كتب – روماني صبري 
وجه المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس  بالقدس رسالة جاء فيها : 
 
يؤسفنا ويحزننا ان نلحظ في بعض الاحيان وجود اشخاص يدعون انهم مثقفون لم يقرأوا التاريخ جيدا او لربما وضعوا تاريخا ينسجم واهوائهم واجنداتهم والجهات الداعمة لهم او لربما ايضا قرأوا تاريخا مزيفا لا علاقة له بالتاريخ الحقيقي لهذا المشرق بشكل عام وقلبه النابض فلسطين الارض المقدسة .
 
وكما اننا نرفض سياسة تزييف التاريخ التي تتبعها الحركة الصهيونية بشكل ممنهج فإننا نرفض اي محاولة ومن اي جهة كانت لتزييف التاريخ والنيل من هوية هذا المشرق الحقيقية .
 
ان مدينة القدس هي مدينة مقدسة في الديانات التوحيدية الثلاث ونحن نرفض لغة الاقصاء والعنصرية والتطرف والفلسطينيون كانوا دوما نموذجا متميزا في الاخوة واللحمة والعيش المشترك وهذه امانة في اعناقنا يجب ان نحافظ عليها والا نسمح لاي متاجر بالدين بأن يعمل على اثارة الفتن والضغينة والكراهية في مجتمعنا .
 
المسيحيون في هذا المشرق ليسوا دخلاء وليسوا غرباء وليسوا بضاعة اوتي بها من هنا او من هناك فهم اصيلون في انتماءهم لهذا المشرق وهويته الحضارية والتاريخية والانسانية ، وبعد مجيء الاسلام تفاعلوا مع الحضارة الاسلامية وعملوا معا وسويا في خدمة اوطانهم وفي الدفاع عن قضايا الحق والعدالة ونصرة المظلومين والعمل من اجل نشر الثقافة والوعي والفكر .
 
نرفض اية لغة اقصائية عنصرية يتعرض لها المسيحيون في هذا المشرق وفي الوقت ذاته نرفض اي خطاب عنصري يستهدف المسلمين وكذلك اليهود فنحن نرفض الحركة الصهيونية الارهابية ولكننا لا ننكر وجود الديانة اليهودية واتباعها ونحن نرفض رفضا قاطعا بأن يضطهد اي انسان في هذا العالم او ان يستهدف بسبب انتماءه الديني او خلفيته الثقافية او العرقية .
 
المسيحيون في هذا المشرق ليسوا ضيوفا عند احد وليسوا اهل ذمة وليسوا اناسا تابعين لهذه الجهة او تلك فانتماءهم هو لايمانهم ولقيمهم المسيحية القويمة وكذلك لاوطانهم التي كانوا فيها دوما عاملين من اجل رقيها وتطورها وتحريرها .
 
وفلسطين هي قضيتنا جميعا وهي القضية التي تجمعنا وتوحدنا والقدس عاصمتنا وقبلتنا.
 
المسيحيون في هذا المشرق سواء كانوا في فلسطين او في سوريا او في لبنان والاردن والعراق ومصر وغيرها من الاماكن يرفضون رفضا قاطعا واكيدا اي خطاب يتجاهل تاريخهم العريق وحضورهم الذي كان وما زال فاعلا في خدمة قضايا العدالة والحق وفي خدمة الانسان والقضايا الوطنية بشكل عام .
 
لن تقوم لنا قائمة في هذا المشرق الا من خلال وحدتنا واخوتنا وتلاقينا الاسلامي المسيحي ، أما الخطاب الذي يحرض على الكراهية والتطرف والطائفية والاقصاء والتكفير فلا يستفيد منه الا اعداءنا المتآمرين علينا وعلى مشرقنا وعلى فلسطين بشكل خاص.
 
ان اولئك الذين اوجدوا لنا ما سمي زورا وبهتانا "بالربيع العربي" وهو في الواقع ربيع اعداء الامة العربية في هذا المشرق انما احد اهدافهم الاساسية هو تقسيمنا وشرذمتنا وتمزيق مجتمعاتنا وتحويلنا من امة واحدة الى قبائل وطوائف ومذاهب متناحرة فيما بينها .
 
والقوى الاستعمارية المتآمرة علينا اوجدت لها ادوات في هذا المشرق لكي تستعملها كما تشاء في اثارة الفتن وثقافة الكراهية والتحريض والطائفية هنا وهناك
.
وهذا لا يمكن ان يواجه الا من خلال التوعية الحقيقية واستعمال منابر دور العبادة والمؤسسات التعليمية والاعلامية من اجل توحيد الصفوف وابراز الهوية الحقيقية لهذا المشرق .
 
وعندما نتحدث عن العروبة فالمسيحية والاسلام هما جناحا العروبة ، وعندما نتحدث عن فلسطين يجب ان نبرز تاريخها واصالتها وتراثها وهويتها الحقيقية التي نفتخر بها جميعا كأبناء للارض المقدسة .
 
ومع قرب الاحتفال بعيد الميلاد المجيد لعلنا نستغل هذه المناسبة لكي نذكر من يحتاجون الى تذكير بأن بلادنا هي مهد المسيحية ومشرقنا فيه اعرق حضور مسيحي في هذا العالم وخاصة عندما نتحدث عن المثلث الروحي الايماني القدس وانطاكيه والاسكندرية .
 
رسالتنا يجب ان تبقى رسالة المحبة والاخوة والتلاقي بين الانسان واخيه الانسان ونحن نرفض استغلال منابر دور العبادة ايا كانت لبث سموم الكراهية والحقد والاقصاء وتهميش الاخر والغاء وجوده .
 
واذا ما ظن بعض اولئك الذين يعتلون المنابر بأن خطاباتهم الرنانة هي قادرة على الغاء وجود الاخر فهم مخطئون فالاخر موجود ويجب ان تُسخر هذه المنابر من اجل تكريس ثقافة التسامح والمحبة والاخوة والوحدة الوطنية .