محمد حسين يونس
مصر منذ أن كانت (كيميت ) .. حتي أصبحت أم الدنيا.. و هي تستقبل المهاجرين..و تذيبهم في بوتقه تحضرها .. لذلك يصعب أن نجد من يدعي أنه من أحفاد مصرى ما قبل الأسرات ..نحن كنا نماثل أمريكا أو إستراليا أو كندا اليوم .. نضم أجناسا متعددة .. و عروقا غير موحدة ..و الوانا متباينة .. و أديانا مختلفة كانت تعيش في توافق وأمن ..حتي بدأ الإستعمار الإستيطاني .. بفرض هجرة قسرية لجنسية معينه تعتلي السلم الطبقي .. و تتحكم في باقي أفراد الشعب .. فبدأ الخلاف.. و النزاع .. و الإنتماء الزائف أما لقومية المحتل أو دينه ..

في أزمنه الضعف يتبدى هذا الخلاف بوضوح .. و يتحول إلي صراع و تصفية .. للمخالفين في العقيدة أو حتي الملة ( للعقيدة الواحدة ) ثم يطفوا التعصب .. بحيث يتحول إلي حساسية لاى مساس .. بأسباب الإنتماء .. أما في مراحل القوة .. فيختف هذا التميز .. و نصبح أمه واحدة .. تسعي لاهداف أكثر رقيا ..

فترة حكم عساكر المماليك واحدة من فترات الضعف التي عاني فيها المصريون من التفكك .. و فقد الهدف . و الصراع لمستوى الإغتيال و الإقتتال .

((بحسب الباحث وليد فكرى فإنه خلال عصر الدولة المملوكية، ..من بين نحو 55 سلطانًا انتهت عهود أكثر من 35 منهم بانقلابات، وانتهت حياة أكثر من 20 منهم بين القتل اغتيالًا أو إعدامًا أو بميتة شابتها شبهة اغتيال.))

((ويوضح الباحث فى كتابه (دم المماليك.. سلاطين ونهايات دامية) أنه منذ قتل الظاهر بيبرس لقطز شهد عصر المماليك نهايات درامية لأكثر من 20 سلطاناً؛ إذ قتل خمسة منهم فى حالات اغتيال، و12 حالة قتل للسلطان بعد عزله، وحالتا قتل خلال معركة بين السلطان وأعدائه، و5 حالات شابت وفاتها شبهات اغتيال، غالباً بالسم، وسواء بعد العزل أو فى نهاية الحكم.))

ألا يذكرنا هذا بحالات الإغتيال و العزل و السجن للخلفاء المحدثين منذ 1952ومسار الصراعات علي السلطة .. وإبعاد البعض و تقريب أخرين .

الامير قطز ((وله الراية البيضاء في دفع التتار و قتالهم ومنعهم من دخول مصر)) بعد عودته من عين جالوت قتله أخلص قواده الظاهر بيبرس و حل محله في السلطنة والتكريم الذى كان يستحقه قطز .

هذا الظاهر بيبرس لشعوره بانه لا يوجد سند شرعي او قانوني لاعتلاءه العرش ..إخترع أعجب نظام مزدوج للسلطة فبعد ((أن دمر التتار الخلافة العباسية في بغداد عام 650 هجرية احضر شخصا من بني عباس يقال له الامام احمد و كان مختبئا عند جماعة من العرب ، حضر ومعه طواشي وجماعة من العربان الذين شهدوا بانه من أبناء الخليفة المسترشد بالله فاقام اياما عند الظاهر ثم عقد له مجلسا جمع فيه القضاة و المشايخ و اثبت نسبه بالشهادة وولوه خليفة بلقب (الحاكم بامر الله) وهذا بدوره بايع السلطان الظاهر بيبرس و القضاة و ارباب الدولة ... ))

و كأننا نعيش في مصر الحديثة .. الرئيس يختار نواب البرلمان بمعرفته و يعينهم.. و النواب يختارون الرئيس و يرشحونه للولاية الجديدة و يعدلون من أجله الدستور

خلال حكم المماليك لم تتوقف الحروب ضد الفرنجة و التتار و المغول ،ولم يتوقف العربان عن مهاجمة القوافل وسرقة الحجاج ولم تتوقف الطواعين و الجفاف و القحط ..و لم تتوقف إغتيالات البعض أو عزلهم... و الشعب ايضا لم يتوقف عن بغضهم.

