بقلم وفاء هندى حليم
 
"لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام"            
  اليونسكو
بمناسبة اليوم العالمى للسلام فى الواحد والعشرين من شهر سبتمبرمن كل عام أودٌ ان ألقى الضوءعلى منظمة اليونسكو ودورها للسعى فى تحقيق السلام العالمى ،هي مُنظَّمة الأُمَم المُتَّحِدة للتربية، والعلم، والثقافة، وتسعى برامجها الى التنمية المُستدامة، وتحقيق السلام المَبنيّ على الحوار المُتبادل، والتوافق الأخلاقيّ، والفكريّ، ونَبذ الكراهيّة، والتعصُّب، والحفاظ على حُرّية التعبير، والديمقراطيّة. فكرة التأسيس للمنظمة جاءت كردٍّ على العُنصريّة والعنف الذي اتَّسمت به الحرب العالَميّة مُؤكِّدة باستمرار على الدور الإنسانيّ للعلم، والثقافة، والتربية حيث تأسَّست عام 1945م، ويتكوَّن أعضاؤها من 195 دولة بالإضافة إلى ثمانية أعضاء مُنتسِبين إليها ، من المؤكد أن الترتيبات السياسية والاقتصادية للحكومات لا تكفي لضمان التزام الشعوب التزاماً ثابتاً ومخلصاً إذ يجب أن يقوم السلام على الحوار والتفاهم، وأن تُرسى أسسه على التضامن الفكري والمعنوي بين بني البشر لذلك تعمل اليونسكو على إيجاد أدوات تعليمية لمساعدة الناس على العيش كمواطنين عالميين بمنأى عن الكراهية والتعصب .
 
هذه المبادئ التى تتبناها منظمة اليونسكو لابديل عنها لبناء العالم الإنسانى بمنظومته الحديثة وتحقق الحضارة الإنسانية المرتقبة على اسس سليمة ولكن التنوع الثقافي يتعرض للاعتداء فهناك تحديات تعترض عملية السلام وضمان حقوق الإنسان ومنها الأشكال العديدة للتعصب، ورفض الحقائق العلمية والإنسانية اللاذمييْن لهذا البناء، وما زالت اليونسكو متمسكة بواجبها المتمثل بتأكيد أهمية المهام الإنسانية للتعليم والعلم والثقافة. لقد بات من الواجب إِيجاد إطارٍ عالميّ حقيقي واعتمادُه لإصلاح الخلل فى العالم فكيف يمكن للبشرية أن تتخلص من أفكار واتجاهات تقادمت عليها القرون والأعصار وأوصلتها إلى ما هي عليه من شقاء وتعاسة؟
 
إنه سؤال يدعونا إلى البحث عن أسباب النزاعات والحروب والتي انهزمت فيها جميع القيم الإنسانية والأخلاقية والروحانية التي غرستها فينا الأديان السماوية المتعاقبة والقيم الإنسانية عبر التاريخ وليس من منتصر سوى قانون الطبيعة والغاب.  ولكى نعالج تلك التحديات علينا التعرف على تلك الأسباب ومعالجتها ،إن من أكثر اسباب الشقاق بل وأقواها تأثيراً التعصبات على اختلاف انواعها .التعصب ذلك العنصر الهدام الذى يفتك بمقدّرات الإنسانية الأخلاقية والفكرية ،إنه ذلك المرض الفتاك الذى يصيب العقل البشرى فيمنعه عن الوصول الى الحقائق بصورتها السليمة ويحجب الرؤى فلا يرى العقل الا الكره والحقد تجاه الآخر.
 
فلنبدأ بالتعصب الديني ولا شك أن كل منصفٍ يُقرّ بأن جذور العداء القائم بين أهل الأديان وما تبعه من صراعات وحروب دموية كان سببه فقدان المفهوم الحقيقي للدين حيث أن دينَ الله واحدٌ ووظيفته الأساسية هى تمهيد الطريق أمام الروح لترتقى وترتبط بخالقها ، وظيفة الدين نشر روح المحبة والتسامح والوئام إذ حلَّ محله آراء وأفكار ولكن للأسف قد أبعدت الإنسان عن الجوهر الحقيقى للدين  فكانت الفرقة والتشيع والصراع والإقتتال، وأصبح الإنسان حبيس تقاليد وتفاسير ومفاهيم تتقاذفه بكل حيرة ويأس، فمنذ أوّل تاريخ البشريّة إلى يومنا هذا كّفّر أتباع الأديان المختلفة في العالم ونسبوا الباطل إلى بعضهم البعض، بل وصل الأمرإلى المعاداة بكلّ وسائل الجفاء والبعاد متناسيين اننا بنى البشر جميعنا أثمار لشجرةٍ واحدة وأوراق لغصنٍ واحد.
 
