قلم : نبيل صموئيل
تقوم مؤسسات الدولة الحديثة والمختلفة دستوريا علي حماية حقوق المواطنين وتوفير البيئة الآمنة لهم ليعيشوا الحياة الكريمة، وليقوموا بأعمال الإنتاج والخدمات سواء في أجهزة الدولة المختلفة أو في القطاع الخاص، ولذلك تنشأ علاقة إعتمادية متبادلة بين الدولة بأجهزتها والمواطنين أنفسهم. 
 
فصياغة عقد اجتماعي وسياسي دستوريا يبني علي قاعدتي المواطنه وحقوق الإنسان، ومستندا علي القيم والمبادئ الإنسانيه والروحيه الإيمانيه، ومجمل حصيله الحضاره الإنسانيهً  وذلك بين الدولة والمواطنين يعتبر من أهم ملامح الدولة الحديثة .
 
 ولذا تقوم المواطنه في هذه الدوله علي حزمه مترابطه ومتكامله من الحقوق لا يمكن تخزئتها، وهي الحقوق  السياسيه والمدنيه والحقوق الاجتماعيه
والاقتصاديه والثقافيه، وتستند هذه الحقوق علي المبادئ الدستوريه التاليه:
 
 • مبدأ الكرامه الإنسانيه كأهم قيمه يجب حمايتها بإعتبارها غايه في حد ذاتها، وأن علي السلطات العامه إحترامها وحمايتها.
 
 • مبدأ الحريه كرساله واضحه لسلطات الدوله بأن جميع الناس أحرارا في ظل الدستور وأن أي حكم فانوني يتدخل في الحريه هو إستثناء من القاعده ويتطلب تفسيره دستوريا.
 
 • مبدأ المساواه وعدم التمييز بإعتبار أن كل الأشخاص متساوون أمام ولدي القانون، وهو أمر ملزم لكل الهيئات الوطنيه والدوليه، وأن كل الأشخاص لهم نفس الحقوق التي تنص عليها المواثيق القانونيه دون تمييز من أي نوع. يشمل ذلك الحق في نفس المعامله والتمتع بحمايه القانون، وحق الجميع في اللجوء الي الاجهزه المسئوله عن إداره العداله. ولأجهزه الدوله أن تتخذ التدابير الإستثنائيه اللازمه لتحقيق المساواه وتكافؤ الفرص.
 
 - الدوله المؤسسه علي فكر المواطنةِ:
 • إن بناء الدولة الحديثة القادرة علي إداره شئون الدوله والمجتمع والتعبير عن مصالح المواطنين يستدعى بالضرورة بناء مؤسسات هذه الدولة وتطوير علاقات صحية وصحيحة بين المجتمع السياسي (السلطة) بسلطاته الثلاث التشريعيه والقضائية والتنفيذية، وبين المجتمع المدني (المواطنين ومؤسساتهم الطوعية )، علاقات تقوم علي فهم وإدراك كلٍ منهما لأدواره وتوجهاته وعلاقته بالطرف الآخر، فلكل من المجتمع السياسي والمجتمع المدني قضاياه واهتماماته. 
 
 • والتحدي الذي بواجهنا هنا كبف تلتقي جميع هذه القضايا والإهتمامات عند مصالح الوطن والمواطنين وبناء المصير الواحد وأن تتميز هذه العلاقة بالإحترام والتقدير المتبادل والحرية والديمقراطية والعدالة التي تتمثل ليس فقط في إحترام حقوق الأغلبية أو النخبة بل وإحترام حقوق عامه المواطنين دون تمييز عرقي او طائفي او مبني علي النوع الإجتماعي وحقوق الأقليات وذوي الإعاقه والفقراء  في المجتمع بنفس القدر والمساواة.
 
 • ومن الأهمية القصوى في عملية بناء هذه الدولة أن تشمل بناء مؤسسات المجتمع السياسي والمجتمع المدني معاً بحيث يكون لدي كل طرف منهما القدرة علي المواجهة والتعاون والمشاركة فلا تنمو مؤسسة علي حساب الأخرى حيث يجب أن تتميز الأدوار بينهما بوضوح واحترام، إذ يجب أن تقوم الدولة أيضا علي التوازن بين سلطات المجتمع السياسي، التنفيذية والتشريعية والقضائية، بإستقلال وحيادية لتصبح هذه المؤسسات قائمة علي حماية مصالح وحقوق المواطنين وقادرة علي إنجاز أعمالها دون تعطيل أو روتين أو فساد، كما تكون قادرة علي تطبيق القانون بعدالة علي الجميع دون تمييز أو محاباة. يشمل ذلك فدرتها أيضا علي اداره التنوع البشري الخلاق بإعتباره قيمه أساسيه لدوله المواطنه، وتمكين المواطنين من الحريه في إختياراتهم الإقتصاديه والإجتماعيه والثقافيه والدينيه من خلال إراده سياسيه تتبني منهج التعدديه بمختلف أنواعها. 
 
