أرنست ارجانوس جبران
" فقال الله لنوح نهاية كل بشر قد أتت أمامى.  لأن الأرض إمتلأت ظلماً منهم . فها أنا مهلكهم مع الأرض " تكوين 6 .. ثم فى الأصحاح السابع يقول الله لنوح .. " لأنى بعد سبعة أيام أيضاً أمطر على الأرض أربعين يوماً وأربعين ليلة. وأمحو عن وجه الأرض كل قائم عملته. ففعل نوح حسب كل ما أمره الرب.
 
ولما كان نوح إبن ست مئة سنة صار طوفان الماء على الأرض " .. وعندما نتأمل فى سفر يونان النبى .. كان أمر الله الى يونان بن أمتاى قائلاً له:" قم اذهبْ الى نينوى المدينة العظيمة ونادِ عليها، لأنه قد صَعِدَ شرَّهم أمامى".. وبالفعل تاب أهل نينوى .. فالرب أيضاً يسمح بمثل هذه التجارب حتى نعود الى أنفسنا ونتوب ..
 
وهنا أيضاً أود أن أذكر قول الرب فى العهد الجديد كما جاء فى إنجيل لوقا والأصحاح السابع عشر: "وكما كان فى أيام نوح كذلك أيضاً فى أيام إبن الإنسان".. لأجل تذكيرنا ولأجل تعليمنا 
 
