أحتاج إلى موسيقاه الساكنة وجدانى، تنصت إلى إيقاع كلماتى، تُعبر عن امتنانها؛ لأنه رُغم ندرة موهبته، فى منتهَى التواضع؛ فهو «متاح» دائمًا، وليس «مُغلقًا، إلى وقت لاحق».

 
كيف تضبط نغماته، وموسيقاه، كيمياء مُخى، المتعفرتة من نقص «السيروتونين» فى مُخى، ومن انعدام «العدالة والإنسانية والفرح» فى العالم؟
 
يتألق «فريد»، فى جميع أعماله، لكنه يصل إلى الذُّروَة، فى الأغنيات النازفة بالشّجن النبيل، يا لها من مهمة عظيمة، أوكَلتها له الأقدارُ، أن يواسى القلوبَ المتألمة.
 
أغنية أعشقها؛ لأن السباحة اليومية جزءٌ من تكوينى، ولا مثيل لها، لحن «يا فرحة المَية»، للسّابحات الفاتنات، كتبها عبدالعزيز سلام، أمّا قصيدة «عُدتَ يا يوم مولدى»، فكتبها كامل الشناوى، تلك التحفة المُحيرة فى الموسيقى العربية، هى رفيقتى فى يوم ميلادى.
 
شقيقته «أسمهان»، حبيبة قلبى فى تقلباته، فقد أهداها عصارةَ روحه:
 
«ليالى الأنس فى فيينا» 1944 اللحن الملحمى الدرامى الفلسفى، الثرى فى تنويعات الشجن، ولمحاته الجَمالية المتفرّدة، التى يتخيلها مبدعٌ فى بداياته. وكأن «فريد» قد أحَسَّ بالمأساة القريبة، وأنها ستختم حياتها بهذه الأغنية، فأبدعها كل حُبه، وإيمانه بصوتها، وأيضًا قلقه عليها.
 
كان «فريد»، فريدًا فى كرَمه، وفريدًا فى عشق الملايين له، وفريدًا فى تناقضات حياته. 
 
لم يبخل علينا بالأفلام السينمائية التى أنتجها، ترك 31 فيلمًا، جزءٌ منها الاستعراضات الغنائية الفاخرة، لكنه كان بخيلًا فى اهتمامه بصحة قلبه العليل. ألقى بنصائح الأطباء، واحتضن أوتار العود.
 
ما أجمل أن يكون «غناء القلم» الأخير فى عام 2020، عن «فريد»!
 
فارس العُود.. وحكاية العُمر كله.. قسمة مكتوبة.. وأول هَمسة.. وحكاية غرامى.. ولحن الخُلود.
 
قلّما يُعبّر الاسمُ، عن صاحبه، لكن اسم «فريد»، يتناغَم مع شخصية «فريد». كان فريدًا فى موهبته، وفريدًا فى وحدته، وفريدًا فى أحزانه، وفريدًا فى كرَمه، وفريدًا فى رهافة مشاعره وحساسيته، وفريدًا فى عزفه على العود، وفريدًا فى عزوفه عن المَلذات الزائلة، وفريدًا فى إهمال صحته، وفريدًا فى علاقته بالنساء، وفريدًا فى عشقه للبحر، وفريدًا فى مَلله السريع من الأشياء، وفريدًا فى تأثيره على قلبى، وفريدًا فى مرض قلبه، وفريدًا فى شعبيته، وحُب الملايين له.
 
كل مساء، لا يأتينى النومُ، إلا على صوت «فريد»، يشدو فى سكون الليل: «تصبح على خير يا حبيبى انت من الدنيا نصيبى».
 
فلا أحتاج إلى وسادة الذكريات، أو إلى الحَبّة المنوّمة. 
 
هذا سِرّ آخر من أسرار «فريد» فى حياتى.
نقلا عن مجلة روز اليوسف