بقلم : د . مجدى شحاته 
منذ اجتياح فيروس كورونا المستجد العالم ، نراه وقد حصد أكثر من نصف مليون نفس بشرية ، وأصاب الملايين فى دول العالم المختلفة . الامر الذى دعى معظم دول العالم الى العزلة وفرض قيود احترازية مشددة مما أدى الى كساد وركود اقتصادى لم يشهدة العالم من قبل . ومنذ ذلك الوقت يتسابق الباحثون والعلماء فى مجال الطب والصيدلة ، فى محاولات مستمرة ومتلاحقة ، سعيا للتوصل الى لقاح او مصل يوقف زحف هذا المرض المستجد ، او علاج يشفى المرضى حاملى الفيروس . بعد مايقرب من أربعة شهور من انغلاق دول العالم ، وتوقف الطيران الدولى والداخلى  ، والمرض مازال يواصل انتشاره ، مع تدهور شديد فى الحالة الاقتصادية ، رأت معظم حكومات العالم من ضرورة التعايش مع ذلك الوباء و الانفتاح وعودة الحياة بقدر الامكان ، مع ضرورة الالتزام بالقيود الاحترازية المشددة . وعلى كل فرد تحمل المسؤلية واتباع كافة السبل لتجنب العدوى ، عملا بنظرية العاِلم ( داروين ) البقاء للأقوى .
      
المرض هو حالة من حالات الضعف للجسد البشرى او الحالة النفسية . هذا الضعف نتج منذ أن دخلت الخطية الى العالم . حتى أصبح المرض مشكلة تعانى منها البشرية فى كل مكان وزمان . ان محاولة وجود علاقة بين الخطيئة والمرض من زاوية لاهوتية قد تقودنا الى زاوية لاهوتية صعبة ، فالامر يتطلب خبرة روحية أصيلة متميزة ، اذا اردنا ان نربط الخطية بالمرض . فى العصور القديمة حينما كانت وسائل الشفاء قليلة وعديمة الفاعلية ، كان الغالبية العظمى يميلون الى تبنى تفسيرات غيبية ، أكثر من التوجه نحو الاسباب البيلوجية والفسيلوجية . فقد رأى البعض المرض كمصيبة أو بلية أو عقاب تسببها الارواح أو الآلهه ، لخطأ فى العبادة أو غضب الآلهه . وكان البشر يحاولون ازالة المرض بالتعاويز او السحر والتضرعات .  
 
لقد أجرى السيد المسيح فى الفترة الى قضاها مع البشر على الارض ، عددا لا يحصى ولا يعد من معجزات الشفاء . ذكر الكتاب المقدس 35 معجزة فقط ، ما بين اعادة البصر للعميان ، أو خلق أعين للمولود أعمى ، وشفاء المشلولين والعرج واخراج الشياطين وشفاء الصم والخرس  والمحمومين ، فضلا عن اقامة الموتى .
 
  فى المعجزات التى أجراها السيد المسيح المتعلقة بشفاء المرضى ، نلاحظ انها تختلف فى الممارسة كما تختلف فى الرؤية . فالسيد المسيح فى معجزاته ، يستجيب مباشرة لمن هم فى المرض ، حيث يشفق عليهم ويشفيهم فيخفف آلامهم ويحررهم من قيود المرض . هذا المزيج ما بين الخطيئة والمرض يبدو حاضرا وواضحا فى الحوادث الى فيها يشفى المرضى . كان السيد المسيح يشفى المريض اولا ، ثم يطلب منه " لا تعد تخطئ " . فالسيد المسيح يهدف بالدرجة الاولى الايمان والتوبة وخلاص النفس لا التبكيت والتوبيخ والعقاب . الرب ترأف على المرضى ، وأعان ضعف ايمانهم . المرض لم يختفى او يزول مع مجيئ المسيح الى العالم ، لكنه كان يشفى ويطلب ممن شفاهم الا يعودوا ويخطئوا مرة اخرى وينذرهم " لئلا يكن لكم أشر " ، فكان المرض بمثابة دعوة للتوبة . هنا يوضح السيد المسيح ان الخطيئة هى المرض الرئيسى فى الطبيعة البشرية . لذلك قدم المسيح ذاته على الصليب ، ليكون هو الشفاء الحازم والنهائى لمركز المرض . اى الخطية . جاء يسوع الى العالم طبيبا للخطاه ، كم جاء فى قوله للكتبة والفريسيين : " ليس يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى ما جئت لأدعو االابرار بل الخاطئين الى التوبة " ( مر 2 : 17 ) . فهو الطبيب الحقيقى الشافى لخطايانا الذى " أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا " ( مت 8 : 17 ) .
 
