مؤمن سلام
احتكار السلام والتطبيع هو حصر علاقات السلام والتعاون مع إسرائيل في المجموعة الحاكمة والمتصلين بها ومنع كل من هو خارجها من الإتصال والتعاون مع الإسرائليين سواء على المستوى السياسي أو الإقتصادي أو الثقافي، بحيث لا يستفيد من ثمار السلام والتطبيع إلا الطبقة الحاكمة بينما يُحرم منها أفراد المجتمع.
 
لهذا لم تنشغل الشعوب التي وقعت حكوماتها على اتفاقيات للسلام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل بمسألة السلام والتطبيع، ولم تنحاز لا لدعاة السلام ولا لدعاة الحرب. فمن ناحية السلام، هذه الشعوب لم تستفد إلا حقن دماء أبنائها، بينما ظل وضعها الإقتصادي متدهور بالرغم من توقف الحرب ونفقاتها وما كان يجب أن يؤدي إليه هذا من انتعاش حالتها الإقتصادية وبالتالي زيادة رفاهية المجتمع، إلا أن هذا لم يحدث بسبب احتكار السلام وتحوله لسلام فاسد. ومن ناحية دعاة الحرب، فالمجتمع قد اُرهق من الحروب وفقد أبناءه في معارك خاسرة لم تؤدي إلا لزيادة معناة شعوب المنطقة وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني. لهذا وقفت المجتمعات موقف المحايد، مكتفيه بمكسب حقن دماء أبنائها.
 
ومن هنا جاء عدم إكتراثي مثل ملايين أفراد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باتفاقية تطبيع العلاقات الإماراتية الإسرائيلية. 
 
فمن ناحية، العلاقات الإماراتية الإسرائيلية على خير ما يرام منذ عام 2009 حسب المُعلن حتى الآن، وربما كانت قبل ذلك بكثير، مثل أغلب الدول الناطقة بالعربية التي تحتفظ بعلاقات دافئة باسرائيل في السر ومُجمدة في العلن، ولذلك فهذا الاتفاق هو تحصيل حاصل والإعلان عن ما هو قائم بالفعل. أنا شخصياً رأيت حاوية لشركة زيم الإسرائيلية مُنطلقة من ميناء الفُجيرة الإماراتي في طريقها إلى دبى عام 2010.
 
والأهم أن هذه الإتفاقية لن تختلف عن الإتفاقيات السابقة بين مصر والأردن وفلسطين مع إسرائيل، مجرد عملية احتكار للسلام تخرج عن كونها عملية سلام حقيقية بين الشعبين الإماراتي والإسرائيلي. ودليلي على ذلك ليس فقط التشابة بين النُظم السياسية والاقتصادية والإجتماعية في الدول الأربعة الناطقة بالعربية، ولكن أيضاً توقيت الإعلان عن هذه الإتفاقية، يؤكد أنها ليست اتفاقية سلام بين شعب الإمارات وشعب الإسرائيل، ولكن رسالة دعم من محمد بن زايد لنتنياهو وترامب الذين يمران بأوقات سياسية عصيبة.
 
حيث يواجه رئيس الوزراء نتنياهو مظاهرات قوية مناهضة له وتطالب برحيله بالرغم من أزمة كورونا، هذا بالإضافة إلى تهم الفساد التي تطارده هو وزوجته وقد تأخذ به من مقر الحكم إلى السجن، وهو ما جعل احتمالات إجراء انتخابات رابعة في أقل من سنة قوية بسبب الخلافات داخل الحكومة الإتلافية بفعل أزمة كورونا وقرار ضم مناطق في الضفة الغربية. هذه الظروف السياسية شديدة السوء يواجهها نتنياهو عن طريق دعم حلفائه الخارجيين من خلال قرارات ترامبية مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وصفقة القرن ودعم ضم أجزاء من الضفة الغربية إلى إسرائيل، وهذه المرة الإعلان عن اتفاق سلام إماراتي – إسرائيلي، بحيث يعوض نتنياهو فشله الداخلي بنجاحات خارجية، خاصة أن ملف السلام في الشرق الأوسط هو من أهم الملفات في أى انتخابات إسرائيلية.
 
أما ترامب فهو أيضاً في مأزق كبير لأسباب كثيرة ومختلفة من أول اتهامات التلاعب في نتائج الإنتخابات، وعلاقاته المشبوهة بروسيا، وأفكاره العنصرية الذكورية، وفشله في إدارة أزمة كورونا، وأخيراً أزمة مقتل جورج فلويد التي أدت إلى مظاهرات عارمة ضد العنصرية طالت ترامب ذاته، كل هذه الأحداث جعلت من وضع ترامب شديد السوء في السباق نحو البيت الأبيض فكل استطلاعات الرأى حتى الآن تؤكد تقدم المرشح الديمقراطي جو بايدن على ترامب، ما يجعله في حاجة إلى الدعم الخارجي لمحاولة تحسين فرصه في الإنتخابات، ومن أفضل من محمد بن زايد لتقديم هذا الدعم؟
 
قد يجادل البعض أن الشعوب الناطقة بالعربية هى من يرفض السلام والتطبيع مع إسرائيل ولا علاقة لإحتكار الحكومات للسلام والتطبيع. والحقيقة هذا كلام لا يمكن تأكيده إلا بعد منح الحرية لشعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنها حرية التطبيع أو عدم التطبيع مع المجتمع الإسرائيلي، فاذا اختارات الأغلبية عدم التطبيع ورفض السلام، في هذه الحالة يُصبح هذا المقال غير مُعبر عن الواقع، لكن حتى هذه اللحظة كل المؤشرات والدلائل تؤكد أن شعوب المنطقة لا ترفض السلام ولا التطبيع، وإنما الحكومات تحتكر السلام لنفسها.