قلم: نبيل صموئيل 

 حينما نتحدث عن التنميه فإن وجود الإنسان يعني بالضروره حركه وعمليه التنمية، 
وحيث غاب الإنسان عن جهودالتنميه تغيب بالضرورة التنمية بإعتبار أن التنمية هي حركه وعمليه  تستهدف الإنسان وتتم بالإنسان ومن أجل الانسان. 
وعلية فإن الأنظمه والسياسات والبرامج التنموية التي لا تضع الإنسان وكرامته في أولوياتها أو أنها تنتقص من إنسانيته بعدم مشاركته في جهود التنميه، لا تستطيع من الناحية الواقعية -مهما رفعت يافطات وشعارات- وتحقيق التنمية يخلق واقعا جديدا. 
 
وهو ما يفسر إخفاق الكثير من مشروعات التنمية في كثير من البلدان. فبرغم إمتلاكها للمواد الخام والثروات الطبيعية والمنح والهبات التي تمكِّن هذه البلدان من تحقيق التنمية في جوانب الحياه المختلفة ولكن وبفعل غياب الإنسان وحريته ومشاركته، فإن هذه الموارد والثروات، تضيع في أغلبها بلا فائده تذكر علي الغالبيه العظمي.
 
وفي هذا الإطار فقد سقطت ومنذ فتره طويله نظريه أن جهود الدوله في الإرتفاع بمعدلات النمو سوف يؤدي بالضروره للإرتقاء بحياه الأكثر فقرا وحرمانا، فقد حققت مصر في بدايه القرن حوالي 7% معدل نمو في الوقت الذي إستمر فيه ما لا يقل عن 40% من السكان تحت خط الفقر.
 
لذا فإن الخطوة الأولى في عمليه التنميه المستدامه هي إعاده صياغة العلاقة بين المواطن واداره البلاد وبينه وبين مجتمعه بحيث يكون قادرا ومُمكنا من المشاركه الفاعله ومن ممارسه وتحمل مسئولياته، وما يترتب علي ذلك من علاقه جديده بينه وبين عمليه التنمية التي لا تُستورد ولا تُستنسخ، وإنما هي بحاجة إلى الإنسان ليخلق واقعاً اجتماعيًّا جديدا، دافعاً نحو البناء والعمران، ومناهضا لكل أشكال القهر والتهميش والإستبعاد ومتحررا من كل قيود الجهل والترهل والجمود والتقليد والنقل والتبعيه،
 
فالتنمية المستدامة بتجلياتها المتعددة ليست فقط مشروعات إقتصاديه عملاقه ولا بنيه تحتيه متكامله فقط بل هي حصيلة عقل ووعي وإرادة الإنسان والمجتمع، وأي خلل في هذه العناصر (العقل - الوعي - الإرادة) سينعكس سلباً على مجمل العملية التنموية؛ فكلما تقدم الإنسان في وعيه وإرادته وفي التمتع بحقوقه توافرت أسباب النجاح لعمليه التنمية المستدامه.
 
فالتنمية الحقيقية هي التي تبدأ من تنمية الإنسان عقلاً ووعياً وإرادهً وحقوقاً.
 
 وفي هذا الإطار فقد تطور مفهوم العمل الأهلى في ثلاثه أجيال هي: 
حيث بدأت بجيل يعتمد علي تقديم الإعانات وإغاثه المعوزين والفقراء دون أي دور للإنسان  بإعتباره متلقي للخدمه فقط. إنتقل المفهوم بعد ذلك الي بناء قدرات وإمكانيات البشر ليكونوا ممكنين وقادرين علي إداره شئون حياتهم ومجتمعاتهم ومواردهم، وهي المرحله التي عرفنا فيها مفاهيم التنميه المستدامه والتنميه البشريه. 
 
ونحن الآن نعيش عصرا جديدا هو جيل التنميه المرتكزه علي الحقوق. حيث يسعي هذا المنظور نحو التعرف على الفقر والظلم ومناطق التهميش والتمييز والاستغلال بإعتبارها أسبابا مركزية للفقر. كما يعتبر المنظور أن وجود الفقر ليس مجرد خطأ من الأفراد، ولا يمكن أن تكون مواجهته بإعتباره مسأله شخصية بحتة. كما لايمكن وضع عبء الفقر والظلم على مفاهيم مجردة مثل المجتمع أو الأنظمه أوالعولمة. 
 
