سحر الجعارة
1 - «أولاد الأكابر»: حفل صاخب فى فندق خمس نجوم عام 2014، شلة شباب يخفون «السادية» تحت الملابس الأنيقة وأسماء العائلات التى تترجم معانى النفوذ والسطوة.. قرروا إقامة حفل شواء بلحم طازج لشابة تصادف وجودها فى الحفل.. لم تتلاعب الخمر برؤوسهم، إنهم اعتادوا امتلاك كل شىء وأى شىء بقانون: «أبى على كل شىء قدير»!.

لم تعد المتع الطبيعية تغريهم، لقد جاءوا من عالم يتحكم فى رقاب البشر، يستعبدهم بقوة «المال»، بعضهم لا يعرف معنى كلمة «عصامى»، ولا يسأل عن مصدر ثروة السيد الوالد، (لاحظ الحقد الطبقى فى لهجتى)، فهؤلاء ليسوا من سلالة «رجال الأعمال الصالحين»، أصحاب الأيادى البيضاء التى تسدد الضرائب وتقيم المشروعات الخيرية.. فبعضهم جاء من صلب مرحلة الانتهازية والفساد السياسى والاقتصادى فى عصره الذهبى (حكم مبارك) التى ضربت العمود الفقرى للبلاد.. فليس غريباً أن تتطابق نزواتهم ورغباتهم الجنسية مع عالمهم المشبوه.. إنهم الآن من «كريمة المجتمع» وعلى «صاحبة العفة» أن تركع عنوة!.

هكذا خدروا «الضحية» وحملوها إلى مخدع دنس، تناوبوا على اغتصابها بنهم وحشى.. ولأنهم من أصحاب «اليد العليا» لعبت نشوة الانتصار الخسيس على «جثة مخدرة» لم تقوَ على أن تلعن من جاءوا بهم إلى الحياة ولا أن تقاومهم.. فبدلاً من التستر على جريمتهم وقعوا بأسمائهم الفخمة على أماكن حساسة فى جسد الفتاة.. وبغل غير مبرر أحرقوا سجائرهم فى جسدها بعدما التهموه.. ثم فروا بفعلتهم!.

2 - «هكذا أتخيلها»: أفاقت الشابة من خدرها، كانت كلمات أمها تتردد على مسامعها: (اخفضى صوتك، ضمّى ساقيك فى خطوتك، اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24.. إلخ قائمة التعليمات).. تحسست جسدها، نعم إنها آثار رجل بل رجال تركوها غارقة فى دمائها ومائهم النجس.. أشعلوا الحرائق فى جسدها فى كل ما تعرفه عن معانى «الشرف والفضيلة»، انتزعوا «عقد الياسمين» الطاهر الذى كان يزين جبينها.. نظرت فى المرآة فإذا بها عارية من سترها، ثم علمت أن الأوباش صوروا جريمتهم القذرة لتهديدها حتى لا تبلغ النيابة.

3 - «العار»: ست سنوات عينها «مكسورة» لا تقوى على أن تنظر فى عيون أحد من أهلها، أصدقائها، جيرانها.. ست سنوات تتمرغ -وحدها- فى الوحل عله يشفى تشوهات روحها.. ست سنوات وهى تتحسس موطن عفتها فتجرحها أشواكهم المغروسة فى لحمها.. الآن عرفت كل من حفر اسمه على جسد لم يعد ملكها!.

وما بين جلد الذات وشبح الفضيحة اكتشفت أن القصاص لعرضها المستباح «قضية خاسرة»، ثم جاءت مجموعة «بوليس الاعتداءات الجنسية»، على موقع إنستجرام، 100 سيدة وفتاة، «دون السن القانونية»، تعرضن للتحرش من فرد واحد، مجرم من محترفى اغتيال الشرف.. الآن فقط أدركت أنها مجرد «رقم» فى جدول ضحايا التحرش والاغتصاب، وأنها ستظل رهينة عندهم خاضعة للابتزاز وتكرار الاغتصاب الجماعى من شلة مجرمين بالفطرة تحكمهم غرائزهم وتحرضهم شهواتهم لممارسة ساديتهم دون أى رادع أخلاقى أو دينى.

4 - «المجلس القومى للمرأة»: جبنت الضحية على التوجه لقسم الشرطة أو النيابة، لم يسعفها صوتها لتصرخ. لقد اعتادت الموت البطىء فى صمت، وجدت فى نداء الدكتورة «مايا مرسى» للضحايا بالإبلاغ عن وقائع التحرش والاغتصاب ثوباً جديداً، فرممت جسدها المهلهل وتقدمت بشكوى إلى «المجلس القومى للمرأة»، والذى أحالها بدروه للنيابة العامة وتحقيقاتها، ومرفقاً بشكواها شهادات مقدمة من البعض حول معلوماتهم عن الواقعة.

5 - «اتكلموا»: خرجت الضحية من زنزانة الصمت لتواجه طوفان الفتاوى الآثمة التى تضعها فى قفص الاتهام، كتائب الإدانة المشرعنة جاهزة لاغتيالها، «العمائم» جاهزة لنهش شرفها وانتهاك كرامتها وجلدها بالنميمة.. إنها مجرد «جارية عصرية» أو «فتاة ليل» سمِّها ما شئت.. المهم أن تطبق عليها فتاوى سبى النساء وملك اليمين.. فنحن أمام شلة شباب قادر على شراء أى جارية.. ومن يُصدر له الفتوى ليس إلا عبداً فى مملكة الطغاة.. إنهم «شركاء» فى نصب شباك السادية الجنسية: من أفتى أطلق مخزون الهوس الجنسى المكبوت فى عقله الباطن كمن هيَّأ الفراش -تماماً- لمن التهم روح الضحية وجسدها!.

من أفتى هو من حوَّل واحتنا إلى غابة مفخخة بألغام تنفجر فى الضحية ليفلت الجانى.

6 - «الإنصاف التشريعى»: قررت النيابة القبض على المتهمين مع وضع أسمائهم على قوائم الترقب والوصول ومنع السفر.. لاستجوابهم فيما هو منسوب إليهم، وذلك بعد أن أجرت تحقيقاتها والتى منها سؤال المجنى عليها وعددٍ من الشهود.

وبالتزامن مع سير تحقيقات النيابة، أقر البرلمان المصرى قانوناً يضمن سرية بيانات ضحايا التحرش والاعتداء الجنسى، وذلك بهدف تشجيع النساء اللاتى يخشين الإبلاغ عن مثل هذه الجرائم.

أصبح للضحية أخيراً حصانة ضد التشهير.. أضيفت مادة لقانون الإجراءات الجنائية تحظر على جهات التحقيق الإفصاح عن بيانات المجنى عليهن فى أى من جرائم هتك العرض وإفساد الأخلاق والتعرض للغير والتحرش إلا لذوى الشأن وهم المتهمون ومحاموهم.

فلتخرج كل موءودة خشية الفضيحة من قبرها المظلم، تتحرر من زنزانتها الاختيارية لتضع المجرم فى قفص الاتهام.. أصبح للضحية لوبى ضاغط: (الرأى العام والسوشيال ميديا والنيابة العامة والمجلس القومى للمرأة وسيادة القانون)..

اتكلموا.
نقلا عن الوطن