خالد منتصر
 هاجت الدنيا وماجت عندما كتبت عن ضعف قصة الحمامتين والعنكبوت الشهيرة على مدخل الغار والتى درسناها فى المدارس وشاهدناها فى الأفلام، واقتنع معظمنا بأنها حقيقة دينية من صميم الدين ومن المعلوم من الدين بالضرورة، وكتبت كيف أن كثيراً من الفقهاء القدامى والشيوخ المعاصرين قد قالوا إنهم لا يعترفون بهذه الرواية الضعيفة، حتى المشايخ الذين يتبعهم الإخوان، وعلى رأسهم القرضاوى، قالوا الكلام نفسه، لكن الناس فى مصر صار لهم مزاج عاشق للمعجزات، حتى لو كانت قصصاً ضعّفها دارسو التاريخ ولم تذكرها كتب التراث المعتبرة، ورد الفعل المصدوم العنيف الملىء بالشتائم والتهديدات يعبر عن ضيق صدر وانغلاق أفق شديدين،

ويعبر أيضاً عن أن معظمنا صار عبداً للسائد والمألوف وما يلقن له من جماعة أو تنظيم أو داعية، لم يعد الفرد عبداً للخالق عز وجل الذى أمرنا بالتعقل والتفكر والتدبر وقراءة الكون، وإنما صار عبداً لمن يدعى احتكار الحديث باسم الله، وصار كل منا لا يريد تغيير قناعاته، حتى لو ثبت خطأ تلك القناعات بالمنطق وبالمراجع والمصادر، هو يريد أن يظل تحت مظلة أكاذيبه المريحة وأوهامه المطمئنة، ويكره جهد التفكير وقلقه، الهجرة الحقيقية'> معجزة الهجرة الحقيقية ليست فى حمامتين وعنكبوت،

ولكنها فى صرخة مضطهدين استطاعت أن تشق السماء، وأن تبنى دولة، فى رحلة حملة مشاعل دعوة استطاعوا بمجرد فكرة ورسالة أن يجدوا وطناً بديلاً يستوعب أفكارهم الجديدة، متى نقتنع بأن معجزة الهجرة ليست فى حمامتين وعنكبوت، بل هى فى أناس ضحوا بالاستقرار وقفزوا إلى المجهول فى سبيل نشر رسالة واقتناع بفكرة، المعجزة أن الرحلة والهجرة ليست تقليدية، ليست بحثاً عن مال أو كلأ، ولكنها كانت للبحث عن تحقق عقلى ووجدانى، لم يركبوا الجمال أو الخيول فقط، لكنهم ركبوا الخيال الذى بلا حدود، كانت ثقتهم فى النجاح هى بذرة الانتصار، تلك هى الهجرة الحقيقية'> معجزة الهجرة الحقيقية وليست الحمامة والعنكبوت، الذى يُجهض مغزى القصة ليس من ضعّف وأنكر قصة الحمامتين والعنكبوت، وإنما هو من يصر عليها ويقاتل فى سبيل إثباتها ويشتم ويهاجم ويكفر كل من ينكرها، إنه يجهض عقلانية الدين ورسالته ومعجزته الحقيقية،

دلالات الهجرة هى المعجزة، بداية من شجاعة الصبى الراقد فى فراش النبى مضحياً بنفسه وبأمانه، وعطاء الصديق الذى يتقبل المخاطر، لأنه مقتنع بصدق وأمانة وفكرة صديقه ويشاركه الحلم، وصولاً إلى سماحة وجمال من استقبلوا هؤلاء المهاجرين الذين تركوا الوطن والأهل، المعجزة فى حضن هؤلاء الدافئ، وإيثارهم الذى تجاوز كل سقف، فى سبيل ماذا؟؟، فى سبيل الفكرة، المعجزة هى فى أن تدافع عن فكرة أنت مقتنع بها، وتبذل فى سبيلها كل التضحيات، تلك هى المعجزة الحقيقية التى يريدون اختزالها فى قصة حمامتين وعنكبوت.
نقلا عن الوطن