 • ويصبح لدي مؤسسات المجتمع المدني (المواطنين) حرية العمل في المجال العام للمجتمع بإبداع وجرأة في تناول القضايا ومواجهة التحديات الهامة للمجتمع إلى جانب القدرة علي رقابة المجتمع السياسي ونقده دون خوف أو تملق ومحاباة، كما أن المجتمع المدني يجب أن يعمل في إطار ضوابط الصالح العام للمجتمع، ولا يخضع أهواء الصالح الخاص، ويلتزم بالقوانين والسياسات المنظمه له.
 
 • إن بناء الدولة الحديثه في هذا الاتجاه يسهم بصورة حقيقية فى تشكيل مناخ يتبني قيمة المواطنة ويحفز عليها فيتحرك المجتمع جميعا للمشاركه الفاعله للتطوير والتنميه وللمواجهة المشتركه للتحديات والكوارث التي يمكن أن تهدد الوطن فيصبح لهذا المجتمع دوراً أساسيا في بناء الدولة وصناعة مستقبل أفضل وبناء المصير الواحد.
 
في هذا الاطار تصبح المواطنة قيمة مجتمعية راسخة في الوجدان الجمعي للمواطنين. حيث يتم الربط بين المواطنة كمساواة كاملة للجميع في الحقوق والواجبات، وبين كونها ممارسة عملية لحقيقة علي أرض الواقع.
 
• والتحدي هنا أن يكون لدي الجميع سواء في السلطه السياسيه أو في المجتمع المدني بما فيها المؤسسات الدينيه قناعة أكيدة  بأنه ليس ثمة من يمتلك الحقيقة الكاملة وحده أو الوطن كله وحده، وبذلك تتحول قيمه المواطنة الي ثقافة مجتمعية متجسدة في السلوك اليومي، عندها يمكن أن نضمن قيام حالة حقيقية من التعاون المثمر والجاد والبناء بين مختلف القوى المجتمعية للمشاركه ولمواجهة وحل المشاكل والأزمات التى تهدد حاضر الوطن ومستقبله.  
 ⁃ إلتزامات ومسئوليات المواطنين في الدولة المؤسسه علي فكر وتطبيقات المواطنه:
 
 • إن الارتقاء بالعلاقة بين الدولة والمواطنين وإصلاح أحوال المجتمع بدءا من السلطة السياسية لا يتوقف فقط علي نوايا وقدرة أجهزة الدولة لكنها ترتبط ارتباطا مباشرا بإصلاح أحوال المواطنين أنفسهم الذين هم أعضاء المجتمع المدني بحيث يكون لديهم الوعي الكافي والحركي بالقضايا المحيطة بهم مدركين الأسباب التي أدت إلي هذه الأوضاع القائمة التي هم عليها وللنتائج المرتبة علي ذلك، كذلك تكون لدي المواطنين الدوافع اللازمة والكافية للعمل في مواجهة هذه الأوضاع وأن تكون لهم الحرية الكاملة للتطوع والعمل والتنظيم في المجال أو الشأن العام المجتمعي وأن يسعوا كأفراد وكمؤسسات مجتمع مدني نحو أداء دورهم لأحداث تغيرات من شأنها إصلاح أحوالهم وأحوال المجتمع ككل وبذلك يصبح لديهم التزام واهتمام بالشأن العام المجتمعي وليس بالشأن الخاص لهم فقط. يرتبط هذا الاهتمام والالتزام بالشأن العام المجتمعي بمجموعة من السلوكيات المكتسبة التي تعاون علي الإصلاح والتطوير.
 
 • تشمل هذه السلوكيات حفاظ المواطن علي المجال العام من إنتهاكات المجال الخاص بإعتبار أن كل ما هو عام هو  للجميع وليس لفئة علي حساب أخري كالحفاظ علي الطرق  ووسائل النقل المختلفة والحدائق العامة وغيرها، ويتمثل هذا السلوك ليس في اكتساب الفرد الواحد له فقط إنما أيضا في دوره لحماية هذه المنشآت العامة من أضرار الآخرين بها وإفسادها وهو من التحديات التي يجب أن نواجهها.
 
