سليمان شفيق
انطلقت أمس الإثنين الحملة الانتخابية للدورة الثانية من الانتخابات البلدية الفرنسية التي ستجري في 28 يونيو الجاري وسط ظروف صحية يميزها إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون السيطرة على تفشي فيروس كورونا في البلاد. لكن رغم ذلك، ستخضع الحملة إلى شروط وقائية مشددة، أبرزها منع التجمعات الشعبية للحيلولة دون إعادة انتشار الفيروس. سياسيا، يتوقع أن يحتدم الصراع بين شخصيتين بارزتين وهن آن هيدالغو ورشيدة داتي في باريس فيما سيمتحن لوي أليو مرشح حزب "التجمع الوطني" المتطرف في مدينة بربنيون قوته بعد أن تصدر نتائج الدورة الأولى التي جرت في 15 مارس الماضي.

ويأتي هذا الموعد الجديد للحياة السياسة الفرنسية بعد ثلاثة أشهر من تنظيم الدورة الأولى من هذه الانتخابات في 15 مارس/آذار الماضي في ظروف صحية ميزها انتشار وباء كوفيد-19 المستجد.

من جهته، أكد الرئيس إيمانويل ماكرون في خطابه الأحد عن تنظيم الدورة الثانية للانتخابات البلدية في 28 يونيو/حزيران مع مراعاة
عدد من الشروط الصحية المفروضة منذ ظهور فيروس كورونا في البلاد.

ولمنع انتشار الفيروس من جديد وحفاظا على صحة المواطنين والمشاركين في هذه الانتخابات، أقرت الحكومة الفرنسية بعض القواعد والإجراءات التي يجب احترامها خلال الحملة الانتخابية. أبرزها عدم تنظيم تجمعات شعبية في الشارع أو داخل القاعات واحترام مبدأ التباعد الاجتماعي مع ارتداء الكمامات الواقية فضلا عن منع لقاء الناخبين عبر الانتقال من منزل إلى آخر.

حملة انتخابية تدور رحابها على مواقع التواصل الاجتماعي
وصرح برينو جمبار، المدير العام لمعهد الاستطلاع "أوبنيون واي" لجريدة "لوفيغارو" الإثنين "لن تكون هناك هذه المرة حملة انتخابية حقيقية وبأتم معنى الكلمة. وهذا سيشكل عائقا لإقناع الناس بالذهاب إلى مراكز التصويت للإدلاء بأصواتهم"، مشيرا أن "الحملة الانتخابية ستتم في العموم عبر مواقع التواصل الاجتماعي والاتصالات الهاتفية وعبر وسائل الإعلام"، منوها في الوقت نفسه عن "احتمال السماح بتنظيم بعض التجمعات في مناطق محددة" لم تعرف انتشارا واسعا لوباء فيروس كورونا.

وجرت العادة في فرنسا ألا تتجاوز مدة الحملة الانتخابية للدورة الثانية للانتخابات البلدية أسبوعا واحدا. لكن هذه المرة ولأسباب تتعلق بفيروس كورونا، سيكون أمام المرشحين أسبوعين كاملين للقيام بحملتهم الانتخابية، بالرغم من أنها ستكون حملة محدودة من حيث الإمكانيات.

لكن هذا لم يمنع بعض رؤساء البلديات والمرشحين الذين اجتازوا عقبة الدورة الأولى من الانتخابات البلدية التي جرت في 15 مارس الماضي من القيام ببعض الأنشطة الانتخابية عبر تنظيم لقاءات وحوارات في الأسواق أو في بعض الساحات المفتوحة.

كما خصصت بعض الأماكن واللوحات الإعلانية للمرشحين من أجل نشر برامجهم الانتخابية والتعريف بها.

فيما شرع المجلس الأعلى للسمعي البصري منذ 8 يونيو في احتساب مدة التصريحات والتدخلات التي يقوم بها كل مرشح سواء في الإذاعات أو على شاشات التلفزيون الوطنية والجهوية لضمان مبدأ المساواة والعدالة كما تحدده القوانين الانتخابية الفرنسية.

صراع في باريس وآخر في مدينة بربنيون جنوب غرب فرنسا:
هذا، وستجري انتخابات الدورة الثانية في نحو 500 بلدية فرنسية. فيما يتوقع أن يحتدم الصراع في بعض المدن مثل مدينة بربنيون في جنوب غرب فرنسا حيث جاء مرشح حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف لوي أليو، والرفيق السابق لزعيمة هذا الحزب مارين لوبان في المرتبة الأولى بعد حصوله على 35.66 بالمائة من الأصوات مقابل 18.44 لصالح رئيس البلدية الحالي جان مارك بوجول من حزب "الجمهوريون" اليميني المعارض.

