كتبت – أماني موسى
وافق يوم 28 يوليو الجاري ذكرى وفاة الكاتب والأديب المصري الراحل توفيق الحكيم، رائد المسرح في الأدب العربي، ومن أسمائه البارزة التي تركت بصمةً واضحة على المستوى الأدبي والشعبي، الذي رحل تاركًا إرثًا فكريًا يمتد أثره لمئات السنين، وسُمي مسرحه بالمسرح الذهني، لأن قصصه تنتقل إلى داخل ذهن المشاهد وتأخذه في تفكير عميق.. نورد بالسطور المقبلة لمحات من حياته الشخصية.
 
نشأته في أسرة أرستقراطية
وُلد توفيق الحكيم في 9 أكتوبر 1898 بمدينة الإسكندرية وتوفي في القاهرة.
عاش مع والده في مزرعة تقع في محافظة البحيرة على طريق مدينة دمنهور، كما أن والديه كانا من أصول مختلفة، فكانت والدته تحاول دائمًا إبعاده عن أقرانه حتى لا يتخذ من عادات الريف نهجًا لحياته.
عدم اختلاطه بأقرانه في مثل عمره
فوالده هو إسماعيل الحكيم كان من طبقة الفلاحين، أما أمه من أصول تركية، وكانت تحاول أن تجعل زوجها ينخرط في طبقة المدن، وقد أفلحت في ذلك بقدر، لكنه كان يتأرجح تارة بين حياة المدينة وترفها وبين حياة الريف وبساطتها، وهذا ما جعل توفيق الحكيم ليس كباقي أقرانه في مثل عمره، فلم تكن الألعاب تستهويه إنما كان يرى الأمور كلها في دماغه تفكيرًا وخيالاً.
استضافة عائلته لتخت موسيقي كل صيف وحبه للفن والكتابة والموسيقى
كانت ميول توفيق تنحاز إلى كل ما يتعلق بنفسيته مثل ارتباطها بالفنون الجميلة، والموسيقى وكانت أسرته تهتم بالموسيقى وتستضيف صيفًا أفراد "تخت موسيقي" وكان توفيق يجالسهم عند الأكل والغناء، فيشاركهم وهو ابن السادسة من عمره، فكان فصل الصيف بالنسبة إليه فصل تعويض لانعزاله طيلة الفصول الثلاثة مع والديه.
حضور المسارح وتأثره بمسرح جورج أبيض
أظهر منذ صغره حبًا وولعًا بالآداب، وكان يرتاد المسارح ويهتم بحضور العروض للممثلين المشهورين في ذلك الزمان مثل جورج أبيض، حتى أنه كتب عدة مسرحيات قصيرة وهو في المرحلة الثانوية وكان أصدقاؤه يقومون بتأديتها.
الكتابة باسم مستعار في بداياته
بدأ الكتابة باسم مستعار "حسين توفيق"، إذ كانت الكتابة أمر تافه وغير مستحب بالنسبة للعائلات الكبرى، وفي ذلك الوقت كتب مسرحية "الضيف الثقيل" وتم تجسيدها بالمسرح العام وكانت تشير إلى الروح القومية متزايدة الحماس في تلك الفترة في مصر إبان ثورة 1919.
كما كتب في العديد من المجالات القصص القصيرة، المقالات، وكلمات لأغانٍ وطنية. 
اعتقاله إبان ثورة 1919
في عام 1919م مع الثورة المصرية شارك مع أعمامه في المظاهرات وقبض عليهم واعتقلوا بسجن القلعة، إلا أن والده استطاع نقله إلى المستشفى العسكري إلى أن أفرج عنه. 
سفره إلى باريس ودراسته أساسيات المسرح اليوناني 
بعد أنه أنهى دراسته بكلية الحقوق، في عام 1925م أراد والده أن يحصل على الدكتوراه في الحقوق من باريس، فأرسله إلى فرنسا ليبتعد عن المسرح ويتفرغ لدراسة القانون بكلية الحقوق، لكنه وخلال إقامته في باريس لمدة 3 سنوات اطلع على فنون المسرح الذي كان شُغله الشاغل؛ واكتشف الحكيم حقيقة أن الثقافة المسرحية الأوروبية بأكملها أسست على أصول المسرح اليوناني، فقام بدراسة المسرح اليوناني القديم كما اطلع على الأساطير والملاحم اليونانية العظيمة.
انتهى عصر القلم وبدأ عصر القدم
عندما قرأ توفيق الحكيم أن بعض لاعبي كرة القدم دون العشرين يقبضون ملايين الجنيهات قال عبارته المشهورة: "انتهى عصر القلم وبدأ عصر القدم؛ لقد أخذ هذا اللاعب في سنة واحدة ما لم يأخذه كل أدباء مصر من أيام إخناتون".
عودته إلى مصر بعد 3 سنوات من تواجده بباريس
عانى الحكيم من صدمة ثقافية عكسية عندما أجبره والده على العودة من باريس إلى مصر، بعد 3 سنوات، وعند عودته إلى مصر عمل نائبًا للمدعي العام، وانتقل بين مختلف الأقاليم المصرية في الفترة الممتدة بين 1928 و1934، واستمد إلهامه لروايته الشهيرة "يوميات نائب في الأرياف" التي نُشرت في عام 1937 من هذه التجربة. 
رواية يوميات نائب في الأرياف
وكانت هذه الرواية من الروايات الخالدة في الأدب كونها الأولى من نوعها التي تستكشف الفروقات بين عقلية المصري الفلاح وبين الموظفين القانونيين العاملين في سلك القانون.
 