- (( خرج عليهم جماعة من العوام ورجموا المماليك فغضب عليهم السلطان وامر بقتل كل من وجدوه من العوام فاستمر السيف يعمل بهم ثلاثة ايام فقتل في هذه المدة مالا يحصي عددهم من العوام وغيرهم وراح الصالح بالطالح )) كان هذا هو السلطان قلاوون و لكنك يمكنك أن تقرأ نفس الوصف مع سلاطين اخرين .

- قتل( 10 ) سلاطين وهم يجلسون علي دكة الحكم

(أيبك (1197 – 1257) ،قطز (توفى 1260)،الأشرف صلاح الدين خليل (1267 - 31 ديسمبر 1293م)حسام الدين لاجين (توفى بالقاهرة فى 16 يناير 1299)، المظفر زين الدين حاجى (1331 - 1347)،الأشرف زين الدين شعبان (توفى 1377) ،المنصور علاء الدين على (1367 - 1382)،الناصر زين الدين فرج (1386 – ،1411)الناصر ناصر الدين محمد بن قايتباى (1482- 1498. (الملك العادل أبو النصر طومان باى.. قتل بواسطة المحتل العثماني

- عزل(18 سلطان ) بواسطة زملاء لهم و جنودهم .

المنصور نور الدين على بن أيبك (1242 - 1259)،الملك السعيد ناصر الدين محمد ابن الظاهر بيبرس (1260 - سنة 1280)، الصالح صلاح الدين حاجى (توفى 1390) ،العادل بدر الدين سلامش (1272 - 1291) الصالح صلاح الدين صالح (1351 - 1354) ،العادل زين الدين كتبغا ( 1245 - ،1302)الأشرف علاء الدين كجك (ولد بالقاهرة 1334 - توفى بسرياقوس 1345)، الكامل سيف الدين شعبان (توفى 1346)، المنصور صلاح الدين محمد (ولد 1347) ،المنصور عبد العزيز بن برقوق (توفى 1406 )المظفر أحمد بن الشيخ (1419- 1430)، الصالح ناصر الدين محمد (1411 – 1422)،العزيز جمال الدين يوسف (ولد 1423)، المنصور فخر الدين عثمان (1435 – 1453)،المؤيد شهاب الدين أحمد (1430 – ،1488)لظاهر سيف الدين بلباى (توفى 1868)،الظاهر تمربغا الرومى (توفى 1468)الظاهر قانصوه

الظاهر قانصوه الأشرفى (توفى 1500)،الأشرف جانبلاط (1455- 1501)، المظفر ركن الدين بيبرس (توفى بالقاهرة عام 1309)،المنصور سيف الدين أبو بكر ( 1321 - ،1341) الناصر شهاب الدين أحمد ( ،1344) الناصر بدر الدين حسن (1334 – ،1361)قانصوه الغورى (1446م - 1516م)

- وكان لا يهم عمر السلطان بعضهم ملك وعمره سبع سنوات ونصف (العادل سيف الدين ) والبعض تسعه (الناصر محمد قلاوون ) ولم يكن يهم صحته العقلية (المنصور علي ) ا كان يلعب مع الاطفال بالحمام و تدير امه امور المملكة

((في هذه السنة كثر الحريق في القاهرة و أشيع بين الناس أن هذا من فعل بعض النصارى فرسم السلطان بجمع سائر النصارى في القاهرة فلما جمعوا أمر بحرقهم فجمعت الاحطاب و الحلفاء عند ذلك طلع الاتابكي أقطاى الي القلعة و إجتمع مع السلطان وشفع في النصارى فرسم السلطان أن يوردوا الي الخزائن الشريفة خمسين الف دينار و أن يصلحوا ما فسد من الدور التي حرقت )).

و(( السلطان خليل قبض علي بعض الامراء فلما تكاملوا سبعة ببرج الحية الذى بالقلعة امر بخنقهم فخنقوا تحت الليل فلما ارادوا دفنهم صباحا وجدوا الامير لاجين فيه الروح فأخبروا السلطان )) ماذا كان رد فعله (( فعطف عليه وامر بالافراج عنه ونزل الي بيته لتوه )) بل انعم علية بلقب الف .. لاجين هذا تسلطن بعد ذلك وحكم مصر

هل يوجد جنون أكثر من هذا !! نعم

( فلما رأوه المماليك الاشرفية قطعوه بالسيف وشقوا بطنه و اخرجوا كبده وصار كل أحد من المماليك يقطع منه قطعه و يأكلها )) ..

