بقلم : نجيب محفوظ نجيب
عندما صاح الديك...أدركت أن الفجر قد بدأ يلوح...طويت الكتاب...وضعت نظارتى...أرتديت ملابسى...ذهبت فى طريقى...
لم يمنعنى فقدان البصر من الصلاة و حضور القداسات فى الكنيسة...كما لم يمنعنى من القراءة...تعلمت القراءة بطريقة برايل...و حفظت الطريق الى الكنيسة...فلم أعد أتعثر فيه...
 
لم أترك اليأس يتسرب الى أعماقى...يحتل نفسى و عقلى...فبالرغم من الظلام الذى يسود حولى...أشغر دائما أن الشمس لا تزال تشرق...تبعث الحياة فى قلبى...فالمسيح هو شمس البرالتى أحس بها و أراها دائما و هى تشرق والشفاء فى أجنحتها (مل 4:2)...
 
لم أعد أرى بعينى... و لكنى أصبحت أرى بقلبى الذى يملأه النور الحقيقى...
 
أنتهيت من صلاة القداس الألهى و التناول من الأسرار المقدسةو قبل أن أغادر الكنيسة...بحثت عنه...فلم أجده...سألت أحد الأشخاص عنه...فأجابنى:أنه لم يأتى اليوم لأنه مريض....كنت مرتبطا به الى أقصى الحدود...فهو انسان روحى بكل ما تحمل الكلمة من معانى...ألمس قوة محبته للمسيح و قوة صداقته له...فأشعر بضعفى...فهو يتكلم مع الميح كصديق يعرفه تمام المعرفة يحدثه و يستمع اليه...يحبه من أعماق القلب...
 
ذهبت اليه فهو يسكن فى جوار الكنيسة...أقتربت منه...حاولت أن أمنع دموعى لكنى لم أستطع...أقترب منى...فوجد دموعى تسيل من عينى...مد يديه...أحتوانى بين ذراعيه...كفف دموعى...همس الى بصوت يملأه الرجاء...
 
" إن عشنا فللرب نعيش و ان متنا فللرب نموت فان عشنا و ان متنا فللرب نحن " (رؤ14:8).
 
أخبرنى عن حقيقة مرضه...فهو مرض خطيرليس له شفاء...طلبت منه أن أبقى الى جواره لكى آخذ بركة خدمته...رفض...لكنى صممت...
مضى عامان...و المرض يفتك به...أشعر به و هو يتألم بشدة...و لكنه لم يفتح فاه...لم يتذمر...لم يشكو...كان دائما يشكر المسيح لأنه وهبه المرض لكى يشترك معه فى الآلام...آلام الصليب...
 
كان دائما يقول لى: "ان كنا نتألم معه فلكى نتمجد أيضا معه" "لأنه فيما هو قد تألم مجربا يقدر أن يعين المجربين" ...الى أن أتت اللحظة التى فارقت فيها الروح الجسد...رحل عنى... تاركا فى نفسى أثرا عظيما... ذكرى غالية... رمزا نادرا للحب... حب الفادى الحبيب الذى علمنا الحب بلا حدود... الحب بلا نهاية...