 • إن إبتعاد المواطن عن الانزلاق في استغلال السلطة الحاكمة والموارد العامة والاحتكار والإغراق للسلع والخدمات لمصالحه الشخصية دون مراعاة لمصالح الآخرين وعلي حسابهم هي من سلوكيات المواطنة في بناء الدولة القومية. كما أن المواطن في الدوله يلتزم بما عليه من إلتزامات تجاه الدوله من ضرائب مستحقه عليه إلي غير ذلك من إلتزامات.
 
 • يسعي المواطنون في هذه الدولة والملتزمون بفكر المواطنة نحو بناء التماسك المجتمعي الذي يقبل التعددية والتنوع في المجتمع، مع التحرك نحو عدم التمييز بينهم بسبب الدين أو الطبقة الاجتماعية أو النوع الاجتماعي وغيرها من أسباب التنوع في مجتمع الدولة الحديثة.
 
 • يتكون لدي المواطنين في الدولة الحديثة وعيا سياسيا ناضجاً، الوعي السياسي المرتبط بالمصير السياسي الواحد والذي يبني تماسك ووحدة  المجتمع، وهو ما يزكي الإرادة بينهم للمساهمة والعمل في المجال العام، مع الاكتراث والاهتمام بمن هم أكثر إحتياجاً في المجتمع من المهمشين والفقراء وكبار السن وذوي الاعاقه وغيرِهم من هذه الفئات، وذلك بإعتبارهم مواطنين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات وأن ما آلت إليه أحوالهم بسبب النظام الإجتماعي العام الذي يفرز الفقر الشديد أوالعجز الشديد إلي غير ذلك من أنواع القصور.
 
 • يصبح لدي المواطنين في الدولة الحديثة إدراكا ووعياً كبيراً لمسئوليتهم عن أصواتهم السياسية التي تُفرز بإستخدامها مؤسسات الدولة المختلفة تنفيذية وتشريعية وقضائية فلا تخضع هذه الأصوات لأهواء السلبية أو قبول الابتزاز والتجارة والتمييز الديني والطائفي والعرقي والاجتماعي.
 
 • مواطنو الدولة الحديثة علي وعي وإدراك بأنهم جميعا متساوون أمام ولدي القانون،  المساواة للجميع دون تعصب أو رياء، فهم مواطنون لا رعايا أو ذميون لديهم إستعداد كامل للعيش المشترك الواحد المبني علي المساواة دون تفرقة أو تمييز أو تهميش وإن وعيهم بذلك يجعلهم قادرين على مواجهة السلطات بالأساليب القانونية والدفاع عن حقوقهم. 
 
 • يُؤمن المواطنون في الدولة الحديثة بالتعددية والتنوع فالمواطنين في هذه الحالة تختلف مشاربهم السياسية والإجتماعية والدينية والثقافية والدولة الحديثه هي الوعاء القانوني لكل تنوعات المجتمع ومرجعياتها وذلك بما يواجه تحديات النزوع للقبليه والنزعات الدينيه وغيرها، فالمواطنة تُؤًمن حقوق المواطنين في إختياراتهم المتعددة والمتنوعة ويصبح لدى المواطنين قناعات بأهمية مشاركَتهم المتنوعة، فيمارس المواطن حقه في الإختيار السياسي والاجتماعي والديني دون خوف أو ضغوط  وفي ذلك إثراء للتماسك الاجتماعي والمصير السياسي الواحد الذي يجمع ويضم الجميع بكل انتمائهم ومرجعياتهم.
 
• يتبني المواطنون في الدولة الحديثة الحوار كأساس للحياة والتفاهم والتعاون، الحوار بينهم وبين السلطة والحوار بين مؤسسات المجتمع المدني والحوار بينهم بعضهم البعض .الحوار المؤسس علي حق كل طرف في إختياراته وتوجهاته، وعلي احترام الفردية وبناء الجماعة  والسعي نحو التماسك الإجتماعي وهو حوار يحتاج إلي تخصيب مستمر ليصبح أسلوبا لكل مواطن للحياة والتعايش والتعاون والمشاركه نحو بناء وحمايه المصير والمستقبل الواحد المشترك بين الجميع.