المطران جورج  خضر
 
أكتب مرتجفا وراجيا فى أن. المواعد مع الحياة الجديدة مهددة واللبنانيون يرجون المنقذ .هل تأتينا الحياة صديقة بعد عشرة للموت طويلة ؟فى كل لحظة نأمل عطفا علينا يخرجنا من النفق .اللبنانى "يسافر/يخرج من خطواته/ويدخل فى احلامه" كما يقول أدونيس كأن الشاعر يتكلم عنا جميعا عندما يقول :"كلما حاول أن يمحوا ذكرياته /يتهيأ الحاضر لكى يمحوه /وكلما هجم قلبه ليستشرف المستقبل /طوقه جيش الذاكرة .لم يبق للبنانى سوى وجعه .انه على تلك الخشبات المتراكمة التى تجعله مكبلا بالقدر الغاشم كأن القدر أمسى ايمانه الوحيد او ديانة المواطنين الجامعة ’كأننا فى عبثية تختفى فى هذا القداس الجنائزى الذى هو طقسنا الاوحد. دائما شئ من فوق الكيان ’ من خارج التاريخ هو المتوقع فيما نتوق الى الخلاص .أظن ان الكثير من الالحاد أتى من كون الشعوب لا تؤمن بالحرية ولا تريد أن تتخلص من الألم ’ تأبى فردوسا فيها .رفضت الها مرجئا وكمالا يحل فى الملكوت فقط .رفضت ملكوتا لا يتجلى الأن وهنا .
 
أنت لا ترث وطنا لا تنتزعه من تأوهاته .لا تقيمه اليوم فى عينيك’لا تجعل ومضات الحق فيه أغلى من ترابه ’وطنا نافعا ’ محدودا فيك يغنيك عن انتظاره .يبنى الوطن فى المشقة ’ فى تنهدات الطاهرين فيه .لكننا نحن لا نؤمن بما نستطيع أن نبدعه وبأننا لا نأخذ من الوطن ما لا ندعه فيه. لم يدخل لبنان بعقلية المعلوماتية القائلة بانك تستعيد من ألاتها ما استودعتها .ليس البلد ذاكرة لا شئ .اللبنانيون المنهزمون امام الحاضر يأكلون الماضى بنهم .هذا الامر يهون فان سواهم صنع الماضى .فى اخفاقهم يقفزون منه الى المستقبلات .يروعهم وجع اليوم .لهم على تحليل يومهم قدرة عجيبة.لكن النقد ليس فنا ابداعيا . الفشل فى خلق الأن يسمونه صبرا. والتاريخ عندهم يصنعه الله فقط والاجانب أى أن شعبى لا يؤمن انه يستلم فى أزمنته من الله قوة لتحويل شؤون الارض كذلك أن الغريب قادر عندنا بفئات يستأجرها.
 
فاذا كانت الالوهة وحدها غاصبة للتاريخ فليس لنا فيه دور .نحن نتلقاه.وان كان للأجنبى جور بعملاء يستعملهم فليس لنا متحدين من دور .نقرأ توازن قوى’ نرصف انفسنا مع الناجحين ليكون لنا نصيب مما يوزع.التاريخ ’ فى هذا الاحساس ’ اخذ.الوطن مصنوع للفئة الغالبة .اللبنانيون لا يخطئون فى الحساب.يخطئون فى الفلسفة. فى النظرة "الألهية"للبنان نكران للانسان المبدع لزمانه .واذا كل شئ يقوله الاجنبى فلا قول لنا .يكفينا العيش الرغد"فلنأكل ونشرب لاننا غدا نموت".حياء نتكلم بالوطن .ومن اكثر الكلام فى شئ فهو لا يحبه ولا هو موقن به .لست اظن ان مشكلتنا فى الوفاق ’لكوننا مؤمنين فقط بالفئوية.الفئوية هى فى الضرورة الايمان بان الله  يقيم بعماله الوطن او الاجنبى بعملائه يقيمه .وليس من باب المصادفة تعظيم لبنان حتى الصاقه بالله الصاقا كبيرا او جعله فى كنف السيدة العذراء واعتباره عجيبة دائمة.لبنان المعجزة هو عينا التأكيد ان الانسان ليس له فى صنعه دور .نستلمه استلامنا للنعمة . لا نأتى نح به ثمرة الجهد. اذا عليت شيئا تحبه حتى مستوى الألوهة يغنيك هذا عن خدمته .
 