هناك أمراض تأتى من حسد وحروب الشيطان ، مثلما حدث مع أيوب البار حيث أصيب جسده كله بالقروح التى ضربه به الشيطان ولكن كل ذلك بسماح من الله . وهناك امراض يسببها الانسان لنفسه ، ربما بسسب الاهمال أو الخطأ أو عدم اتباع قواعد الصحة . مثل التدخين وأدمان المخدرات أو شرب الخمور او الارهاق أو انتقال العدوى من شخص آخر مريض كما هو فى حالة مرض الايدز . وهناك أمراض قد تضرب الشعب كله ، دون أن يكون كل الناس مذنبين أو خطاه ، كما هو الحال فى وباء فيروس كورونا . وكما حدث مع أيوب وطوبيا ، فى هذه الحالات يقدم لنا الكتاب المقدس الجواب : الهدف هو اظهار أمانة المؤمن وتمجيد اسم الرب " ليكن أسم ألرب مباركا " وأولا وأخيراً التوبة .
 
ومن هنا نرى انه ليس بالضرورة ان يكون كل مرض يصاب به الانسان هو عقوبة من الله . فهناك قديسين ضربهم المرض وتألموا كثيرا بالرغم من روحانياتهم العالية . القديس بولس الرسول قد اعطى شوكة فى الجسد بالرغم من مكانته الروحية العالية ، بل كان المرض لمنفعته لئلا يرتفع ويتعالى ، وقد رفع معلمنا بولس الرسول صوته الى الله من أجل الشفاء ، لكن لم يستجب الله . كذلك حينما صرخ أبينا يعقوب بعد ان ضربه الله فى حق فخذه فانخلع ، وذلك حتى لا يتكبر .  وفى معجزة شفاء المولود أعمى . كيف يمكن لذلك الرجل الاعمى أن يخطئ قبل ان يولد ؟ الله لا يستخدم المرض ليؤدب أولاده ، ولا يحتاج لذلك ليجعل أولاده متواضعين . وكيف يؤدب الله انسانا بمرض ، ثم يذهب المريض الى الطبيب ويعالجه ويزيل عنه المرض !! فى نفس الوقت لايمكن لنا أن ننكر، ان هناك بلا شك أمراضا للعقوبة . فقد عاقب الله فرعون والمصريين بالضربات العشر واتى تسببت فى امراض كثيرة ، وذلك عندما قسى فرعون قلبه على شعب اسرائيل . كذلك جيحزى الذى كذب على معلمه اليشع وأخذ هدايا نعمان السريانى الذى رفضها اليشع فاصيب بالبرص وهنا ينبغى الاشارة بأن العلاج الطبى سواء بالادوية والعقاقير او اجراء الجراحات او نقل الاعضاء ، لا يتعارض مع الكتاب المقدس . ( 2 ملوك 33 : 7 ) . روفائيل عالج طوبيا ( طوبيا 11 : 8 ) وابن سيراخ يمتدح مهنة الطب " أد للطبيب كرامته لأجل خدماته " ( سيراخ 38 : 8 ) . 
 
   لابد ان يغير المريض نظرته للمرض . فيكون مرضه فرصة للصلاة التقرب الى الله ، وكلما أشتد مرضه ، كانت صلواته أعمق وأقوى . وقد يكون المرض فرصة عظيمة للتوبة والتواضع والشكر . وهنا نرى ان المرض وبالرغم من الالم الا ان المرض يكون لخير وبركة الانسان ويقوده الى الحياة الابدية او التصالح مع الله بعد ان كان بعيد ا عنه فى حالة خصام . يقول الرب :  " ارجعوا ، أرجع اليكم " ( ملا 3 : 7 ) .   هل من مجيب لهذه الدعوة السماوية ؟؟؟