كما ستتجه الأنظار أيضا إلى مدينة باريس حيث يحتدم الصراع بين امرأتين، وهن آن هيدالغو عمدة بلدية باريس الحالية ومنافستها رشيدة داتي وزيرة العدل في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي (2012/2007) التي جاءت في المرتبة الثانية بـ22.72 بالمئة من الأصوات مقابل 29.33 لصالح هيدالغو.

وتملك هذه الأخيرة حظوظا أوفر بالفوز بعهدة ثانية خاصة بعدما قرر دافيد بليار من حزب "الخضر" التحالف معها، إضافة إلى الحزب الشيوعي.

ويذكر أن حزب "الخضر" كان قد حصل على 10.79 بالمئة من الأصوات. فيما يبقى المصير السياسي لقائمة عالم الرياضيات سيدريك فاليني (7.88 بالمئة من الأصوات) غير واضح المعالم.

وفي مرسيليا، يتمثل رهان الدورة الثانية في اسم الشخص الذي سيخلف جان كلود غودان من حزب "الجمهوريون" والذي تربع على عرش هذه البلدية منذ 1995 لغاية اليوم، ومدى إمكانية مرشح حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف ستيفان رافييه في التغلغل أكثر بالحياة السياسية في المدينة الفرنسية الثانية من حيث تعداد السكان.

جرت مساء الاسبوع الماضي مناظرة تلفزيونية ثانية بين المرشحين السبعة المتسابقين لنيل رئاسة بلدية باريس في سياق الانتخابات المقررة في 15 و22 مارس (الدور الأول والثاني). ويبدو الصراع حسب استطلاعات الرأي منحصرا أساسا بين العمدة المنتهية ولايتها، الاشتراكية آن هيدالغو وهي تحمل الجنسيتين الفرنسية والإسبانية، ومرشحة اليمين مغاربية الأصل رشيدة داتي. فهل ستتمكن وزيرة العدل في عهد رئاسة نيكولا ساركوزي (2007/2012) من انتزاع الحكم من منافستها الرئيسية واعتلاء هرم السلطة في العاصمة الفرنسية؟

كانت رشيدة داتي أول فرنسية من أصول مغاربية تتولى منصبا رفيعا في مؤسسات الدولة الفرنسية عندما شغلت منصب وزيرة العدل بين مايو/أيار 2007 ويونيو/حزيران 2009 في ظل رئاسة نيكولا ساركوزي (2007/2012). فهل ستكون أول فرنسية من أصل مغاربي لتولي منصب عمدة باريس 

السؤال مطروح بقوة نظرا لنتائج استطلاعات الرأي، والطموح مشروع لهذه المرأة البالغة من العمر 54 عاما والمتحدرة من أسرة مغربية من الجيل الأول للمهاجرين الآتين من شمال إفريقيا. فقبيل موعد إجراء الانتخابات البلدية المقررة (الدورتين الأولى والثانية)، ترشحها آخر الاستطلاعات للفوز في الجولة الأولى لتخوض دورة ثانية حاسمة أمام العمدة المنتهية ولايتها، الاشتراكية آن هيدالغو.

فالسؤال إذا: هل ستنجح المرشحة اليمينية في انتزاع بلدية باريس من منافستها اليسارية آن هيدالغو؟
داتي، المرأة التي أحيت آمال اليمين الفرنسي في استعادة باريس من اليسار

يُحسب لرشيدة داتي، التي تترأس الدائرة الإدارية السابعة في باريس منذ 2009، قدرتها على تحقيق مكسب لليمين في السباق على رئاسة البلدية بالعاصمة الفرنسية حيث أن التوقعات في البداية كانت مخالفة لذلك تماما نظرا لاندثار ثقل تيار اليمين في البلاد.

فقد دخلت داتي المنافسة وسط شكوك غالبية قيادات اليمين وسخرية البعض الآخر، علما أن هذا التيار قد خسر السباق البلدي في باريس قبل ست سنوات عندما حلت نتالي كوسيوسكو موريزيه ثانية خلف آن هيدالغو.

وأمام بروز ترشيحها في عمليات سبر الآراء، قالت داتي مساء الاثنين في آخر تجمع انتخابي لها بالعاصمة، ساخرة "قبل أشهر قليلة، ادعى البعض في حزبنا أنه لا داعي من ترشيح شخص من اليمين في باريس متذرعين بعدم وجود ناخبين كثر من اليمين. لكن اليمين موجود وبقوة، ولدينا قيم وأسس إيديولوجية ونظرة مستقبلية".