فاروق عطية
 
   في نشأتي الأولي إبان فترة الدراسة الثانوية بصعيد مصر لم أمارس رياضة كرة القدم إلا مرة واحدة مرغما. كان عندنا مباريات للفصفوف الدراسية تنتهي بإعلان الصف الدراسي بطل المدرسة في كرة القدم. كنت وقتها بالسنة الخامسة علمي ولم أكن ضمن فريق كرة القدم للصف الدراسي لأنني ببساطة لست مغرما بكرة القدم، كنت في الفريق العسكري للمدرىسة برتبة أُمباشي(شريطين). يوم مبارة صفنا الدراسي مع صف السنة الخامسة أدبي علي نهائي البطولة، إصيب محمد الفخراني الباك رايت لفريق صفنا بالتهاب بزائدته الدودية ونقل إلي المستشفي لإجراء عملية جراحية. كنت بالصدفة في حوش المدرسة بلباسي العسكري فناداني كابتن الفريق وأخبرني بالمشكلة وطلب مني أن أقوم بدور الباك رايت في الفريق. حاولت التنصل من المهمة مؤكدا له أنني لا أجيد اللعب وسأكون السبب المباشر للهزيمة وسأتحمل وحدي عبئها. قال لي باسما: بالعكس سوف تكون السبب المباشر للنصر لأن الفريق المنافس يعلم تماما أنك غشيم ولا تجيد اللعب وسيخاف أي مهاجم الاقتراب منك خاصة أنك سوف تلعب بحذائك (البيادة العسكرية)، فقط عليك الاسراع نحو أي مهاجم ولا تدعه يتقدمك. أمام إلحاحه امتثلت للأمر وارتديت فانلة الفريق ونزلت الملعب. وكان ما توقعه الكابتن، كان أي مهاجم يقترب مني ويري البيادة في قدمي يترك الكرة لي ويجري خائفا علي قدمه وانتصر فريقنا والحمد لله وشكرا للبيادة.
 
 
   وفي المرحلة الجامعية لم أكن أيضا مغرما بكرة القدم ولا أعرف شيئا عن الفرق المتنافسة علي الدوري المصري أو كأس مصر، لكني كنت ألاحظ دائما يوم كل سبت (كانت المباريات بين النوادي الشهيرة تجري يوم الجمعة) تحدث مشاحنات بين الزملاء يسودها الحِدة بين مشجعي النادي الأهلي ونادي الزمالك وكنت أنأى بنفسي عن هذه المهاترات التي لا تهمني من قريب أو بعيد.
 
 
لاحظت أن حكومة حركة الضباط تشجع وتغذي هذا التعصب الكروي بين الناس حتي تشغلهم عن السياسة وممارستة الحياة الحزبية، فصارت النوادي هي البديل المنطقي للأحزاب، قانقسم الناس لأحزاب رياضية بدلا من الأحزاب السياسية التي كانت سائدة قبيل الحركة وأشهرها حزبي الوفد والأحرار الدستوريين، فاستبدلهما الناس بحزبي الأهلي والزمالك. بداعي الفضول بدأت أذهب إلي الاستاد لمشاهدة مباريات الأهلي والزمالك حتي يمكنني أن أشارك في النقاش الذي يدور بين أصدقائي بعد كل مباراة.
 
 
   أردت أن أعرف لماذا يشجع أغلبية الناس النادي الأهلي أكثر ممن بشجعون نادي الزمالك، فقرأت كنيبات كانت منتشرة عن النوادي، عرفت منها أن النادي الأهلي كان معظم أعضائه ضد الاستعمار الانجليزي والكثير منهم كانو يقومون بأعمال فدائية ضد المستعمر، لذلك اختار قميصه باللون الأحمر لون الدم، وكان يرأسه عبود باشا أعظم اقتصادي مصري وطني عرفته البلاد. في المقابل بدأ النادي المنافس تحت اسم نادي المختلط يجمع بين المصريين والانجليز كأعضاء للنادي وأيضا كلاعبين واختار قميصه باللون الأبيض وخطين أحمرين يمثلان اخنلاط المصريين بالانجليز. وبعد اتفاقية 1936م التي أنهت الاستعمار ورحّلت جنوده إلي منطقة القنال، أصبح النادي خاليا من الانجليز الذين كان النادي يحتمي بهم، غيّر النادي إسمه إلي نادي فاروق الأول حتي يكون تحت حماية القصر، وحين رُحّل فاروق بعد حركة الضباط إلى كابري غيروأ إسم النادي مرة أخرى ألي نادي الزمالك رغم أن مقره بميت عقبة، تمسُحا في علية القوم المقيمين بالزمالك، وصار النادي تحت حماية المشير عبد الحكيم عامر شخصيا. حينئذ اخترت النادي الأهلي ليكون فريقي المفضّل ولكن دون تعصب لإيماني بأن لعبة كرة القدم مجرد رياضة ولابد أن يتصف الرياضي بالروح الرياضية.
 
 
   وما زالت حكوماتنا الموقرة منذ حركة الضباط حتي الآن تشجع التعصب الرياضي رغم وجود العديد من الأحزاب السياسية الكرتونية ومعظمها أحزاب دينية غير دستورية، جميعها في جانب الحاكم ولا توجد أي أحزاب معارضة حقيقية.
 
