الأب الدكتور أثناسيوس حنين -اليونان
لم أرى الرجل شخصيا ولكنى رأيته حاضرا فى أعماله وفى حياتى ’ ولأنه قامة من نور فهو آ بالرغم من رحيله ’ يضيئنى بينما التقيت الكثيرين من الاحياء فقراء وأغنياء ’ وهم أحياء ومنهم من حاول باستماتة شيطانية اطفائى !

نظلم الرجل اذا ما حصرناه فى شئون طائفية أو معارك سياسية وان انشغل بهما أحيانا وللضرورات التى تبيح المحظورات . كانت مصر حبه الاول والاخير . ولأنه ليس لنبى كرامة فى وطنه ’ فقد تفنن القبط فى سجن الراحل عدلى بك أبادير فى سجن الطائفية ’ الطائفية ’ التى ارتضوها قدرا وأختاروها نهجا وأمتنهوها فكرا وذاقوها واقعا ’سواء اختاروها طوعا أو فرضت عليهم وقبلوها طوعا وهم صاغرون . عدلى أبادير ومعه كثيرون ’ونحن وعزت بولس ورجاله ’  كان يعرف أنه مصرى قبل كل شئ . ربما أكتشف مصر وتاريخها وحضارتها فى بلاد الغرب التى بذل غرس علمائها اقلامهم فى بطون التاريخ وأخرجوا لنا منه جددا وعتقاء. فقط الفاشيون والدكتاتوريون يخشون دراسة التاريخ ’ حسب ارنولد توينبى’ لأنه يطرح وجوها كثيرة للحقيقة ومناهج متعددة للبحث وقبل كل شئ عقلا ناقدا وليس ناقما لأن النقمة ليست من الله حتى وان قيلت فى  الشريعة العتيقة ولكن المسيح نسخها بالحب . بينما هم لا يعرفون الا اشباح حقيقتهم . من هنا جائت معارك الراحل الثقافية والاجتماعية والسياسية من منطلق الانسان . وكان الفكر محجته ووبالرغم من ثروته لم يكن يحمل بين ضلوعه سلاحا او احزمة ناسفة ’ بل قلمه .كان يرفض ان يقبل كل فريق فى المحروسة على صنع هوية له مستقلة ’ ملتفتا الى الماضى هروبا من الحاضر ومن شهادة الجميع المشتركة لمصر وتراثها ’ بل ومازجا فى هذه الرؤية عناصر من دينه وعناصر كثيرة من دنياه ليستطيب قومية شكلية وصغيرة وتافهة لا تبشر سوى بالانعزالية كم يحدث فى اماكن كثيرة فى عالم اليوم .مصر ’ لمن قرأ بعض من تاريخها الطويل هى خلاط (ميكسر) ضخم يجمع الثقافات والعادات والطموحات والاهواء وويضع عليها ملح وبهرات الحب ترويها بدموع المخلصين من اولادها  ومن ثم تخرج لنا والبشرية مشروبا واحدا شهيا يرتوى منه كل عطشان الى ماء حياة وجائع الى خبز الحقيقة .ومن يلقى نظرة على المرجع الضخم

(Martin Bernal, Black ATHENA ,The Afroasiatic Roots of Classical Civilisation ,New Jersey 1991).

سيرى جليا أن مصر شكلت حجر الزاوية فى الحضارة الغربية بدأ من اليونان . كان عدلى أبادير يعرف كل ذلك بحكم ثقافته الموسوعية . لم يكن من الاغنياء الجدد الذين يفتخرون بجهلهم ولا يحملون فى جيوبهم سوى ارقام تليفونات المرتشين واللصوص  والفاسدين والساقطين ’ ولا ننسى العشيقات . ليت القراء يتابعون مسلسل (التاج) ليعرف ان الفساد قد ضرب حتى العائلات الملكية والتى يسجد لها العالم .  The Crown  . قلت كل ذلك لأنى أقراء كتاب حديث صدر فى نيويورك لكاتبة أمريكية يهودية غير متصهينة (هذا النوع من الناس موجود ويجب البحث عنه ) وعنوانه :

REBECCA HENDERSON ,Reimagining Capitalism in a world on Fire,New York , 20020).ولقد حظى الكتاب بتقدير الاغنياء والرأسماليين الذى ملوا من سطوة المال والبزنيس على الاخلاق وانتشار الفساد حتى صار ظاهرة كونية حسب مرجع اخر.  ((Laurence Cockcroft ,Global Corruption,New York 2012).

