انت كمسلم ان تمارس تحفيظ القران لابنائك في المساجد ..استاذي لقد مللنا من العزف علي اوتار السلفية والاخوان والاسلام السياسي..لقد ضاعت حقوقنا ونهبها اللصوص عندما اطلقوا هذة الفزاعات)).
 و هكذا وصلنا إلي أعلي درجة من سوء الفهم و التشظي ..بين مواطني مصر .بعد قرن من قيام ثورة 19 و توحيدها للهلال و الصليب تحت راية المواطنة .

ما حدث قد حدث .. و لكن المستقبل لازال إبنا للحاضر ..لذلك أطلب بالالتجاء للعقل و الاحتماء بالعدل ..
العقل في تحديد من هو العدو .. والعدل في تنقيه الاجواء التي تؤدى إلي قهر المخالفين.و إزالة التربص بين المواطنين علي خلفية دينية .
في كل يوم لنا قضية .. تهز مشاعرنا .. و تجعلنا ننفعل بعنف ..أو نحزن بشدة.. أوندافع بحماس عن الجانب الذى قد نراة صحيحا .
ثم وبمرور الوقت تخفت الاضواء و ننسي ما حدث إلا مع تداعي أحداث مشابهه .
زمان كانت ماتشات كرة القدم .. و المشاركات القارية و العالمية .. و النادى الذى ننتمي إليه ..

 ثم تطورت الامور لتصبح الفساد الذى يكافئة الحاكم بالنياشين و المناصب .. ثم عدم العدالة في توزيع المكافئات و الدخل ..
ثم تطور هذا للتهيج الديني و مظاهرة و لبس النقاب و الجلباب و الاشارات المحزنة لوضع المرأة في المجتمع مع فصل الجنسين.
ثم إنتهت الامور لصراع بين (الثوار ) و (الحكومة ) ثم بين الثوار اليسار و اليمين ثم بين الجميع و بتوع ( جايبين الخير لمصر )
ثم في زمن حكم مرسي تأييد حماس ومن علي شاكلتها ( و الحفاظ علي المعتدى و المعتدى علية )..و الحرص علي صلاوات الفجر و الجمع ..بمظاهرات أمنية و إعلامية ..  ثم الاقتتال و إغتيال جنودنا في سيناء .

 ثم الصراع بين (الجيش و الشعب إيد واحدة ) مع ( الشرعية ..الشرعية و عودة مرسي ) .. والخوف الذى يصل الي (بانيك ) من بتوع داعش .
.ثم إبراز كل قضايا التفتت بين الاقباط  بكافة وجهات نظرهم  و المتعصبين المسلمين ..

قصص لا تتوقف واحدة خلف الأخرى عن حجم إضطهاد الطلاب القبط .. و التجار القبط .. و المواطنين القبط .. والجنود القبط ..وقتل قسس القبط .

وأصبحنا لنجد يوميا قضية يمارس فيها الاعتداء الصارخ علي مواطنين مسالمين اقباط .. فتغلي دماؤنا .. و ندعو إلي الردع .. و تأكيد قبضة السلطة التي نصفها بالميوعة .. و الليونة و الهلامية و التعصب .. و الدولة غير محددة الملامح .. ونزعق طالبين حماية الريس.. و إنحيازه للجانب الضعيف .بعد الأمل الذى تمنحه  زيارة كل عيد.

كتب أحد الاصدقاء  تعليقا علي مقال الأمس (( مؤكد أن المثقف غير المؤدلج دينياً أو عنصرياً أو طائفياً ، هو اليوم أتعس الناس في مجتمع دول العالم الثالث ، التي أصبح اسمها مع ازدياد التدهور و التدني ، دول العالم المتخلف .

لأن الخريطة اختلفت فلم يعد هناك رؤية لمستقبل يخرجنا من ضلالة نحياها جميعا بإدعاء إننا خير الأُمم لم يعد لدينا سوى عالمين : العالم الحر المتقدم ، و العالم الديكتاتوري المتخلف .

و الاختلاف بين العالمين لا علاقة له بالمكان بقدر علاقته بالزمان . فالعالم المتقدم يعيش زمناً يختلف بالكلية في المفاهيم و مناهج التفكير و القوانين و السياسة و العادات و التقاليد و باقي نظم المجتمع ، عن العالم المتخلف الذي لازال يعيش زمناً مضى ونحياه نحن كل يوم، فقط نحيي الموتى ونسألهم فيما سنفعل ونختلف فيما قالوا.))

وهكذا ..  ننسي أساس المشكلة ..أننا نعاني من إقتصاد مهترىء ..وراسمالية صاعدة لعينة .. وإستغلال مرعب للفقراء و متوسطي الحال .. وجنية ينهار يوما بعد يوم .. وديون أصبحت تلالا وتتزايد بمشاريع محدودة الجدوى أو بدون أى فائدة .. وناتج قومي متواضع ، و تعليم شديد التخلف عبارة عن رخص يحصل عليها الطالب حتي بالغش ..

هذا هو الواقع .. إنه ليس صراعا إثنيا و تهميشا لفصيل من أبناء الوطن متفوقا و مظلوما ..فنحن جميعا في الهم سواء
إرجعوا لوحدة 1919 .. و أقيموا مجتمعا عصريا .. تنتهي أسباب الشقاق
..فالتحرر الاجتماعي للمصرى سيعقبه  تحرير مجتمعه من نفوذ كهانه...
بقي أن مسألة مسيحي الشرق سيتم تصديرها تطبيقا لرؤية برنارد لويس إلي مكان ما داخل تقسيمات المنطقة المقترحة .. كما تم مع اليهود في فلسطين . هو أمر  أرجو ألا يحدث..إنتبهوا من فضلكم . ولا متنتبهوش إنتم أحرار