بقلم / نجيب محفوظ نجيب .
قبل أن ترحل ... تركت فوق المنضدة ورقة مكتوب عليها:
سوف أرحل ...
ألتفتت لتُلقى نظرة وداع أطرقت ووضعت نظارتها الشمسية لتُخفي عينيها... ثم عادت واستمرت فى المضى ... حتى أختفت عن الأنظار.
-كان الرحيل إختياراً وليس إجباراً ... فبعد وقفة عميقة متأملة مع النفس ... أدركت أنه لا مفر ... لابد وأن تواجه الماضي إذا أرادت أن تنتصر عليه وتمحو أثره.
 
اقتربت من مبنى هو عبارة عن ڤيلا كبيرة تحيط بها الأشجار من جميع النواحي وكأنها جدار ضخم ألتف حول الڤيلا ليحتويها ويحميها من تطفل نظرات المارة.
 
أخذت أشعة الشمس تنفذ بين أغصان الأشجار وتمتد حتى تغطى واجهة الڤيلا فتزيدها لمعاناً وبريقاً.
 
أستقبلتها الخادمة وتركتها تنتظر في بهو الڤيلا حتى تخبر سيدتها بقدوم زائرة.
 
 مروقت ليس بقليل حتى ظهرت سيدة في الخمسينات من العمر يكسو وجهها بعض التجاعيدالتي نثرها الزمن.
 
ترتدى فستاناً أنيقاً وتضع على كتفيها شالاً طويلاً يلتف طرفه حول رقبتها.
 
تبادلا السلام والتحية ... كانت صاحبة الڤيلا تنظر إلى وجه الضيفة نظرة متأنية فاحصة لعلها تهتدى الى تفاصيل وملامح تُمكنها من التعرف عليها ...
هذا الوجه تعرفه ولكنها لاتستطيع التحقق من هوية صاحبته ... باءت مُحاولتها بالفشل ... ولكى لا يستمر الصمت لمدة أطول ...  بادرت بصوت جاد وحازم :
"تحت أمرك ... أي خدمة أقدر أقدمها لك "
 أدركت الضيفة أن صاحبة الڤيلا لم تتمكن من الكشف عن هويتها ... فأعطاها هذا إحساس بأن مُهمتها ربما لن تكون سهلة ... ولكنها حاولت أن تبدو طبيعية واثقة بنفسها مُعتدّة بذاتها ... وفي هدوء مدت يدها تُزيح النظارة عن عينيها ... وكأن ستاراً عظيماً قد هوى ... أنتفضت صاحبة الڤيلا وأستقر نظرها مُتعلقاً بوجه الضيفة فى مفاجأة صاعقة مدهشة.
 
بدت على وجهها ملامح التوتر والحيرة.... وقبل أن تتفوه بكلمة واحدة بادرتها الزائرة بالكلام:
 
أنا عارفة انتِ بتفكرى في إيه دلوقت !!! .... أنا إيه اللى جابنى ؟! .... وكنت فين من زمان ؟! ... وإشمعنى دلوقت ؟! .
وقبل أن تُكمل إستنتاجاتها ... قاطعتها صاحبة الڤيلا قائلة:
 
"أنت أُختى "
"وحا تفضلي طول العُمر أختى ... مهما فرق بيننا الزمن مالناش فى الاخر غير بعض ... يمكن زمان أنتِ أخترتِ ان إحنا نبعد عن بعض ... لكن دلوقت أنتِ أخترتِ إن إحنا نقرّب من بعض ... وهو ده المُهم عندي .... إن إحنا نفضل دايماً إخوات .... اللي فات خلاص مات وأتنسى طالما قررتِ ترجعى ...." 
 وكأنها قد وفرّت على الزائرة أميال طويلة كان لابد أن تقطعها في طريق محفوف بالصعوبات من أجل إقناع صاحبة المنزل بالدوافع والأسباب التي اعتملت في أعماقِها وجعلتها تقُرر العودة بعد مرور سنوات طويلة عاشتها في إغتراب حقيقي.
 
تعانقتا الأخُتان ... وأستمرا فى عناقهما طويلاً ... وأنهمرت الدموع من أعينهما لتغسل آلام وأحزان الماضي الذى ذهب.