يتطلب منظور التنميه المبني علي الحقوق حزمه من السياسات والنظم والإجراءات تتمثل في العناصر التاليه:
 
أولا: الحوكمه  الرشيده كعنصر فاعل في عمليه التنمية والمستدامة وذلك من خلال التركيز على العلاقة المتبادلة بين الدولة و مواطنيها وتشكيلاتهم الطوعية للعمل الأهلي من حيث الواجبات و الحقوق، وهو عوده إلى الالتزام الأساسي للدولة وفق الدستور والمواثيق الدولية لرعايه وحمايه مواطنيها خاصا الأكثر ضعفا بسبب حاله التهميش والاستبعاد التي فرضت عليهم.
 
ثانيا: الإعتراف بأن الفقر (المادى "أو" المعرفى) هو إنتهاك لحقوق الإنسان وأنه في حد ذاته هو السبب الجذري لعدد من انتهاكات حقوق الإنسان، وهو الشيء الذي غالبا ما يفرض على الناس ويأتي كحتميه لممارسه التمييز والتهميش والإستبعاد. ومن هذا المنظور يعتبر الإغفال والإهمال والإنكار لأوضاع الناس هذه من أقسى الانتهاكات لحقوق هؤلاء الناس.
 
ثالثا: الإعتراف بأن الفقر هو أكثر بكثير من نقص الاحتياجات الاقتصادية فيشمل ظواهر مثل عدم المساواة والتمييز والاستغلال و سوء المعاملة وغياب تكافؤ الفرص. وهو ما يفسر أن الفقر لا يعتبر مجرد واقع وظروف مفروضه أو قدرات فردية، ولكن ينظر إليه من داخل هياكل الانظمه وعدم المساواة المتضمنة في الأطر المحلية والوطنية وفي السياق العالمي المتسلط.
 
وعندما ينظر الي التنميه بإعتبارها محاولة لتحسين أوضاع الناس بالتركيز علي إحتياجات ومشكلات وإمكانات الفقراء، لذا فتأتي معظم مبادرات التنمية في برامج لتوفير الغذاء والماء والمأوى والرعاية الصحية والسكن الملائم والتعليم والأمن والحرية لتحقيق أهداف الحياة.
 
لذا فإن التركيز هنا علي هذه كلها بإعتبارها إحتياجات وهي كذلك فعلا، لكنها وبالأصل هي حقوقا للناس لا يمكن تجاهلها ونكرانها، ومعالجتها علي أنها حاجات غالبا ما يعني إنكاراً بأنها حقوقاً. وبعبارة أخري إن مياه الشرب النظيفة ليس فقط شيء تحتاج اليه بل هو أيضا  حقا أسياسيا للإنسان. ويختلف منظور الإحتياجات عن الحقوق في:
- يتجاوز منظور الحقوق مفهوم الاحتياجات المادية، فهو منظور أكثر شمولية للبشر من حيث أدوارهم المدنية والسياسية و الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
- يؤدي منظور الحقوق دائما تحديد الإلتزامات والمسؤوليات فتبرز التساؤلات حول السياسات والإجراءات ومدي تطبيقها والمساءلة للمسئولين، في حين أن منظور الاحتياجات لا يري ذلك. 
 
- من منظور الإحتياجات يتوقع في الغالب أن تكون الناس ممتنة عندما يتم تلبية احتياجاتهم وهو ليس الحال عندما يتم استيفاء حقوق الناس.
 
وحقوق الإنسان حقوقا متكامله  وغير قابله للتجزئة ومترابطة، أي أن كلها ضرورية لحياة كل إنسان على قدم المساواة.
 
ومن الهام جدا النظر في أهميه وتطوير العلاقه بين المؤسسات الرسميه للدوله وبين مؤسسات العمل الأهلي بإعتبارها علاقه تشاركيه تعاونيه للعمل معا لتحقيق أهداف التنميه المستدامه وفي أولويتها الإرتقاء بنوعيه الحياه للفقراء والمهمشين والمستبعدين وبمشاركتهم الفاعله علي اساس تمكينهم من حقوقهم الإنسانيه التي أُهملت لعقود من الزمان.
 
 وفي هذا الإطار  فإن علي المؤسسات الأهلية الطوعية أن تعيد النظر في وجودها ورسالتها وخططتها وتأثيرات برامجها وتدخلاتها التنموية من منظور تشاركي تكاملي تنموي وحقوقى.