نادين عبدالله
أثارت قضية التحرش والاغتصاب'> التحرش والاغتصاب المثارة حاليًا جدلاً واسعًا. وهو أمر صحى لأنه أخرج ما يقال في الغرف المغلقة إلى العلن.

يعتبر البعض أن الكبت أو الحرمان سبب للتحرش. ولكن ماذا عن تحرش المتزوجين؟، وماذا عن حوادث تحرش آباء أو أفراد العائلة ببناتهم؟. ويعتبر آخرون أن التحرش سببه ملابس المرأة ولكن ماذا عن التحرش بالمنتقبات أو المحجبات اللاتى يشكلن أغلبية النساء في مصر أصلاً؟. يقول أحدهم إن التحرش بهن سببه عدم القدرة على كبح جماح الشهوة بسبب ما تراه العين من انفلات في ملابس أخريات. لكن ماذا عن عقل الإنسان وتحكمه في غرائزه؟، أليس في ذلك تحقير من شأن الرجل قبل المرأة في مصر؟. ولماذا يضطر نفس الشخص إلى تغيير سلوكه في بلاد أخرى حتى وإن كان مفتونا؟. نعرف أنه لن يستجرى الاقتراب من أي فتاة في شارع دولة أوروبية لأنه سيتلقى عقابًا قاسيًا من الدولة كما أن غالبية المجتمع سيلفظه باعتباره متحرشًا لا يؤتمن.

لذا دعونا نواجه الحقيقة المؤلمة: التحرش في مصر هو نتاج لثقافة الاستباحة التي تأصلت في المجتمع، بل والتطبيع معها عبر روايات ربما اعتبرته خطيئة، ولكنها في الوقت ذاته أعطت فرصًا لتبريره على شاكلة أن ملبس المرأة هو سبب من أسباب تحرش الرجل بها؛ وكأن المرأة مسلوبة الإرادة وعدم ارتدائها لما تراه أنت مناسبًا يعطيك حق استباحة جسدها. ألست مطالبا بغض البصر؟، وهل نعيش في دولة قانون أم في غابة؟

التحرش ليس خطيئة سيحاسب مرتكبها يوم القيامة فحسب بل هو أيضًا جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات المصرى. فكما يعاقب السارق بالسجن تعاقب المادة رقم 306 مكرر أ من القانون المتحرش جنسيًا أيضًا. إلا أن المشكلة هنا هي أن ثقافة الاستباحة المستشرية تضيع حق نصف المجتمع في الشعور بالأمان في وطنه. فهناك مشكلات حقيقية تتعلق بصعوبة إثبات الجرم نتيجة تواطؤ البعض من مدمنى ثقافة استباحة أجساد النساء. فهم يرفضون مثلا أن يكونوا شهودًا لإثبات التهمة على المتحرش؛ كما يتجه آخرون إلى وصم المجنى عليها ودفعها إلى قبول ابتزاز أسرة الجانى لسحب المحضر أو تعدية الأمر… إلخ.

لذا وأخيرًا، علينا أن نعترف أن هذا الإقدام على التحرش في مصر لا علاقة له بالحرمان أو بملابس المرأة بل يعبر أساسًا عن شعور الكثيرين بأن فعلتهم هذه ستمر بلا عقاب مؤسسى أو مجتمعى رادع لهذه الاستباحة المخجلة.
نقلا عن المصرى اليوم