لا يمكن الحب بلا صفاء .لقد قتلتم هذا الوطن لأنكم لم تفهموه ’لأنكم تجردتم عن خدمته العقلية .الوطن لا يجوز عشقهولكن يجب حبه .وشتان بين العشق والمحبة. اشرعوا بفهمه واحدا. اعقلوه واحدا أى محتاجا الى ابنائه اجمعين. الكثيرون منكم يتمنون الا يكون البلد فيه هذه الفئة او تلك.اما اذا اقتنعتم انكم تجيئون من وحدته وان الأخر حيوى لكم ولوجودكم يتغير الخطاب اللبنانى ويتغير تعاملكم والوطن .من بعد هذا الموقف العقلى تتدارسون كيف تتعايشون. ليس السؤال الاول هل انتم قادرون على الانصهار ولكن اذا كنتم تريدون اتمام وحدة فى الحق .الوفاق وفاق فى الحق والوفاق نتيجة صدام مع الذين يحبون انفسهم على الوطن .الاعداء الوحيدون للبنان هم الساقطون اخلاقيا .هؤلاء لا يمكن اشراكهم فى الحياة العامة .ان طبيعة العمل السياسى انه اقصائى ’ قائم على الحرم وقائم على جدل مستمر فى سبيل الافضل.العمل السياسى فيه القدر الكثير من الصراع لانه يقوم على اتصالنا بالحقيقة .انه ترجمة ’ فى الواقع الزمنى ’ لالتزامنا الله نفسه .بكلمة اخرى انت لا تسعى الى الاتفاق مع اللبنانيين بل مع لبنان .قد تكره تصرفات معظم البنانيين . قد تكره العقلية اللبنانية .فأنت لست مع ما يقوله الناس بل مع دعوة الحق للناس ’مع جمال لهم ليسوا يريدونه ’مع سمو لهم لا يحبون ادراكه .قد يكون فى السياسة مداراة للسفهاء كما يقول الحديث الشريف ولكن كل مسؤول راع فى الدرجة الاولى’ أى مهذب لشعبه  ’ مهذب له فى الموقف والمسلك والتدبير والقوة. الغاية فى طريقنا الى السلام ليست المسالمة بكل ثمن اذ لا تجوز مسالمة الابليسية التى مجمت النفوس فى الحرب وقبلها ’ فلابد من شفاء النفس .
 
والله وحده يعفوا عما مضى لانه لا يقيم علينا خطئية.ولكن عندما يعفو هو تلطف نفوسنا وتتأدب. ويمكن حكام الارض  ان يعفوا اتقائ لشر اعظم او رحمة بذوى المجرمين او رجاء مصالحة وطنية .غير ان العفو لا يعنى تعطيل الحكم العقلى ان اهملنا تطبيق العقوبة . فى الدنيا "لكم فى القصاص حياة" اذ لا يستوى فيه الصالح والشرير ولا يستوى الظالم والمظلوم .طيف ندفع الدين لمن ماتوا ؟اذا  لم يعاقب احد لخلاص نفسه وفهم قبله يكون من مات قد مات عبثا .اضعف الايمان ان نختلف ’ان يقوم ذلك التوتر الفكرى الذى يجعلنا نحكم ان هذا او ذاك قد اخطأ وان نحكم فى وجه الخطأ. ان لم يدخل الكثيرون السجون فلتسجنهم فى الاقل عقولنا وكلمة رفضنا لمواقفهم ’ لصلب مواقفهم . هذا الانقسام بيننا مبدئ للوطن الجديد .هذه لا نقولها لمن عاث فى الارض فسادا . هى دخول لبنان مملكة الحق.يجب ان نبين اننا اختلفنا على اسس كبيرة ’ ان نعلن انقسامنا لئلا نضطر الى اعلان تقسيمنا .فكريا الانقسام شرط السلام .
 
وعلى هذه الجروب وفى جدية الصراع نبدأ بالبدايات :بالرغيف ’ بالعمل ’ بالهاتف ’ بالكهرباء ’ بالماء ’ بالطرقات ’ بالمحروقات ’ بأقساط المدارس .لكنها الحياة لكل الناس ’ لكل المناطق والكرامة للجميع .هذا هو امتحان الاخلاق عند اهل الحكم .لكن هذا كله يفرض أن نسأل الحكام ’ ان نؤيد ’ ان نحتج ’ان نبقيهم او نغيرهم .لعل كل السؤال المصطنع حول لبنانية هذه الفئة او تلك يزول عند حصول الشعب على اللقمة والدواء والتعليم .يجب الخروج من المرض اولا ’ من الجهل ’ من عتمات الليل .يجب الاخلاص للدولة لا للحكام ’ دعم هيكليتها ’ تقويتها على ما هو جزئ ’ مناطقى ’ طوائفى . اذا صارت الدولة منبثقة من تطلعاتنا ’ ان احست بأوجاعنا واحبت أمالنا ’ تساعدنا كثيرا على الاستقرار النفسى والوحدة فى ما بيننا .تطون الدولة يذانا بمجئ الوطن .