فيفان سمير 
 
 
لم يصدق عينيه وهو يراها تلعب تقفز وتجرى في رشاقة ملفتة للنظر، تضحك من قلبها مع أطفال الرحلة التي تصحبها لزيارة منطقة الأهرامات، تحتضنهم، تداعبهم، تطعمهم وتحادثهم في صبر لا ينتهي، عيناها تتراقصان فرحا وهي تركض خلفهم ومعهم فيذوب فارق السن وكأنها عادت بعمرهم. 
 
 
هو يتذكر جيدا أخر مرة رآها فيها، كانت باكية، حزينة، عيناها ذابلتان متوسلتان له ألا يتركها، ألا يرحل، ألا يلقى بعشر سنين من عمرهما وكأنهم لم يكونوا ولكنه ذبحها بسكينه البارد، بكلمة أطلقها من فمه بلا ندم، كلمة وضعت خطا فاصلا في حياتها وأصبح تاريخها قبل وبعد الطلاق. 
 
ظل يتأملها وقد أعادت الى ذاكرته أول لقاء بينهما حين كانا في كلية التربية الرياضية واقيمت مباراة كرة سلة بين الطلاب والطالبات، كانت هي قائد الفريق، تنادى على زميلاتها لتحفزهم وتحثهم على اللعب، تخطف الكرة بخفة ورشاقة وتطير بها تعانق السماء وتسجل الأهداف وتخطف القلوب. 
 
وتكررت اللقاءات بينهما وولد ذلك الساحر الذي جمع قلبيهما كل سنوات الدراسة، وتم تعينهما في مدرسة واحدة، وتمت خطبتهما في نفس السنة، كانت روحها المرحة المنطلقة محل اعجاب وجذب لكل زملائهما، مما كان يثير غيرته وغضبه، فطلب منها الاستقالة بعد زواجهما مباشرة، بحجة رعاية بيتها وزوجها، وبعد محاولات فاشلة لأثنائه عن طلبه، خاصة وقد قررا تأجيل الأنجاب قليلا ولم يكن هناك ما يشغلها، استسلمت على مضض حيث كان العمل بالنسبة لها متعة وليس مجرد اداء واجب. 
 
بعد استقالتها من عملها جاء الدور على النادي، وقراره بعدم الذهاب بدونه، ثم اعذار متتالية لعدم الذهاب، لذلك كانت تقضى ساعات طويلة ليس لديها ما تفعله سوى الأكل، مع عدم ممارسة الرياضة التي اعتدتها منذ صغرها، كانت النتيجة المؤسفة كيلووات تضاف لوزنها يوم بعد يوم وتثقل روحها التي بدأت تزهد كل شيء. 
 
فقدت رشاقتها ورغبتها في الحياة، ومرحها، وضحكتها التي كانت تزلزل القلوب، وبدأ هو يتململ، ويعترض على مظهرها لدرجة أحراجها وأحيانا جرحها حتى أمام اقاربهما واصدقائهما، وهي تجلد نفسها بإحساس الذنب، لكنه لا يساعدها لحل المشكلة بل يزيدها تعقيدا، الى ان واجهها في يوم انها لم تعد الفتاة التي أحبها وتمناها وتزوجها، بل واحدة لا يعرفها ولا يرغب فيها وان الانفصال هو الحل الوحيد، حاولت كثيرا حتى أخر دقيقة الاحتفاظ به، والدفاع عن حبهما وحياتهما، لكنه كان قد أتخذ قراره بلا رجعة. 
 
تقدم منها بخطوات مترددة ليصافحها، وبنظرة سريعة ليدها اليسرى تأكد أنها لم تتزوج رغم مرور ثلاث سنوات على طلاقهما، انتبهت له دون ان يتكلم، وبسرعة تغيرت ملامحها الى غضب أو ضيق، فهذه أول مرة يتقابلا منذ ذلك اليوم الذي انخلع فيه قلبها ولم يعد، لكنها مدت يدها لتصافحه ولم تستطع سحبها، فقد تعلق بها لا يريد افلاتها. 
 
حررت يدها بصعوبة وإصرار من يده، وبادرته بالسؤال عن أحواله، فبدى حزينا وهو يجيبها أن حياته لم تستقر يوما واحدا منذ انفصالهما، وانه يبحث عنها في كل واحدة يراها، تلك الروح التي أسرته حتى بعد أن افترقا، لم يستطع الارتباط بغيرها رغم محاولاته المتكررة. 
 
ثم سألها عن أحوالها التي تبدو على ما يرام، فأجابته انها استعادت ما فقدته خلال سنوات زواجهما، رشاقتها، ضحكتها، حب الحياة، روحها المتحررة المنطلقة، عادت لنفسها التي ضلت طريقها وهي معه، وعادت لعملها الذي تعشقه كمدرسة، وأنها مستمتعة جدا بحياتها، وأجابت سؤاله الذي بدى في عينيه، وإن لم يسأله، أنها معه تكون واحدة أخرى، هي لا تعرفها ولا ترغبها بل ترفضها وتحتقرها، ضعيفة مهزومة ومسلوبة الإرادة، هو أيضا لن يرضى بها، تموت تلك الروح التي يعشقها ويبحث عنها، يقتلها باسم الحب وحين لا يجدها، يلقى باللوم كله عليها، ويتحول عنها دون عتب على نفسه، فهو الطريق الأسهل. 
 
الحب وحده لا يكفي، من يحب الزهور يسقيها ويرعاها ومن يحب نفسه يقطفها وحين تذبل يلقى بها وينساها.