عمل بعدها في وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التعليم بين عامي 1939 و1943، لكنه ترك العمل الحكومي لاحقًا ليكرس نفسه للكتابة. 
وتم تعيينه في عام 1951 مديرًا للمكتبة الوطنية وبقي في هذا المنصب الهام حتى عام 1956. أصبح بعدها عضوًا في المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية.
هل كان حقًا عدو المرأة؟
اشتهر توفيق الحكيم بلقب عدو المرأة على الرغم من أن المرأة كان لها النصيب الأكبر في مؤلفات الحكيم وكتاباته، وقد تحدث عنها باحترام وإجلال وليس تحقير أو تشيء، كما أن المرأة تميزت في أدب الحكيم بالتفاعل، والإيجابيّة، وقد ظهر ذلك بشكل واضح في مسرحياته (مسرحية الأيدي، ومسرحية شهرزاد، ومسرحية إيزيس)، وعلى الرغم من اللقب الذي اشتُهِر به الحكيم، إلّا أنّه تزوَّج في عام 1946م من امرأة مُطلَّقة لديها ابنتان، وقد أسفرَ هذا الزواج الذي لم يُعلِن عنه الحكيم في البداية عن طفلَين، هما: إسماعيل، وزينب.
توقيع عروسه على اتفاقية بعدة شروط صارمة
وعلق مصطفى أمين على زواج الحكيم السري، قائلاً: (نحن الصحفيين مهمتنا الحصول على الأخبار ونحصل عليها من السراى ولا نعرف بزواج الحكيم) وكتب مصطفى أمين عن زواجه فى مقال له بعنوان (عدو المرأة يتزوج بشروطه) فيقول: إنه أخفى عليهم أمره ثم اعترف لهم بأنه تزوج من سيدة مطلقة لها ابنتان، وأن الزواج عقلى الغرض الأول منه تأسيس بيت يصلح لحياة فنان، الكتب فيه أهم من الفراش، والموسيقى فيه أكثر من الطعام!
 
لا سفر أو خروج سويًا ولا أحد يعرف بأمر الزواج
وقد وضع الحكيم لزوجته شروطًا صعبة، وأصر على أن توقع بإمضائها على شروطه قبل أن يوقع عقد الزواج، ووقعت العروس عليها، منها ألا يعرف أحد بزواجهما، وأن يبقى هذا الزواج سرًا لا يعرفه سوى الأسرتين فقط، ألا يخرج معها أبدًا خارج المنزل أو أن يسافر معها، وألا يستقبلا ضيوفًا أبدًا في منزلهما وشروط أخرى أشبه بالحياة العسكرية.
 
نجيب محفوظ يدافع عنه ويكشف سبب تلقيبه بـ عدو المرأة
ولكن نجيب محفوظ دافع عنه موضحًا أنه وصف بعدو المرأة لمعاداته بعض آراء هدى شعراوي، لكنه لم يكن معاد للمرأة في العموم ولم يكن بخيل كما أشيع، إذ أنه أنفق على زواج ثلاث بنات في سنة واحدة، وبقيمة تساوي 15 ألف جنيه، وكان ذلك مبلغًا كبيرًا حينها، كما أنه منح ابنته كل ما يدخره عندما تزوجت، وكان المبلغ قد وصل 30 ألف جنيه.
 
حبه للحمار
كما أنه أحب الحيوانات وبشكل خاص الحمار، وكان يعتبر أنه حيوان ذكي وطريف ومهضوم حقه وموصوم بالغباء، وكان له عدة كتب تحمل بعنوانها صورة أو كلمة "حمار" وفي كتابه "حماري قال لي" كان الغلاف عبارة عن صورة لتوفيق الحكيم مع حيوانه المفضل الذي كان مصدر إلهام له بعدة مقالات وكتب.
 
وفاته
توفي توفيق الحكيم في 26 يوليو 1987 بالقاهرة.