وليد طوغان

شرّع الله الأديان لصلاح المجتمعات.. ومصالحها.. لذلك فالأديان السماوية مرنة.. مرونتها فى قدرتها على استيعاب ما يستجد من أحداث.. وتوفير ما تطلبه المجتمعات الحديثة من أحكام شرعية عصرية.
 
لكن السلفيين جمّدوا الدين.. وعلّبوه.. وصدّروه فى ورق مفضض.
 
نحن الخلف.. والمسلمون الأوائل هم السلف. وإذا كانت آراء السلف لم تعد تصلح لمجتمعاتنا الحديثة.. فهذا ليس عيباً فى السلف.. ولا هى نقيصة فينا كخلف.
 
أبوبكر الصديق كان سلفاً للإمام «الشافعى».. وكان «الشافعى» خلفاً لـ«أبى بكر».. مع ذلك فإن «أبوبكر» لم يقدم للفقه مثلما قدم «الشافعى».. ولا قدم «عثمان بن عفان» للمسلمين.. مثلما قدم «مالك» و«أبوحنيفة» من اجتهادات.
 
ليس عيباً فى «أبوبكر» ولا هى ميزة لمالك أو الشافعى أو أبوحنيفة.. كل ما هنالك أن الآخرين اتسعت رؤاهم لمقاصد الدين.. بعدما تغيرت ظروفهم الاجتماعية والفكرية.
 
الفترة الزمنية بين أبى بكر والإمام الشافعى هى التى أتاحت للأخير استيعاباً أكثر.. ورؤية أوسع للدين.. وهى التى حرّضته على أحكام جديدة.. تناسب الزمن الجديد.
 
لكن السياسة أسهمت كثيراً فى نصرة المدرسة السلفية التى سيطرت منذ سنوات ما بعد مقتل عثمان بن عفان وحتى سقوط الخلافة العثمانية.
 
فى تلك الفترة الزمنية كُتِبَ أغلب الصحاح والمسانيد.. من أول صحيح البخارى ومسلم.. وانتهاء بمسانيد ابن حنبل.. وقتها هيمن الفكر الأشعرى على العقيدة وعلى شروحها.. فأقر قَسْراً ما يُعتمَد عليه من كتب.. ومنع تعمداً ما يجب ألا يعتد به المسلمون.
 
وقتها أيضاً فرضت المدرسة السلفية من يجوز النقل عنه.. ومن لا يجوز.. ثم اعتبرت أن كل ما لم تجزه من أفكار.. يعتبر خروجاً على الدين.. وإنكاراً للمعلوم منه بالضرورة!!
 
هل تصدق أن «البخارى» رفض رواية الحديث عن الإمام أبوحنيفة.. باعتبار أن الآخر أحد رؤوس الأخذ بالرأى.. وإعمال العقل؟!
 
المشكلة أن الإسلام مرن تقدمى.. بينما المفهوم السلفى ضيق مقيد.. يعتمد على فهم المسلمين الأوائل.. ويتمسك بأحكام المسلمين الأوائل.. رغم أن فهم الأوائل للإسلام لم يكن إلا مجرد اجتهاد.
 
أزمة السلفيين أنهم يؤمنون بأن العودة بالمسلمين من القرن العشرين لقرون الإسلام الأولى هى أهم مقاصد الدين.. لذلك فالسلفية رجعية سدت أبواب تطور «الخلف».. تمسكاً بآراء «سلف» ماتوا.. وولت أزمنتهم.
 
التيار السلفى هو الوحيد تقريباً الذين لم يطرأ عليه أى تغيرات فكرية فى تاريخ الإسلام مهما تغيرت الأزمان.. وهو أيضاً التيار الوحيد الذى لا يزال أبناؤه يتدارسون الآراء القديمة.. والمسائل القديمة.. وحلول الصحابة القديمة للمشاكل الفقهية القديمة أيضاً.. فيعتبرونها بإصرار حلولاً وأحكاماً وتشريعات تصلح لكل زمان ومكان.. ويصرون على أن نعترف نحن أيضاً بذلك.
 
يريد السلفيون العودة بالحاضر للماضى.. مع أن النظرة للمستقبل هى أول مقاصد التشريع.. فى الإسلام.
نقلا عن الوطن