 
   في الدوري الحالي رقم 119 للعام الرياضي 2019-20120م كان فريق الزمالك مهزوزا حتي وصل ترتيبه بين فبق الدوري إلي المركز السادس، لكنه استطاع تدارك الموقف وبدأ في التحسن عندما لعب أفريقيا (بطولة كأس أبطال أفريقيا) وحالفه التوفيق واستطاع الهروب من نكسة دور الـ 16 التي كانت تلازمه. وواصل التقدم في الدوري المصري حتي وصل للمركز الثاني الذي يدمنه بعد الأهلي ولكن بفرق شاسع من النقاط (18 نقطة)، واستطاع الاستمرار في الانتصارات بمباريات كأس أبطال أفريقيا حتي وصل للدور النهائي ليقابل النادي الأهلي علي البطولة، وكالعادة خسر البطولة وأصبح الوصيف.
 
وفي بطولة كأس مصر الـ 88 خسر نادي الزمالك من نادي طلائع الجيش في مبارة القبل نهائي ليخسر الوصافة أيضا. لينتصر نادي الأهلي علي نادي طلائع الجيش في النهائي ليحقق النادي الأهلي البطولة السابعة والثلاثون لكاس مصر ليحقق البطولتين المصريتين (الدوري والكأس) والبطولة الأفريقية وهي بطولة أبطال أفريقيا ليستعد لبطولة العالم للأندية القادمة.
 
 
   أري أن سبب انهيار فريق الزمالك لكرة القدم هذا العام رغم الجاهزية وكتيبة اللأعبين المتميزين لديه تكمن في سببين رئيسيين:
ـ أولها كيس الرز المسمي تركي بن شيخ ذلك المسخ الصحراوي الحاقد علي مصر الحضارة، وريادة مصر في كل المجالات خاصة كرة القدم، متناسيا ما قدمته مصر لدولته ولولاها لظلوا حفاة رعاة كما كانوا. أراد أن يتسلل للرياضة المصرية وخاصة كرة القدم ليوقف تقدمها، بدأ التودد للنادي الأهلي الذي وضعه كرئيس فخري للنادي، وحين استشف ما يضمره ويعمل جاهدا لتحقيقه تراجع واعتذر له بلباقة، فتلقفه بلهفة مرتضي منصور رئيس نادي الزمالك "وسبب انتكاسته"، وصار تابعا مخلصا له يقف الساعات منتظرا قدومه بالمطار وينحني كخادم لاستقباله متناسبا أنه من أكبر المحامين ويرأس ناديا من أكبر نوادي مصر وأنه عضو مجاس نواب برلمان مصر العظيمة. أغراه باستقدام أفضل المدربين وتعهد بدفع راتبه الكبير،كما تعهد باستقدام لاعب الأهلي المتميز عبد الله السعيد الذي اشتراه نادي أهلي جدة من الدوري الفنلندي ليلعب للزمالك مجانا. بعدها نكص بتعهده واستقدم السعيد ليلعب لناديه الذي اشتراه بغرض القضاء علي الرياضة المصرية (بيراميدز)، ولما فشل بيراميدز في القضاء علي ريادة النوادي المصرية باعه. زاد حنقه علي نادي الزمالك وأراد أن يوقف تقدمه، قال لمرتضي منصور بكل وضوح: من الآن فصاعد ادفع لمدرب ناديك راتبه من مال ناديك، مما دفع مرتضي منصور للتخبط في اختيار المدربين الأكفاء لعدم قدرة النادي علي دفع مرتب مدرب ذو قدرات خاصة. وإقالة من لا ينفذ تعليماته وأوامره، والتغييرات المستمرة للمدربين تسبب الربكة لللاعبين.
 
 
ـ ثانيها رئيس نادي الزمالك نفسه (مرتضى منصور الشهير بمورتا) الذي كان معول هدم لفريقه بسياسته الغير متوازنه فتارة يغدق المال بلا حساب علي بعض أفراد الفريق ويحرم البعض منها وتارة يهدد اللأعبين ويسبهم بأقذر الألفاظ ويهدد بوقف من يراه غير موفق في اللعب، فصار اللاعبين يلعبون إما تطلعا لمزيد من المال أو خوفا من العقاب دون النظر لحب النادي والانتماء الحقيقي له. هزائم الفريق في بدايات الدوري المتكررة، جعلته غير قادر علي السيطرة الفعلية علي الأمور وازدادت حدته وسلاطة لسانه وادعائه الدائم بمحاباة اتحاد اللعبة والمحكمين للنادي الأهلي وضد فريقه، رغم أن الإحصائيات تؤكد أن جميع النقاط التي خسرها فريق الزمالك تعادلا أو هزيمة كانت بمحكمين أجانب، وأن فريقه كان المستفيد الأكبر بركلات الجزاء الغير حقيقية بالتحكبم المصري، وأن فريق النادي الأهلي من أكثر النوادي التي احتسب عليها ضربات جزاء ساذجة وغير حقيقية بالتحكيم المصري. وسلاطة لسانة وسبّه كل رموز مصر الرياضيين والسياسيين تسببت في وقفه عن مزاولة أي رياضة لمدة أربع سنوات وعزله من رياسة نادي الزمالك، وفي الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب خسر بجدارة عضويته للبرلمان التي كان يختبئ بحصانتها للهرب من مقاضاته لسبّه وتجريح كل من يعارضه ويخالف رأيه.
 
 
   وفي النهاية لا يسعني إلا أن أهنئ الأهلي لحصوله علي بطولة الدوري العام المصري المستحقة وبطولة كأس مصر إضافة لبطولة أبطال أفريقيا رقم تسعة ونهنئ الزمالك أيضا علي الوصافة التي أدمنها. ونقول لنادي الزماك هارد لك وخيرها في غيرها، وألف مبروك لتخلّص النادي من سبب انتكاساته المتوالية.