مؤمن سلام

سألت الأستاذ الشيوعي الكبير ما هى الخيانة؟
قال: الخروج على الإجماع الوطني

وقتها اكتفيت بحجم التشابه بين هذا التعريف الشيوعي وبين أحد أسباب الكُفر في الفكر الإسلامي وهو الخروج على الإجماع. إلا أنني وقتها لم أطرح الأسئلة التي يطرحها بعض رافضي الإجماع في الفقه، مثل إجماع من؟ وفي أى وقت؟ وفي أى مكان؟

إلا أن توقيع الإمارات لإتفاقية السلام مع إسرائيل بشكل رسمي وعلني وانطلاق حملات التخوين ضد الإمارات والإماراتيين، ذكرني بالحملات ضد السادات ومصر والمصريين، حتى وصل الأمر برسام كاريكاتير فلسطيني شهير أن صور مصر في صورة العاهرة على أحد أغلفة المجلات الصادرة من لندن، ما أدى في النهاية إلى اغتيال السادات بتهمة الخيانة والكفر، فهلل اليسار المصري لقتل السادات، وانطلق الفلسطينيون في لبنان بمسيرات الإبتهاج مطلقين النار في الهواء احتفالاً بهذه الجريمة.

ولهذا يجب أن نسأل هنا، حتى وان كانت الخيانة كما يدعي اليساريين هى الخروج على الإجماع الوطني، فما هو الإجماع الوطني؟ هل هو الإجماع الوطني المصري أم الفلسطيني أم العروبي أم الإسلامي؟ فعلى سبيل المثال إذا إلتفت رئيس ما إلى مصالح الدولة التي يحكمها وكان توجه الرأى العام فيها مؤيد للسلام مع إسرائيل، فعقدت السلطة الحاكمة اتفاقية سلام مع إسرائيل فهل يكون الحاكم هنا خائن؟

فالحاكم هنا استجاب للرأى العام وللمصالح الوطنية لدولته فلا مجال للحديث عن خيانة الحاكم هنا، إلا أن العروبي لن يرضى بذلك، لأن الرأى العام عنده ليس رأى شعب هذه الدولة أو "القُطر" بمصطلحاتهم ولكنه الرأى العام العربي، أى كل المجتمعات الناطقة بالعربية، وبهذا عند العروبي لن يكون الحاكم فقط هو الخائن بل المجتمع كله، ولهذا لا يتوانى العروبي عن اتهام مجتمعات كاملة بالخيانة والعمالة بل والدعارة. وهذا يسري أيضاً على الإسلاميين الذين يروا أن الإجماع هو إجماع شيوخهم وفقهائهم الذين يحرمون السلام مع إسرائيل، وليس الرأى العام الإسلامي أو حتى كل الفقهاء والمشايخ الموجودون في هذا العصر، ولهذا لا يتورعوا عن تكفير السلطة والمجتمع كله لأنهم خرجوا عن إجماع فقهائهم.

وبهذا تنطلق تهم الخيانة والكُفر ضد كل من يؤيد السلام والتطبيع مع إسرائيل من أفكار لا تؤمن بالدولة الوطنية، ولكن من أفكار قومية وأُممية لا ترى أى حق لمجتمع من المجتمعات أن يُقرر سياساته وفقاً لمصالحه وأمنه القومي ولكن وفقاً لأيديولوجياتهم العروبية الإسلاموية. ولذلك ستجدهم لا يفرضوا هذه الرؤية على غير الفلسطينيين فقط ولكن أيضاً على الفلسطينيين ذاتهم بالرغم أنهم أصحاب المشكلة الأصليين، لأنهم لا يروا فلسطين دولة مستقلة لها قيادة وشعب من حقه أن يقرر لذاته ما يريد وفقاً لمصالحه، ولكن مجرد جزء من أمة عربية أو إسلامية، وعليهم أن يخضعوا لأفكار ورؤية هؤلاء الذين يروا في الصراع مع إسرائيل صراع وجود وليس صراع حدود، وهو ما يعني أنه صراع صفري، على أحد الأطراف أن يمحو الطرف الأخر لكى ينتهي.

ما لا يُدركه هؤلاء أن الصراع الصفري هو في صالح الطرف الأقوى، الذي يربح كل شيء بينما يخسر الأضعف كل شيء.