سليمان شفيق

اعلن الموقف الفرنسي في التضامن مع مصر في مواجهة الغزو التركي يعد مؤشر مهم ، حيث ندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إثر لقائه نظيره التونسي قيس سعيد في الإيليزيه،الاثنين الماضي بـ"لعبة خطيرة" تمارسها تركيا في ليبيا، معتبرا أنها تشكل تهديدا مباشرا للمنطقة وأوروبا. ودعا ماكرون إلى "وقف التدخلات الأجنبية والأعمال الأحادية لأولئك الذين يزعمون أنهم يحققون مكاسب جديدة في الحرب" في ليبيا.
 
كان الرئيس الفرنسي قد اعتبرأن تحركات تركيا تشكل تهديدا مباشرا للمنطقة وأوروبا.
 
وقال ماكرون "أرى اليوم أن تركيا تمارس لعبة خطيرة في ليبيا تناقض كل الالتزامات التي أعلنتها في مؤتمر برلين".
 
وأكد ماكرون أنه قال "الكلام نفسه" في مكالمة هاتفية الإثنين مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأضاف أن هذا الموقف "يصب في مصلحة ليبيا، وجاراتها والمنطقة بأسرها وأيضا أوروبا". ودعا ماكرون إلى "وقف التدخلات الأجنبية والأعمال الأحادية لأولئك الذين يزعمون أنهم يحققون مكاسب جديدة في الحرب" في ليبيا.
 
وقال الرئيس الفرنسي إن "فرنسا وتونس تطالبان معا الأطراف المعنيين بوقف إطلاق النار والتزام تعهداتهم باستئناف المفاوضات التي أطلقت برعاية الأمم المتحدة من أجل استعادة الأمن، والمضي قدما في إعادة توحيد المؤسسات الليبية والبدء بإعادة الإعمار لما فيه مصلحة كل الليبيين".
كان قد عقد الإثنين في باريس الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والتونسي قيس سعيّد مؤتمرا صحفيا مباشرا من قصر الإليزيه وذلك خلال زيارة الرئيس التونسي لباريس، وهي الأولى له منذ توليه السلطة. وحيا ماكرون الديمقراطية التونسية والتونسيين الذين يرفعون شعارات العدالة وتمنى لهم مواصلة الرحلة بإصرار وشجاعة.
 
وقال ماكرون في المؤتمر الصحفي إن زيارة الرئيس التونسي تأتي في وقت يشكل مرحلة جديدة في فرنسا بعد بدء إجراءات الخروج من الأزمة الصحية المتعلقة بتفشي مرض كوفيد-19 في البلاد. وأبدى إعجابه بالصرامة التونسية والتزام الشعب التونسي في مواجهة الأزمة الصحية.
 
وفيما يتعلق بالوضع الإقليمي والأزمة الليبية وتطوراتها قال ماكرون إن البلدين يطالبان الطرفين المتنازعين بوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بقرارات الأمم المتحدة والبدء في إعمار ليبيا وبنائها. وطالب الجميع بالتحلي بروح المسؤولية ووقف الأعمال التدخلية والقرارات الأحادية وبخاصة الموقف التركي".
 
وختم بقوله إن فرنسا وتونس ستبذلان جهودا مشتركة في هذا الصدد بتعاونهما في مجلس الأمن الدولي ومن خلال منظمة الفرانكفونية التي ستعقد قمتها القادمة في تونس.
 
دوافع الإهتمام الأوربي بالأزمة الليبية
حول ذلك قام الدكتور ر محمد الصالح جمال – باحث في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات – ألمانيا وهولند بالكتابة حول الازمة مؤكدا عب ان :
القاعدة الأولى في السياسة الدولية هي أن هذه الأخيرة تعبّر عن لعبة مصالح استراتيجية بين القوى الكبرى في النظام الدولي، و بما أن الاتحاد الأوروبي ككتلة يمثل أحد أهم القوى الكبرى في العالم، لذلك كان لزاما عليه أن ينظر إلى الأزمة الليبية من منظور استراتيجي براجماتي، خاصة وأن أهم الدوافع من وراء الإهتمام الأوروبي بما يحدث في ليبيا، ترتكز على “الدوافع الجيوبوليتيكية” و الصراع حول النفوذ في منطقة شمال افريقيا، والتي كانت تقليديا و تاريخيا الحديقة الخلفية لدول الاتحاد الأوروبي . الأزمة في ليبيا والتهديدات الأمنية.
 
و قع بروز فواعل و قوى أخرى لديها طموحات جيوبوليتيكية في المنطقة خاصة تركيا و قطر، مثّل ذلك تهديدا مباشرا لدور الاتحاد الأوروبي و خطرا
على فقدان نفوذه الجيوبوليتيكي، محاولا الحد من التغلغل التركي-القطري و التأثير على القضية الليبية.
 