نعم .. "كذلك أيضاً فى أيام إبن الإنسان" فى عهدنا الجديد .. بالفعل .. فى بعض الأحايين يسمح الرب ببعض التجارب ومنها طوفان "هارفى" البسيط والذى يعبتر بمثابة نقطة واحدة من طوفان نوح .. إلا أنه ليس بالبسيط بالنسبة لنا نحن بني البشر.. نعم عندما حل إعصار هارفى الذى عشناه والذى أتى ما أتى من غرق ودمار ولكن هذه عيَّنة بسيطة لنتعظ .. ولكيما نكون مستعدين للحياة الأبدية .. نعم .. قصة إعصار "هارفى" أو طوفان "هارفى" كما أسميه هنا.. ففى يوم الإثنين الموافق الثامن والعشرين من شهر أغسطس من عام  2017 .. كان ذلك اليوم هو اليوم الرابع لهذا الإعصار .. لأننى لم أرَ منذ ثلاثين عاماً تقريباً فى مدينة هيوستن مثل هذه الأمطار والتى صاحبتها قوة من الرياح التى تطيح بأسقف المنازل .. وتغرق السيارات فى الشوارع وتقلع الأشجار من جذورها  .. نعم كل هذا يكون بسماح من الله حتى يفيق بنو البشر ويلتفتوا الى القوة السمائية القوة الإلهية العظمى .. وهنا وبالرغم من التكنولوجيا الحديثة وفى إحدى أكبر مدن أمريكا .. لم تستطع الجهود المبذولة والمجارى والبحيرات الصناعية والتى صُمِمَت لامتصاص المياه الزائدة من الأمطار .. كل هذه لم تكن كافية للتخلص من المياه الفائضة أو حجزها .. الشئ الذى جعل المجالس المحلِّية تقوم بإصدار أوامر سريعة وصريحة للسكان بإخلاء المنازل .. بل وأن المرء عندما يشاهد ما تأتى به القنوات الفضائية .. ويرى المنازل تحت الماء .. و كأنهم يرسلون رسائلهم من تحت الماء .. وكما قالها الفنان الراحل عبد الحليم حافظ فى رسالته من تحت الماء " إنى أغرق .. أغرق " .. حقيقة لا أدرى .. أشعر بأن الله غاضب مِنّا فى هذه الأيام التى إمتلأت بالأمور التى أبعدتنا عن عبادة الإله الحقيقى .. ولعل الله غاضب من أناس فى مدينة هيوستن يودون بناء برج من نوع خاص .. أم أنه برج معنوى لإبعادنا عن الإيمان الصحيح .. فوجد الله أنَّ بَلْبَلَة اللسان كما حدثت فى أيام "برج بابل"، لا تؤدى الى الغرض السريع .. ولهذا أتى "بالبَلَل" السريع  وليس " البَلْبَلَة " .. .. ولهذا غضب الله .. وصار الماء ينهمر ليل نهار .. وهنا كم من الأبراج التى تبنى وليست بالضرورة أبراجاً من الآجر والأسمنت وإنما هى أبراج من طولها وعرضها وارتفاعها فى الإنتشار السريع .. والتى تريد عمل الحواجز العِلْمِية والعالمية التى تحجبنا عن رؤية الله والتفاكر فيه والإيمان به .. هذه كلها .. كثيراً ما تبعدنا عنه .. هذه الأجهزة الإليكترونية الحديثة التى تجعلنا نقوم باستخدامها طوال الوقت .. بدلاً عن إيجاد الكتاب المقدس أو بعضاً من الكتب المسيحية .. وكأنما لا وقت لدينا لقراءتها .. أو التأمل فى كينونة الله الخالق الأعظم .. وهكذا كانت السماء تبكى ليل نهار حزناً على إبن آدم الذى أبدل عبادة الله الحقيقية الى عبادة العِلم والعلوم مع أجهزتها المتقدمة التى تناسَتْ ومازالت تتناسى بأن الله هو وحده الذى خلق العقل والذى بواسطته سمحَ لهذه التكنلوجيا أن ترى طريقها لأيدى الإنسان .. وبدلاً عن التأمل فى الله وعبادته وشكره الدائم على أفضالهِ الغير محدوده، أصبحَ هذا الإنسان يعبد المخلوق أو المصنوع بالأيدى دون الخالق .. نعم أصبح هذا الإنسان يعتقد بأنه من الذكاء الخارق الذى جعله يستطيع خلق الأشياء التى تسير على الأرض والتى تطير فى السماء .. واضعاً نفسهُ مكان الخالق الأعظم .. وهكذا تألمَتْ السماء الى درجة البكاء .. وصارت تبكى .. بكاءً مُراً لما يحدث تحتها من شرور صَعدتْ الى الأعالى .. فصارت الدموع تنهمر مِدراراً دون توقف لعدة أيام فأغرقت السيارات والمنازل .. نعم كان هذا بمثابة الإنذار للغضب الإلهى الآتى .. وكما أذكر .. أن مسئولاً فى مدينة هيوستن أعلنَ أنه لم يأت إعصار بمثل هذا الشكل منذ 800 سنة ..
و الآن .. ونحن نعيش فى منازلنا ظهرَ طوفان من نوعٍ آخر، طوفان لا يُرى بالعين المُجرَّده .. إلا أن له من القدرة أن يجتثَ جذورَ الإنسان فى خلال أيام قليلة .. نعم ظهرتْ بوادر هذا الفيروس والذى يُسمى بفيروس "كورونا" .. والذى ظهرَ فى أواخر شهر مارس و أوائل شهر أبريل من هذا العام 2020 .. إلا أن هذا الطوفان .. له طابع خاص .. يختلف إختلافاً جذرياً عن طوفان هارفى .. حيث صدرت الأوامِر الصِّحيَّة على العكس تماماً .. فبدلاً عن ترك المنازل والتى سبق وأن جاءت التنبيهات والأوامر الفورية بإخلاء المنازل واللجوء الى مناطق نائية .. هرباً من المياه التى ستغرق المنازل .. إلا أنَّ حالة طوفان "كورونا"، لها أوامر مخالفة تماماً .. لا خروج من المنازل .. فإن تركنا المنازل وخرجنا منها، سيحل "فيروس كورونا" فيضانه العارِم والذى لا يرحم .. !!! ..
 