والكتاب يتميز بالانسانية والذهن الحاد وعمق فهم اليات البيزنيس وما وصل اليه ويقدم اليات الحل . تطالب بأن يكون هدف البيزنسيس هو صالح المجتمع وحياة الناس . العالم الأن يقبع على بركان من نار تململ الفقراء وتنعم الأغنياء . لم يكتفى أبادير بأن يوعد الفقراء بالجنة مثل أهل بيته ’ بل القى بنفسه ومع امواله وتعب سنينه فى خضم الام واشواق الناس فى مصر ’ كل المصريين . لم يقرأ كتاب السيدة ربيكا هاندرسون والت ارادت اعطاء وجها انسانيا للمال والبيزنيس.ولكنه عاشه بروح النبوة البزنسيسية .

عدلى أبادير بذل جهدا جبارا ليعطى وجها انسانيا للمال وبعدا اخلاقيا للثروة . الشئ النادر بين أصحاب الملايين . وربما فرح بعض المطارنة فى مصر وبعض والمؤسسات بمساهماته العينية فى الانشأأت وهو المهندس ’ وتم تسليط الضوء عليها . بينما كان له أهتمامات علمية ’ تم وضعها تحت المكيال أى الماجور لكى لا تضئ لكل من فى بيت المصريين ’ اذ قام بالانفاق السخى والصرف الكثير على البعثات والمبعوثين وأسس لها أدارة خاصة فى امبراطوريته الكبيرة ’ ولقد كان لكاتب هذه السطور واولاده النصيب الصالح فى هذه المنح والتى بدونها ما تمكنا من أكمال مشورانا العلمى والاكاديمى . ذلك بعد أن تركت المؤسسة الكنسية المصرية أمر البعثات والبحث للمجهود والعراك الشخصى بل وتوعدت ’ يوما ’ الدارسين والمتخصصين ’ عند العودة ’ بالبطالة والتشتت . حينما يتم (تسليع من السلعة ) الكنيسة و(تسعيرمن التسعيرة) الخدمة تفقد الكنيسة معناها ورسالتها وتقاوم نور العلم بل وتهرطق العلماء بلا دليل دامغ  ..ربما الامر بدأ اليوم فى التغير بعض الشئ ولكنه ’ فى الحقيقة ’ يقوم على الاستفادة من وضع علماء لم يتعبوا هم فى اعدادهم ’ولم يتم اصلاح شئ  اصلاحا جذريا ’ او سن قانون للصرف على البعثات بسخاء والمؤسسة الكنسية القبطية لديها من المال الكثير. واصبحنا نرى ظواهر علمية (الصيت ولا الغنى) ولا نرى علما مثل المثل (أسمع ضجيجا ولا أرى طحينا)! ..أضف الى ذلك دليلا على حبه لمصر وهو تأسيس أو طرح اللبنات الاولى لمنبر أو مذبح ثقافى واجتماعى تنويرى فى وسط ارض مصر حسب تعبير النبى اشعياء.وأقصد موقع (الاقباط المتحدون ) وبالرغم من أن كلمة قبطى معناها مصرى حسب اللغويين من علماء السوربون ’الا أنه وبسبب الزهايمر التاريخى الذى اصاب المصريين (والاقباط مصريون!) ’ رجوت المهندس الرائع وخليفة ذكاء ورصانة وتهذيب وعلم عدلى بك ’ المهندس عزت بولس  ’ رجوته أن يسمى الموقع (المصريون المتحدون ) لكى يخرج به من متسنقع الطائفية الذى يهدد البلد ويصير الموقع بيت كل المصريين . والحقيقة أنه يسير على هذا النهج ويقيم علاقات راقية مع كل اطياف المصريين .

غير أن روح عدلى أبادير لن تكون ملهمة ما لم تبدوا فى كل غناها . أنها مضيئة لكل الناس فى مصر ووالخارج . بربكم لا تحدوا الرجل بمشروع أو طائفة أو فئة فى البلد . لا تطيفوه ولم يكن ابدأ طائفيا بل شريك المستضعفين فى الارض . لنحافط على تراثه ونسير على دربه. ليكن ذكره أبديا .