محمد أبوقمر
 
الحياة في خدمة الدين وهو هدفها الوحيد ، والدين هو مركز المعرفة ومحتوي كل علم ، وهو الهدف من كل نشاط إنساني ، وأي محاولة إبداعية يري رجال الدين خروجها عن النصوص المقدسة تعتبر كفرا يُسجن صاحبها أو يقتل ، هكذا كانت أوروبا تعيش ظلام العصور الوسطي إلي أن أنقذها فلاسفة التنوير من هذه العتمة حين عكسوا المسألة تماما إذ صار الدين في خدمة الحياة ووسيلة فقط من وسائلها لتدعيم الجانب الروحي للبشر ، وهكذا تخلص العقل الأوربي وتخلصت روحه من سطوة رجال الدين ، وانفك أسر العلم وانطلق النشاط الإبداعي في كل اتجاه باعتبار الحياة هدفا لابد من تطويرها وفهمها وإدراك أسرارها ، لم يغب الدين عن حياة الأوربيين ، لكنه بقي فقط علاقة فردية خاصة جدا بين الفرد وخالقه ، وإنما الذي انتهي إلي الأبد هو الوجود الفاسد لرجال الدين في العلم والسياسة وكافة تفاصيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية .
 
ربما تكون أزمتنا هي اعتبار الدين مركز المعرفة والمصدر الوحيد للوعي ومحتوي كل العلوم (الإعجاز العلمي) وأن حياتنا فانية لا قيمة لها إلا في الالتزام بتعاليم رجال الدين كي نضمن الوصول إلي الخلود دون الوقوع في الخطايا التي تودي بنا إلي الجحيم .
 
ربما كان خروج أوروبا من ظلام القرون الوسطي يسيرا لأن الحياة كانت فقط في خدمة الدين ، بينما حياتنا نحن الآن هي في خدمة رجال الدين مما يجعل الأمر صعبا ، بل أشبه بالمستحيل ، لأن التنوير في أوروبا خرج من عباءة الدين وهو يحاول تطوير مفاهيمه وجعله وسيلة من وسائل نمو الحياة ، غير أن الصعوبة في حالتنا وما جعل كوننا في أزمة شبه مستحيلة هو أننا لا نخدم الدين في أي فاعلية من فاعلياتنا ، بل نخدم رجالا يحتكرون الدين وينتجون لنا الوعي والمعرفة وفقا لقناعاتهم المذهبية .
 
التدين الشكلي ( الملبس واللحية والسجود في الملاعب وكيفية دخول الحمام ووضع الساعة في اليد اليمني وغير ذلك من المظاهر الشكلية ) ليس من صلب الدين وإنما هو وعي ومعرفة من إنتاج بعض رجال الدين ، التكفير وكراهة الآخر وتحقير المرأة وتسفيه العلم ( الإعجاز العلمي) ليس من المقاصد الإلهية وإنما هو وعي ومعرفة من إنتاج بعض آخر من رجال الدين ، القتل والتخريب والتدمير وتحريم الفنون والاسترابة من الإبداع لم ينزل بها نص صريح لكنها من افتكاسات بعض ثالث من رجال الدين.
 
وهكذا فإن أزمتنا أكثر تعقيدا من أزمة أوروبا في عصور الظلام حيث كانت الحياة في خدمة الدين بينما تمضي حياتنا نحن في خدمة رجال الدين وليس الدين ذاته.