يحتفل المسيحيون، مساء اليوم الأربعاء، بعيد الغطاس المجيد، والذى يمثل مناسبة عماد السيد المسيح من يوحنا المعمدان، أو النبى يحيى إلى جانب إقامة الصلوات فى كل الكنائس القبطية الأرثوذكسية.. ويصاحب الاحتفال بالعيد الأكلات الشعبية مثل القلقاس، ومص القصب.

وكشف الشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن الأبنودى أن هناك مسمى شعبيًا كان يطلق فى طفولته على عيد الغطاس وهو "البلابيصا".. فما هو "البلابيصا".

يقول الأبنودى فى أشعاره "يا بلابيصا .. بلبصى الجلبة"، ويضيف فى كتابه الرائع "أيامى الحلوة عن طقس البلابيصا": "فى الـ11 من الشهر القبطى "طوبة" يتم فى قُرانا هذا الطقس المُسمى "البلابيصا" والمستمر من قديم الأزمان إلى الآن، ولكن الكهرباء أفقدته كثيرًا من بهجته، وسحره، وغموضه، وتوهته فى حياتنا كما تاه "المسحراتى"، وكما فقد فانوس رمضان إضاءته الموضوعية لتتحول إلى إضاءة رمزية".

ويضيف: "فى عيد الغطاس، وفى زحمة الأعياد والمناسبات القبطية المتوالية، لم يكن مسيحيو مصر فى الجنوب بالذات، يحتفلون بأعيادهم بعيدًا عنا نحن أولاد المسلمين، بل كنا نستولى على هذه الأعياد فى حميمية المشاركة، حيث لا يمكنك التفريق بين ابن المسيحى، وابن المسلم.. كنا ولا نزال نطلق على القبطى لفظ "المُصرانى"، ولن يخفى على أى ذكى مُلهم اسم مصر المحشور داخل المُسمى الدينى "المُصرانى".

وتابع الشاعر الكبير الراحل: "للبلابيصا قبل مجىء الغروب كل أطفال القرية مسيحيين ومسلمين يرفعون صلبانهم المضيئة ليسطع النور فى أرجاء القرية المُظلمة.. تخيل نفسك تطل من فوق.. من سطح البيت، وترى جيوش الصلبان المضيئة، تمر من تحت دارك بالمئات، وأمهاتنا يرششن الفشار، وقِطَع السكر، والحمص ويزغردون".

وأضاف: "يمر الموكب من دار إلى دار، ومن درب إلى درب تتلألأ الشموع، وتعلو الزغاريد، ونحن نغنى تلك الأغنية المهيبة التى لا نعرف معنى محددًا لمعظم مفرداتها بل لعنوانها أصلًا الذى هو اسم الطقس القبطى نفسه، ولقد سألت أهل اللغة القبطية، وعلماء الفرعونية ولم يدلنى أحد حتى الآن على معنى كلمة "البلابيصا"، وبالتالى الفعل "بلبصى"، ثم المفعول به "الجِلبة"، وهناك معانٍ متناثرة توحى بأن السنة القديمة قد انقضت وهى أشبه بامرأة ماتت لتأتى سنة على هيئة فتاة شابة ترحل فى نهاية السنة الجديدة، وصورة لجمل يحطم مدفعًا وأظنها صورة متبقية من حملة "ديزيه" على صعيد مصر إبان الحملة الفرنسية".

وتابع: "لكن وبتفكير بسيط ودون الغوص فى القواميس، واللغات اكتشفت، لأن الأغنية تمت لعيد الغطاس الذى يسقط فيه الأطفال "بلابيصاً" عرايا فى الماء، أن الأغنية تعبير عن هذا الغطاس البلابيصى.. هكذا كنا ندور لنقف عند كنيستنا القديمة ثم ناحية المساجد الثلاثة بين تحية أهل القرية، رجالًا ونساء، ومسيحيين ومسلمين، وتهليلهم".

واستطرد الأبنودى: "أما نحن فكنا نغنى تلك الأغنية السريالية التى تحكى عن امرأة تنادى على ابنها "على" ليصحو مبكرًا، لأن السنة القديمة قد رحلت كأنها امرأة عجوز اختطفها الموت، وكيف أن الجمل "برطع"، وفى برطعته القوية كسر المدفع ثم نعود نطالب هذه "البلابيصا" بأن "تبلبص الجِلبة" ونحن لا نعرف ما هى البلابيصا، ولا كيف تبلبص، ولا ما هى الجِلبة".

أضاف الشاعر الكبير: "وإليكم الأغنية..
يا بلابيصا ..

بلبصى الجلبة ..

يا على يا بنى ..

جُوم بنا بدرى ..

دى السنة فاتت ..

والمرا ماتت ..

والجمل برطع ..

كسر المدفع .. !!

وتابع: "لا شك أن البلابيصا والبلبوص هو العرى الذى يتشارك فيه كل مواليد الأقباط الجدد "التعميد"، حيث يخلعون ملابسهم فيصبحون "بلابيصًا"، وأظن أن الأغنية فى طقس "البلابيصا" هى لافتة تعلن الاحتفال بعيد الغطاس، كما ذكرنا، وإن كان من الصعوبة بمكان اكتشاف ذلك من الأغنية".

وأضاف: "هناك حين تغول الليل، ويغول الليل فى زمن القرية حين تذوب الشموع النحيلة، نعود إلى الدروب .. كل جماعة فى ركن نلتهم البرتقالات، ثم نتجه نحو عود القصب ليلتهم بدوره الجزء الأكبر من الليل، أما فى الدُور وفى تجمعات الرجال، فإن لبشًا ضخمة من القصب تُمص فى تلك الليلة، وكأنه عيدًا للقصب، وليس عيدًا قبطيًا للغطاس".

ثم يواصل الشاعر الكبير أبياته..

ويغنون جميعًا بفرح

ليلتك يا بلابيصا

ليلة هنا وزهور

وفى ليلتك يا بلابيصا

حنو العصفور

ويقول الاطفال الاقباط اذا احتفلو وحدهم

يا ليلة الغطاس

يا فرحة كل الناس

بعماد الرب ايسوس أى يسوع

نسجد ونقول اجيوس أى قدوس