وهنا وجب علينا التعامل الفورى مع الله بالصلاة الحارَّة والتى تتعامل مع الحَجْر الصِحِّى بالمكوث داخل المنازل .. وهكذا لابد من التعامل مع الوصية التى تقول: كما جاء بسفر أشعياء والأصحاح 26 حيث يقول:"هلمَّ يا شعبى ادخل مخادِعَكَ، واغْلِقْ أبوابَك خلْفكَ. اختبئ نحوَ لحظةٍ حتى يعبرَ الغضبُ" .. .. نعم حتى يعبر الغضب .. وكما جاء بإنجيل متى والأصحاح السادس" "وأمَّا أنْتَ فمتى صليتَ فادخلْ إلى مَخْدَعِكَ واغلِقْ بابَكَ، وصَلِّ الى أبيكَ الذى فى الخفاء. فأبوكَ الذى يرى فى الخفاء يُجَازِيكَ علانِية" .. آمين.. نعم ما أجمل أن نتعامل مع الله .. نصلى الى رب الأكوان ليكون معنا داخل المنازل .. نصلى ونطلب أيضاً من الله بألاّ يسمح بتصادم الطوفان الذى يُلْزِم الناس بالخروج من المنازل، مع الطوفان الآخر الذى يُلْزِم الناس بالمكوث داخل منازلِهم ..  يارب لا تسمح بمثل هذه التجربة .. وإلا سنكون مُعلقين بين الطوفانين .. و هنا تكون نتيجة التصادم فيها "كلام زى الطين" .. فاسمحوا لى بأن أردد التعبير "الدارِجِى" الذى أستخدمه مع أصدقائى عندما أسمعُ تعبيراً مُتعباً .. لتغيير مجرى الحديث بدلاً عن صعوبة الموقف، يتحول الى شئ من الفكاهة على الرغم بأننا لسنا فى مثل هذا الموقف .. أرجو المعذرة .. فالآن .. لنترك "الكلام اللى زى الطين" ونعود الى كلام الله المتين والحنين فى نفس الوقت .. ونقول .. يارب ارحم .. يارب ارحم .. يارب ارحم ..
 
وهنا تذكرت عظة أبينا المبارك يونان وليم كاهن كنيسة العذراء والملاك ميخائيل بمدينة هيوستن - تكساس .. والتى كانت بعد إنتهاء طوفان هارفى .. بتاريخ 15/10/2017 عن موضوع التوبة .. فكانت الرسالة الأولى هى: "دعوة الناس الى التوبة" .. لأننى اعتدتُ أن أدَوِّن هذه العظات فى كراسةٍ خاصة ومِصْدَاقاً لهذا التاريخ، وجَدْتُ ملحوظة مكتوبة فى صدْرِ العظة بأننى حضرتُ متأخراً للكنيسة فى ذلك اليوم لعدم سَمْعِى لصوت "المُنَبِّه" .. ولنعُدْ الى موضوع العِظة.. وهنا أود أن ألخص هذه السلسلة فى نقاط بسيطة .. لأن مشاغل الحياة تلهينا عن التوبة الحقيقية .. مثال ذلك ..1- تصديق الله: فأهل نينوى صدَّقوا مناداة يونان النبى .. لهذا لابد من تصديق الله فى وعوده لنا. 2- إدانة النفس: فأهل نينوى أدانوا أنفسهم ولم يبرروا أنفسهم بل تابوا .. كما فعل الإبن الضال .. ورجع الى أبيه تائباً. 3- عَمَل العِبادة "الصلاة والصوم": صامَ أهل نينوى وقدموا الإعتذار .. 4- الإتضاع وإنكسار النفس .. و هذا هو الإعتراف بالخطأ .. أنا خاطئ. 5- الرجوع الى الله .. 6- الرجاء .. نعم كان لأهل نينوى رجاءً فى الله .. إلا أن يونان النبى لم يعطِ الرجاء لأهل نينوى .. وحقيقة ليتنا ونحن فى منازلنا أثناء هذا الوباء، نتذكر هذه النقاط من عظة قدس أبينا الحبيب يونان ونعمل بها .. أرجو المعذرة، حيث قمت باختصارها نسبة لضيق المساحة .. الرب يبارك فى حياته وأيضاً فى حياة قدس أبينا المبارك جيمس جندى وفى خدمتهما .. يارب .. ومن هنا وبينما ونحن فى هذا السِجْن المنزلى، نحاول أن نستفيد من هذا الوقت فى قراءة الإنجيل .. وليتنا نتصل ببعضنا البعض عبر الهواتف لمناقشة  المعلومات الكتابية .. يارب .. نحن نرفع أيادينا إليك لترحمنا من هذا الوباء .. ونصلي لكَ ياربى يا يسوع المسيح الذى كنت على أرضنا تجول تصنع خيراً .. كنت تقيم الموتى وتخلق عيوناً للعميان .. يارب .. نحن الآن نطلب من قلوبنا ان تشفى المرضى بهذا الداء المُسمَّى "كورونا" .. بل نطلب أن تُمْحيه من سطح الأرض .. يارب .. نرجوك يارب .. حتى تُفتح لنا أبواب الكنائس .. ونرجع إليك تائبين .. يارب ارحم .. يارب ارحم .. يارب ارحم .. آمين ..