ولننظر الى االأنواع الآخرى من التعصبات كالتعصب العرقى والذى يٌعَد وَهْماٌ من الأوهام لأنّ الله خلق البشر جنساً واحداً وليس في الوجود من حدود، ولم تتعيّن بين الأراض حواجز فجميع الأجناس البشريّة واحدة لدى الله لا امتياز بينها ،إذاً فلماذا يجب أنْ يخترعَ الإنسان تعصّباً كهذا التعصب؟ فهل يجوز لسبب وهميّ أنْ نتـنازعَ ونتحاربَ؟ هل يخلق الله البشرمن أجل أنْ يهلك بعضهم البعض؟ 
 
  انّ لجميع الأجناس والملل والطوائف والقبائل نصيب من فيض عناية الله ، فقط مايميز البشر بعضهم عن بعض هو الأخلاق والفضائل والتى باكتسابها يكون النفع على البشرية فتفيض المحبة والعطاء على الجميع ،أمّا التعصب السياسي أو الوطني فلا يقلّ ضرراً ووبالاً .   
 
 ثم نأتى إلى التعصب الجنسى والذى مازال يحد الكثير من قدرات المرأة فى بلدان العالم المختلفة  فتكون النتيجة عدم تحقيق العدل نحو نصف سكان المعمورة وعدم الإستفادة من قدرات المرأة ومواهبها فى العطاء والبناء. 
 
إن المساهمات التي تستطيع  ان تقدمها النساء في جهود بناء السلام والتي تُدرج فيها النساء بوصفهن عناصر فاعلة رئيسية تميل إلى أن تكون أكثر إثمارًا وطويلة الأمد فعندما تكون المرأة ممثلَة بأعدادٍ أكبر في مجموعات المجتمع المدني وفي التشريعات  يكون العنف والحرب أقل ووفقًا للعديدِ من الدراسات ترتبط المستويات الأعلى فى حالة تقدم المرأة بانخفاض الميل للنزاع بين الدول.  
 
علينا إذاً السعى وبكل جهد للتخلص من الأفكاروالقناعات التى عفى عليها الزمن وتدفع بنا الى غياهب الظلمات فنسعى جاهدين بروح المحبة والوحدة والإخاء نحو تحقيذق السلام ، فإذا وجه كل  كل واحد منا أفكاره ومشاعره وأعماله بالمحبة والإتحاد نحو العالم الإنسانى وبدلاً من ان يمتلئ القلب بالكره يفيض بالصلح والوئام وسعى البشر إلى خدمة من حولهم بروح التآخى  لتحول العالم من هذا العالم المتصارع الى عالم متحاب متجاذب ، علينا الأعتراف بوحدة الأسرة البشرية وحتمية ترابطها والأهتمام الحقيقي بالجميع دون تمييز ،وأن نُسلم بوجوب فكرة التعلم وخاصة بين الأمم بعضها البعض والقبول الطوعي للنكسات والعثرات باعتبارها جانب لا مفر منه في عملية التعلم واكتساب الخبرات. 
 
إن بذل الجهد الواعي لضمان ارتباط التقدم المادي بالتقدم الروحي كجناحى لتحليق الإنسانية نحو العلى والسعى نحو البناء لا الى الهدم والتآلف والتعاون المتبادل بين شعوب وأمم الأرض بغض النظر عما قد يقوله أو يفعله قادة قوى الإنقسام في العالم  إذ انه ضرورة حتمية  وقد بات واضحاً أن رفاهية الجزء تعني رفاهية الكل ، والضيق للجزء يجلب الضيق على الكل، وقد يظن الكثيرمن البشر ان تحقيقَ السلام العالمي أمرٌمستحيلٌ ولكنه فى الحقيقة امرٌ حتمى الحدوث ذلك لو انبعثت من أعماق القلوب الإرادة الحقيقية نحوالمحبة والألفة ولو تخلينا عن فكرة ألإمتلاك الحصرى للحقيقة  لكل فصيل ، فلو سعينا جميعناً الى هذا لسرت الأفكار الطيبة وانتشرت بين البشر فخلقت نفس الأماني والمساعى لدى الآخرين، وازدادت قوتها حتى تصبح نمطاً فكرياً للعالم.                                                                                                           
 لابد من إقامة نظاماً إجتماعىاً سلمياً شاملاً يحقق فيه الفرد بمبادراته ومساعيه وإبداعاته مصلحة المجتمع ومصلحة العالم فنحقق جميعنا بناء حضارتنا الإنسانية المرتقبة التى تسع البشر جميعاً فى ظل تنوعهم . 
 
كل عام والعالم الإنسانى اكثر نضجا ونمواً ورغبة حقيقية نحو البناء وتحقيق السلام العالمى. .                                                                                                                                          
 
.