المسألة الأخرى هي أن الصراع الحالي يكمن في الصراع على الحصول على مصادر الطاقة و الموارد الطبيغية الموجودة في ليبيا، والاتحاد الأوروبي من خلال اهتمامه بالأزمة الليبية، فإنه يحاول الإبقاء على التوازنات الاقليمية في استغلال الموارد الطاقوية، و منع الفاعلين الجدد مثل تركيا وقطر من كسر النفوذ الطاقوي الأوروبي في ليبيا.
 
كما أن خوف الاتحاد الأوروبي من انتقال الحركات الارهابية و تزايد قوتها مستغلة بذلك الأزمة الليبية، على اعتبار أن الإرهاب يتغذى بشكل أكبر في مناطق النزاعات والحروب، دفع بالاتحاد الأوروبي إلى محاولة التحكم في مسارات و مجريات الأزمة الليبية بما يمنع الإخلال بالتوازنات الدولية في المنطقة، و أيضا الخوف الأوروبي من انتقال الجماعات الارهابية الموجودة في ليبيا الى اوروبا، على اعتبار قرب المسافة بين المنطقتين، لاسيما و أن دول الاتحاد الأوروبي لم تعد تحتمل أكثر التهديدات الأمنية المتزايدة على أراضيها من طرف الحركات الجهادية.
 
وحول الانقسام الاوربي حول الازمة الليبية :
ذكر موقع “يورونيوز” في 07 يناير 2020، أن العديد من دول الاتحاد الأوروبي باتت منقسمة بشأن مواقفها تجاه الأزمة الليبية، فإيطاليا تدعم حكومة الوفاق لكنها تتعامل مع قوات حفتر، وفرنسا شكلت حلفا عسكريا بين خمس دول صحراوية مجاورة لليبيا تقدم دعمها لقوات حفتر. بريطانيا من ناحيتها، تطالب بتطبيق حظر تصدير السلاح بشكل كامل إلى ليبيا و ايجاد حل سلمي للأزمة، الأمر الذي يتقاطع في جوهره مع الموقف الألماني. فالحكومات في باريس ولندن وبرلين وروما جمعيها تؤكد على ضرورة التوصل إلى حلٍ سياسي للأزمة الليبية، لكن من الجلي أن ثمة تباين بين تلك الحكومات في تأويل هذا الموقف تبعاً لتباين المصالح فيما بينها.
 
بالرغم من كل جهود و مبادرات الاتحاد الاوروبي و أنشطته الحثيثة و الجولات المتواصلة في سبيل ايجاد تسوية للملف الليبي، إلا أنه لم يوفّق بالشكل المطلوب في ذلك، و ما أثر في ذلك هو الانقسام الاوروبي  فيما يتعلق بالازمة الليبية، حتى أن المبادرات التي سعى لها الاتحاد الأوروبي لم تكن تحمل صفة “الإلزامية” في قراراتها، لذلك لم تكن مخرجاتها فعالة و عملياتية، ما جعل دول الاتحاد الأوروبي تتخبط بحثا عن مخرج جديد للحل في ليبيا، ليشهد المجتمع الدولي عجز الاتحاد الاوروبي في التأثير بالشكل اللازم على الملف الليبي، ما أسهم في دخول قوى أخرى و تأثيرها على مجريات الأزمة في ليبيا.
 
عدم قدرة الاتحاد الأوروبي في التحكم بالملف الليبي قد يزيد من تعقيدات الأزمة الليبية وبالتالي تضاعف أطراف الصراع و الفاعلين الخارجيين بشكل قد تكون له نتائج و انعكسات سياسية، جيوبوليتيكية، اقتصادية وأمنية على منطقة شمال افريقيا كما على المنطقة الأوروبية،لذلك فالدول الأوروبية من المستحسن أن تكون أكثر عقلانية في التعامل مع الملف الليبي و التحكم في
 
مسارات السياسة الدولية في المنطقة.مساعي الحكومة الألمانية لمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية في ليبيا
واوصي المركز :
 
دول الاتحاد الأوروبي ملزمة بتكثيف التعاون السياسي والأمني و تفعيل مبادرات جديدة على أرض الواقع حول الأزمة الليبية، كما أن الاتحاد الأوروبي ملزم بمتابعة المبادرات السابقة حول الأزمة الليبية و تكرسها بشكل فعلي و إلا فإنه يخاطر بفقدان نفوذه في المنطقة لصالح قوى جديدة صاعدة. كما أنه على دول الاتحاد الأوروبي أن تتجاوز خلافاتها و التباين في مواقفها حول الأزمة الليبية و البحث عن المصالح المشتركة التي من شأنها تعزيز الموقف الأوروبي.
 
ينبغي على دول الاتحاد الأوروبي العمل على تكثيف الاستخبارات الخارجية في ليبيا التي تستهدف مراقبة و متابعة أنشطة الجماعات “الجهادية “والارهابية في ليبيا، والتي من المحتمل أن تمثل تهديدا مستقبليا للأمن الأوروبي.