(( أمراء مصر و غيرهم لما علموا بتوجه السلطان من دمشق ( السلطان الناصر زين الدين أبي السعدات إبن السلطان برقوق ) ..خرجوا طوائف ..طوائف ..يريدون اللحاق بالسلطان فأخذهم العشير و سلبهم ما معهم و لم يتركوا لهم غير اللباس في وسطهم .. فجرى عليهم من العربان و العشير ما لم يجرى من عسكر تيمور لنك و قتلوا العربان منهم خلقا كثيرا ))

ثم ((تتابع دخول المنقطعين بدمشق إلي القاهرة في أسوأ حال من المشي و العرى و الجوع و كان أكثرهم ينزل في البحرالمالح من علي يافا و يطلعون علي دمياط و يدخلون القاهرة في أسوأ حال و أنحس هيئة )) ..

حدث نفس هذا المشهد بين المماليك و أهالي القاهرة عندما حاولوا الهروب من عسكر بونابرت و إستقبلهم العربان علي حدودها .. كما حدث حديثا .. و إنتم عارفين إمتي

(( في القاهرة كان النهب مستمرا بعد أن أمر السلطان الأمير يلبغا السلمي أن يجهز عسكرا إلي دمشق لقتال تيمور لذلك شرع في تحصيل الأموال وفرض علي سائر أرض مصر فرائض (ضرائب ) و جبي من سائر أملاك القاهرة ما أجرته عن شهر حتي أنه كان يقوم داره التي يسكنها و يأخذ منه أجرتها .. و إستدعي أمناء الحكم و التجارو طلب منهم المال علي سبيل القرض و صار يكبس علي الفنادق و حواصل الاموال في الليل فمن وجد صاحبه فتح مخزنه و أخذ نصف ما يجد من نقود فإشتد الضرر بالناس )) .

هؤلاء هم حكام مصر وهذا هو حالها لثلاثة قرون .. بعضهم كانت له بصمات فبني الجوامع والوكلات والاربع و المزارات التي لازال بعضها قائما ، وسيرالجيوش دفاعا عن البلاد. ولكنهم جميعا إستنزفوا اموال الشعب و إضطهدوا من كانوا مخالفين لهم في الدين ولهم في ذلك الكثير من القصص و الاقاويل .. مذكورة بالتفصيل في كتب الأقدمين .

قبل أن أختم مقالي اريد أن استعير بعضا مما كتب المقريزى عنهم تحت عنوان:

((إفساد أهل الدولة للدرهم)).. لنعرف أن أساليب حكم العسكر في كل زمان لم تختلف ولو بعد الف سنة

((فإنه حملهم علي ذلك كثرة ما عليهم من جوامك (أجور وطعام ) المماليك السلطانية وتبلغ في كل شهر الف الف ومائتي الف درهم ( مليون و مئاتي الف ) فأكثروا من ضرب الفلوس فرخصت الفلوس و إستمرت نفقة المماليك علي ذلك وهم لا يشعرون بحقيقة الحال فعم الفساد وخص الفقهاء( المثقفين و المتعلمين ) و نحوهم من ذلك أعظم البلوى . )) أى تم إصدار عملة بدون رصيد عمل ..فانخفضت قيمة الدينار .

((مؤسس هذا الفساد بديار مصر رجلان هما سعد الدين ابراهيم وجمال الدين يوسف وذلك لان الاول منذ ولي ناظر الخاصة ( وزارة) لم يزل لكثرة ما ظفر به من ذهب يزيد من سعره )) بمعني المضاربة في السوق

((والاخر يزيد اجر(إيجار ) الارض حتي صار كل شيء يباع باضعاف ثمنه ))..بإعتبار أن إرتفاع أسعار إيجار الاطيان قد شكل عبئا علي اسعارالمنتج (( فكان لا يرجي رخاء بعد أن هجرالارض الزراع وكان لهذين الفاسدين السبب العظيم في خراب اقليم مصر وزوال نعمة اهله سريعا )).

بهذا الدرس البليغ في الاقتصاد أغلق صفحة من دفتر إنكسار اهلك يامصر قبل أن تسقط بيد الانكشارية العثمانية ليستكملوا النهب و السقوط بها للدرك الأسفل ، ونكرر نحن المصريون الاخطاء كما تمت بحذافيرها ..فلكل زمان مماليكه و إنكشارييه ...( نكمل حديثنا باكر )
#دفتر_إنكسار_أهلك_يامصر